الإسلام حريص على أن يدفع أتباعه إلى الإيجابية فى حركة الحياة، ويحمل على صور التدين الزائف المشوش الذى يقلب الحقائق، ويعكس الأوضاع لخلل فى التفكير وقلة وعى فى الإدراك. لكن أناسًا ينتسبون لدين الله تعالى تجد منهم التماوت والخمول والكسل، ويرغِّبون فى الفقر وقلة ذات اليد تحت دعوى الزهد، والزهد منهم برىء، فالزهد معناه: أن تملك فتزهد. ومنطق هؤلاء يجتث الحياة من جذورها، فماذا يكسب الإسلام عندما يطلِّق المسلمون الدنيا ويتزوجها غيرهم؟ إن السلبية لا تخلق بطولة، والفشل فى كسب الدنيا يتبعه فشل فى نصرة الدين، ومن قال إن الدين عدو للدنيا، وإن من التقوى أن يعيش المسلم فى ثياب بالية، جاهلاً بحقائق الحياة، يعانى كآبة المنظر فى الأهل والولد؟ واختلال عقول هؤلاء أنشأ أجيالاً من المسلمين لا تفقه دينًا ولا تملك دنيا. إن القصور فى فهم الدنيا، والغربة على سطح الأرض، والعجز عن امتلاك زمام الحياة لا يدل كل ذلك على تقوى، بل يدل على طفولة فكرية تضر بالدين وتسقط ألويته. ماذا يفيد الإسلام من رجل مكَّن الله له فى الأرض فخاصمها ولم يتمكن، وجعلها الله له ذلولاً لينتفع بها فإذا هو كسول خمول لا يمشى فى مناكبها وحرم نفسه من نعم الله ؟! إن التعريف بالآخرة ليس تجهيلاً للدنيا أو صرفًا للناس عنها، إذا أحببت أن تصلح التعليم وأن تقتحم المستقبل وأن تبنى المؤسسات، وأن تسهم فى الاكتشافات والاختراعات، هل يمكن أن يتحقق ذلك بالعزلة؟! وهل يقبل عاقل الجهاد بالعصا فى وجه دبابة أو فى وجه التفجير الذرى؟! إن مثل هذه الأجواء تجعلنا نخشى على المستقبل، فإن التاريخ يصنعه الأقوياء، وإن الحياة يملكها من اجتهدوا فى طلبها ووقفوا على أسرارها، ولا عزاء للضعفاء! لا بد من نهضة العلماء لتبرئة الدين من هذا العوج، وتصحيح المفاهيم وفق ما جاء به القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية المطهرة، ومعلوم لدى أهل العلم أن الدنيا لها وجهان: دنيا محمودة، ودنيا مذمومة. فالدنيا المحمودة هى التى أمرنا الله بها، وأثنى عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} البقرة/201. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح". أما الدنيا المذمومة فهى النزوات المحرمة، والإفساد فى الأرض، والتعالى والتكبر والطغيان... إلى آخر صور العصيان التى نهانا ربنا عنها. يتضح من ذلك أن الدنيا تحمد أو تذم بحسب حركة الإنسان فيها، فإن كانت خيرًا فهى دنيا محمودة، وإن كانت شرًّا فهى دنيا مذمومة. (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ).. * أستاذ بجامعة قناة السويس.