أنا الذى بداخله جنى المصباح قد تخنث، ولم يعد يحقق الأمنيات كما أتمنى رغم محاولات الفرك الموروثة منذ ليالى ألف ليلة، فأنا المنحاز للصفر بلغة الرياضيات، صفراً يسارياً لا قيمة له، يمنح حزناً أبدياً وعجزاً عن سداد إيجار الشقة (قانون جديد)، رغم أن الإيجار يحوى ويا للسخرية صفرين يمينيين فى عداد المائة الرقمية. أنا الذى لم يعد قادراً على حل مشاكله البسيطة متحججاً بعلة الفقر والحسد، رغم أن الفقر والحسد لا يجتمعان منطقياً، على أن الأمر لا يخلو فى واقعه من تمام الفقر أو تمام الحسد نفسه، فكل شىء يحدث هجيناً، فالفقير لا يدفع إيجاراً شهرياً يتميز بثلاثة أرقام من فئة المائة جنيه، ورغم ذلك فأنا أجد صعوبة فى أمور أخرى تتعلق بوليد صغير لا تتفق براءته مع عالم أبيه، فالفقر لم يعد كما هو معروف عنه أو يشاع، وكذا أمور أخرى تظهر على غير ما أشيع عنها، فهو- أبوك - لا يرضى بفساد ولا يبتعد عنه، يبغض الخوف ولا يقدم على فعل يهدم معابده، خائف، حزين، بائس، يخشى وضع فصيلته الصغيرة ومنها أنت فى وضع تحتج معه على كونك ولدى، وكونى أباك. ولدى.. أنا لا شىء فى لغة أهلى، ولا اعتراف بى سوى فى شهادة ميلادك أنت ولدى الوحيد وقد أخطأ الكمبيوتر فى تعريف باقى الاسم. ولدى هذا أبوك الذى ما عرف كيف يغتسل من أخطائه أمامك، ولا أعرف كيف يحول بين وجودك والفقر، وبين وجودك وفشله، وبين وجودك وحزنه. فقد فشل أبوك فى أن يحصل على قرض بنكى كبير، يهرب به إن عجز عن سداده، ذلك لأن الموضوع بسيط جداً، أننى موظف (موسمى) ولست من المعينين على درجة، هو شرط يسقط عنى حصولى على أى قروض كانت أو ستكون. فشل أبوك فى أن يحصل على عضوية الحزب الحاكم، حتى تسهل عليه وعليك بواعث الضيق والروتين وكمائن الطريق. فشل أبوك فى أن يصنع رصيداً بالبنك، أو أن يكون صاحب قناة فضائية للمزيكا والفرفشة تتكسب من إلهاء الناس، أو أن يصبح لاعب كرة يتفاوض على الملايين رغم خروجنا من اللعب مع الكبار وحصولنا على الصفر العظيم، فشلت يا ولدى فى أن أزيح عنك مكاره العيش، أو أن أمنع حدوثها أو تأثرك بها، أخشى عليك نهاية خالد سعيد، أو أن يفقأ عينك مدرس مقهور، أو أن تنتهى فى حادث ميكروباص أو سيارة مسرعة على الدائرى، أخشى عليك أن تكون جباناً فتُظلم، أو أن تكون شجاعاً فتعتقل، أو تشترى جريدتك ويتم إقالتك من منصبك لأنك مزعج، أو تحاكم لتكديرك الصفو العام، فالشرفاء يا ولدى مرصودون دائماً. لك ولدى كل الخيار فى أن تكون ما تختار، ولكن أعلم أن أباك لن يفلح فى أن يقيك عواقب ما ستختار، الأمر جد صعب، ولكنى ألتمس منك صفحاً يقينى عذاب الضمير، ويمحو آثاراً حفرية من الألم، فأرجو أن تقبل العذر وأن تمنح الصفح.