سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كيف بدل الحلفاء مواقعهم فى الشرق الأوسط؟.. فوز عون يكشف عن خريطة جديدة تتحكم بها إيران.. رصيد السعودية ينفد فى اليمن وسوريا ولبنان والعراق.. وتركيا تناور الرياض وطهران لتحقيق مصالحها
من ينظر لخريطة المنطقة حالياً سيشاهد حجم التغيرات التى لا تقتصر على دولة أو ملف معين، حتى الحلفاء انقلبوا وتغيرت خياراتهم، ومن يتابع ما حدث مؤخراً فى لبنان سيضع يده على لب القضية، فمن كان يتخيل أن يضع زعيم تيار المستقبل، سعد الحريرى، يده فى يد ميشيال عون ويسير به إلى قصر بعبدا، رغم أن الأخير هو أكبر حليف لحزب الله، وللنظام السورى، المتهمين من جانب الحرير باغتيال والده، رفيق الحريرى . تحالف الحريرى - عون يغير خريطة السياسة اللبنانية
هذا التحول، حتى وإن وصفه عدد من المتابعين بأنه غير ذى قيمة، لأن موقع الرئاسة اللبنانية لا تأثير له مقابل رئاسة الحكومة المرشح لها الحريرى، لكن فى المجمل فإن ما حدث ربما يؤشر على خريطة التحالفات الجديدة فى المنطقة، وربما عناصر القوة أيضاً، فبعد صعود عون إلى كرسى الرئاسة اللبنانية بعد عامين من الفراغ الرئاسى، وشد وجذب بين كل القوى اللبنانية وتدخلات خارجية عطلت بشكل كبير التوافق اللبنانى، باتت إيران أقوى نفوذاً فى المنطقة من ذى قبل، استناداً للحاصل الآن فى لبنانوالعراق واليمن وسوريا، ومقابل هذه القوة يبدو أن قوى أخرى تراجعت قليلاً وأقصد هنا قوة إقليمية مثل المملكة العربية السعودية التى كانت أحد الفاعلين الأقوياء فى الملفات الأربعة، لكن يبدو أنها انغمست فى الحرب اليمنية وتركت لإيران حرية الحركة فى بقية الملفات.
من يتابع المشهد سيجد أن هناك تصعيداً فى الحديث عن حرب سنية شيعية، مسرحها الأساسى الدول الأربعة، اليمن وسورياوالعراقولبنان، وهناك من يعتبرون الدول الأربعة مسرحا لحرب بالوكالة بين السعودية وإيران، وبجانب السعودية تقف بقية دول الخليج التى تدرك خطورة التمدد الإيرانى فى المنطقة، ومعهم تركيا التى تبحث عن مكاسب تحققها فى هذه الملفات الشائكة، فهى لم تحدد الآن وجهتها، ولا تزال تناور السعودية وإيران فى آن واحد، وستقف مع من يحقق هدفها سواء بالقضاء على الأكراد على الحدود التركية السورية، أو استمرار تواجد قواتها العسكرية داخل الأراضى العراقية فى معسكر بعشيقية، أملاً فى الحصول مرة أخرى على "الموصل"، التى يعتبرها رجب طيب أردوغان، جزءا من الدولة التركية فقدته بسبب اتفاقية "سايكس بيكو".
السعودية تفقد حلفاء أقوياء لها
الأزمة الحقيقية تكمن فى أن الدول السنية وعلى رأسها السعودية على سبيل المثال بدأت تفقد عددا من حلفائها ومؤيديها سواء فى المنطقة أو العالم، فخروج الحريرى عن النسق السعودى وتحالفه مع عون يعد بمثابة تغيير فى تكتيك حليف قوى للرياض، كما أن تركيا كما قلت لا تنظر للأمر من الوجهة السعودية، بل هى تعلى من مصالحها، التى تعود بها على الفترة الاستعمارية، فتركيا أردوغان تبحث عن المجد العثمانى القديم، وكما قلت ستجرى لإيران إن رأت مصلحتها فى التحالف معها مرة أخرى، كما أن الحرب فى اليمن وامتدادها لهذا الوقت جعل التملل يصيب حلفاء التحالف العربى فى الغرب، وقد رأينا هذا فى الخطة الجديدة التى طرحتها الأممالمتحدة ورحبت بها واشنطن، والتى منحت الحوثيين وعلى عبد الله صالح موقع قوة فى مواجهة، عبد ربه منصور هادى، الموجود حالياً فى الرياض.
