دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون بضرورة استجابة العالم أجمع والقادة الحكماء لإنقاذ المهاجرين واللاجئين، حيث إنها المشكلة التى باتت نؤرق الكثير من الدول. وجاءت دعوة الأمين العام فى مقال له ب6 لغات بمناسبة بدء أعمال مؤتمر قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة التى ستعقد فى نيويورك، والتى من المقرر أن يشارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفيما يلى نص المقال :
ربما لا توجد مسألة من المسائل المطروحة على قائمة الاهتمامات العالمية أكثر عرضة للتلاعب بها من جانب المهرة فى تهييج المشاعر من مسألة اللاجئين والمهاجرين. والمقابلة بين "نحن" و"هم" هى طريقة غير مسئولة لتوحيد الصفوف دأب على استخدامها أصحاب المصالح المتسمة بأنانية خطرة على مدار التاريخ منذ الأزمان الغابرة لطمس إنسانيتنا المشتركة. والاختلاف الحاصل الآن هو أن الناس يتنقلون بأعداد أكبر من أعدادهم فى أى وقت مضى، ولأننا نعيش عصرا تنتشر فيه الأخبار كسرعة البرق، فإننا نرى كراهية الأجانب تتصاعد وتتفجر إلى أعمال عنف فى أحيان كثيرة جدا.
ويمثل مؤتمر قمة الأممالمتحدة المعنى باللاجئين والمشردين إنجازا كبيرا فى لحظة حاسمة، ففى وقت تطغى فيه على النقاش العام أصوات صاخبة عديدة جدا، تستجيب الحكومات من مختلف أنحاء العالم بخطوات محسوبة يمكن أن تحقق نتائج فعلية إذا تم الالتزام بالوعود التى قطعت.
ومؤتمر القمة هو أول تجمع من نوعه لكبار القادة لمناقشة مسألة اللاجئين والمهاجرين، وسوف يعتمد اتفاقا رائدا بتوافق الآراء هو إعلان نيويورك.
وقد توافقت الصدف فجاء الاتفاق حاملا لاسم مدينة مشهورة بتنوعها الملىء بالحيوية، يرمز إليها تمثال الحرية بارتفاعه الشاهق فى مرفأ نيويورك، والأهم من ذلك أن الإعلان يرسى نهجا عمليا محكوما بمبادئ للتعامل مع التحديات التى يواجهها النازحون ويؤكد فى الوقت نفسه القيم التى نعتز بها أيما اعتزاز.
والأمور التى على المحك الآن بالغة الأهمية، فهناك اليوم أكثر من 244 مليون مهاجر فى العالم، ويزيد حاليا عدد المهجَّرين قسرا من دياريهم عن 65 مليون شخص، نصفهم من الأطفال، واللاجئون الفارون للنجاة بأنفسهم يواجهون فى أحيان كثيرة جدا مخاطر جسيمة فى رحلتهم نحو الأمان، ويعانى الكثير منهم عند وصولهم من التمييز بل والاحتجاز، وكثيرا ما يسافر اللاجئون إلى أماكن أبعد بحثا عن الأمان والاستقرار بسبب الصعوبات التى يواجهونها فى العالم الذى بات التنقل سمة غالبة عليه، غير أن المسارات القانونية نادرة، ويستغل المهربون منعدمو الضمير هذا الوضع فيتقاضون مبالغ باهظة لقاء فرصة للهروب تتهددها الأخطار.
ونظرا لأن الحروب بات أمدها الآن أطول من ذى قبل، فقد ازدادت صعوبة عودة اللاجئين إلى ديارهم، ما جعل فترة التشريد تمتد عبر الأجيال فى بعض الحالات، وخلافا للانطباعات السائدة، فإن الغالبية العظمى من اللاجئين ليست فى البلدان الغنية؛ إذ تبلغ نسبة الموجودين منهم فى العالم النامى 86 فى المائة، والبلدان الأكثر فقرا التى تستضيف لاجئين لا تتلقى مساعدة كافية، وفى العام الماضى، لم تحقق النداءات الإنسانية للأمم المتحدة إلا ما يزيد قليلا عن نصف الأموال المطلوبة.
كما أن خيارات إعادة التوطين لا تمثل إلا جزءا صغيرا جدا مما ينبغى أن تكون عليه، وقد تبين أن ما يقرب من مليون شخص كانوا بحاجة إلى إعادة توطين فى عام 2015، ولكن عدد من تمت إعادة توطينهم لم يصل إلا إلى ما يزيد قليلا جدا عن 000 100 شخص.
إن التحديات هائلة ولكن ينبغى ألا ننسى الفوائد، فباتباع النهج السليم، يمكن أن يحقق اللاجئون والمهاجرون فوائد للمجتمعات التى تبنتهم وأيضا لبلدانهم الأصلية. وهذا الجانب الإيجابى الموثق جيدا ينبغى ألا يغيب عن النقاش.
وينبغى النظر إلى إعلان نيويورك فى السياق الأوسع للجهود الدولية الجديدة والطموحة لتحسين الظروف المعيشية للناس حتى لا يضطروا إلى المغادرة، وتقع فى صلب هذا الأمر خطة التنمية المستدامة لعام 2030، خطتنا العالمية لتحقيق السلام والازدهار فى كوكب ينعم بالعافية، وإننا ندفع أيضا فى اتجاه منع نشوب النزاعات وتسويتها والحفاظ على السلام بعد أن تصمت المدافع.
وسيستمع مؤتمر القمة إلى شهادات من أشخاص تضرروا بشكل مباشر، وإنى أتطلع بشكل خاص إلى الالتقاء بسيدة نادرة الوجود قابلتها لأول مرة الشهر الماضى فى دورة الألعاب الأوليمبية فى ريو.
فالسيدة يسرى ماردينى هى سيدة سورية ولكنها تنافست ضمن فريق اللاجئين الجديد الذى أنشئ لرياضيين أجبروا على مغادرة أوطانهم شأنهم شأن الملايين من الأشخاص الآخرين فى أنحاء العالم المختلفة فقبل أن تتنافس يسرى فى سباق للسباحة، كانت فى سباق من أجل إنقاذ الأرواح.
وقد غادرت سوريا العام الماضى على متن مركب مكتظ براكبيه. وعندما توقف محرك المركب نهائيا، غاصت فى بحر إيجه وشرعت فى دفع المركب هى وبضعة سباحين آخرين بين المجموعة.
واستغرقهم الوصول إلى الشاطئ ثلاث ساعات بالغة القسوة. لقد وصلوا منهكين، ولكنهم برهنوا على قوة التضامن الإنسانى فى العبور بنا إلى بر الأمان، والبشرية كلها معا فى قارب واحد. وتأجيج الخوف أو إلقاء اللوم على "الآخر" أو اتخاذ الأقليات كأكباش فداء لن يؤدى إلا إلى زيادة الأخطار التى تهدد الجميع.
ويفهم القادة الحكماء أنه ينبغى لنا أن نسعى جاهدين لإنقاذ الجميع والعمل على تحقيق الاستفادة المثلى من إسهامات كل واحد فينا، وقيادة سفينتنا المشتركة نحو وجهتنا المشتركة، ألا وهى مستقبل يتيح الفرصة ويحقق الكرامة للجميع.