حتى فى سوريا، تشير كل التقارير إلى أن الغرب يعيد تقيم مواقفه تجاه الوضع هناك، وبات الحديث أقرب الآن إلى الحلول السياسية، وهو ما يمكن اعتباره تمكينا جديدا لإيران فى سوريا، خاصة أن الوضع على الأرض حالياً يمنح طهران الأفضلية كونها المساند القوى للحكومة السورية بجانب حزب الله والقوات الروسية، فى مواجهة المعارضة السورية المسلحة، المدعوة من السعودية ودول خليجية أخرى .
وفى العراق يقود الحشد الشعبى - الشيعى، المدعوم عسكرياً ومالياً من إيران، الحرب على الإرهاب، كما أن الحكومة العراقية تحكمها النزعة الشيعية، وربما يفسر ذلك ظهور الخلاف العلنى المتكرر بين العراق والسعودية، وتبادل الاتهامات بين الدولتين خلال الأسابيع الماضىة .
والسؤال الآن أين مصر من هذه التحالفات؟
المؤكد أن مصر ليست بعيدة عن هذه التحالفات، إدراكاً منها لأهمية الحفاظ على الأمن القومى العربى، لذلك فإنها تصيغ سياساتها الخارجية وفقاً لهذا المفهوم، وترفض المحاولات الإيرانية للاقتراب من القاهرة، قبل أن تعلن طهران صراحة تخليها عن توجهاتها العدوانية ضد الدول العربية وتحديداً دول الخليج، لكن فى المقابل فإن القاهرة لديها سياسة تجاه هذه الملفات ربما لا تتفق مع التحركات السعودية، لكن فى النهاية لا تتناقض مع المصالح العربية بشكل عام، ويكفى أن نشير على سبيل المثال للخلاف الأخير بين القاهرةوالرياض حول الوضع فى سوريا، وهو الخلاف الذى نشأ بعدما قال وزير الخارجية سامح شكرى على هامش المشاركة المصرية فى اجتماعات الدورة 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر سبتمبر الماضى، "موقفنا منذ البداية هو أن الصراع المسلح لن يحسم شيئا، وأنه لا مكان للتنظيمات الإرهابية فى سوريا جديدة. بينما رؤية السعودية هى أن الصراع المسلح سيحسم الأمور فى سوريا وسيؤدى إلى التغيير، ولكن هذا لم يحدث"، فالسعوديون غضبوا من هذا التصريح، وبدت الهوة تتسع ما بين البلدين تجاه الملف السورى، والذى أثر بطبيعة الحال على علاقات البلدين الثنائية .
الخلاف الواضح حالياً هو أن السعودية ودولا خليجية يعتبرون استمرار بشار الأسد فى حكم سوريا تدعيما للموقف الإيرانى بالمنطقة، لذلك فليس هناك من حل سوى خلع الأسد ونظامه من سوريا ولو بالقوة المسلحة، فى حين ترى مصر أن هذا النهج سيضر المنطقة بأكملها، وأن المنطقة لن تحتمل مثل هذا الصراع الذى سيضر بكل دول المنطقة ومن بينها الخليج بطبيعة الحال أكثر من إيجابياته .
المحصلة النهائية أننا أمام خلاف فى الرؤى داخل المعسكر السنى، أتاح لإيران بالتمدد وزيادة نفوذها فى المنطقة، وإذا لم تعيد الدول العربية ترتيب أولوياتها من جديد، وتبحث عن مخرج للأزمات التى تعانى منها ستفرض إيران قوتها ونفوذها ليس على الدول الأربعة فقط، وإنما سيمتد إلى دول الخليج نفسها، وهو ما يتطلب أن يكون هناك توافق عربى وخاصة بين الدول الكبرى وعلى رأسها مصر والسعودية حول آليات الحل للأزمات القائمة، وأن يكون الفيصل هو الأمن القومى العربى وليس مصالح ضيقة .