ما زال بشرًا، لم يرتق لمنزلة الملائكة، أو يُصبح من أولياء الله الصالحين.. قبل مباراة سيراليون خرج من «برجه العاجى» ليتحدث عن الأخلاقيات الفاضلة التى دفعته لاستبعاد بعض اللاعبين الأساسيين، وبعدها بيوم واحد، ذهب مساعده ليهين الصحفيين ويتركهم فى الملعب بصورة لا ترتبط بالأخلاق ولا تمت لها من قريب أو بعيد. حسن شحاتة «المعلم» صاحب الثلاثية التاريخية، التى لم وربما لن تتكرر فى تاريخ كرة القدم «مجددًا»، وراسم البسمة على شفاه الملايين.. تاهت خطاه وحادت قليلاً عن الصواب، ليس لأنه تعثر أمام منتخب ضعيف كسيراليون، ولكن لأنه بدأ يجر الكرة المصرية لمرحلة خطيرة، يدفع فيها المنتخب فاتورة «حسابات وعلاقات شخصية» للمعلم ورجاله. قد يكون المعلم «أكبر من كلماتنا»، وقد لا يحتاج نقداً أو تعديلاً من أحد ولكنه واجبنا قبل أن تغرق السفينة بمن فيها، وقبل أن ينتهى العصر الذهبى للفراعنة وتطوى صفحة أبرز أجيال الكرة المصرية. إذا عدنا بالذاكرة للوراء قليلاً.. فى مباراة سيراليون، استدعى فيها الجهاز الفنى تسعة لاعبين جدد لم يتواجدوا فى التشكيلة التى خاضت منافسات كأس الأمم الأفريقية فى يناير الماضى، هم محمد صبحى فى حراسة المرمى، وشريف عبدالفضيل ومحمد نجيب فى خط الدفاع، وأحمد خيرى ووليد سليمان وعمرو السولية فى الوسط، بالإضافة إلى أحمد حسن مكى وأحمد على وأحمد عبدالظاهر فى خط الهجوم. فنيًا، لم يستفد المنتخب المصرى فى مباراة سيراليون بأى من الوجوه الجديدة، ورغم الدفع بالثنائى مكى وعلى فى التشكيلة الأساسية للمنتخب، فإنهما لم يتمكنا من هز الشباك، كما تسببت الضغوط المفروضة عليهما طوال اللقاء فى عدم ظهورهما بمستوى جيد. أما وليد سليمان وعمرو السولية وأحمد عبدالظاهر الذين تم الدفع بهم فى الشوط الثانى من المباراة، فتباين مردودهم خلال المباراة.. الأول كان متميزًا وقدم أداءً إيجابيًا أكد أحقيته بالمشاركة بصفة أساسية فى مثل هذه المباريات، أمّا السولية وعبد الظاهر فلم يسعفهما الوقت لتقديم أداء إيجابى. ويستدعى تقييم تجربة «الإحلال والتجديد» للمنتخب المصرى الخروج من نفق «سيراليون» المظلم للنظر بصورة أعمّ وأشمل على محاور أخرى فى التجربة، أولاً.. تأثير الوجوة الجديدة على النزول بمتوسط أعمار المنتخب التى ارتفعت بصورة ملحوظة فى السنوات الأخيرة. الوجوه التسعة التى ظهرت فى قائمة الفراعنة أمام سيراليون، لم تسهم كثيرًا فى النزول بمتوسط الأعمار، فكل من محمد صبحى «28 عامًا» وشريف عبدالفضيل ومحمد نجيب «27 عامًا»، لا يتم تصنيفهم ضمن «كتيبة الشباب» أو حتى «جيل الوسط»، واستمرارهم فى المنتخب يقف حائلاً دون النزول بمتوسط الأعمار خلال المرحلة المقبلة، لأن عامين أو ثلاثة فقط يفصلونهم عن حاجز ال30. فى حين يُصنف الرباعى وليد سليمان «26 عامًا« وأحمد على وأحمد عبدالظاهر «24 عامًا» وأحمد حسن مكى «23 عامًا» ضمن جيل الوسط، ويعد السولية وخيرى الإضافتين الأفضل والأبرز فيما يتعلق بالنزول بمتوسط الأعمار. ثانى عوامل تقييم تجربة الإحلال والتجديد، يرتبط بكيفية الدفع بالوجوه الجديدة، بطريقة مرنة تضمن اندماجهم فى صفوف المنتخب، دون أى خلل، وهو ما فشل فيه باقتدار المعلم شحاتة ورجاله. ويبدو أن تجربة «جدو» التى رفعت شحاتة على الأعناق فى كأس الأمم الأفريقية، حينما نجح اللاعب البديل فى تغيير كفة كل المباريات التى شارك فيها، تستهوى المعلم من جديد، الذى يبحث عن لقب «صائد النجوم« من خلال المغامرة غير المحسوبة التى قام بها أمام سيراليون ودفع بأحمد حسن مكى وأحمد على منذ الدقيقة الأولى. أمّا العامل الثالث، فهو إمكانية استمرار الوجوه الجديدة فى صفوف المنتخب خلال المرحلة المقبلة، فرغم التصريحات المتكررة من الجهاز الفنى عن حتمية الإحلال والتجديد فإن «سوابق المعلم» تؤكد أن الإحلال عنده «اضطرارى بحت» لا يلجأ إليه إلا حين يفقد كل أوراقه. وعلى سبيل المثال، فإن شحاتة أصرّ فى فترة من الفترات على الدفع بأحمد سعيد «أوكا» قلب دفاع حرس الحدود، وكانت المباراة الرسمية الأولى ل«أوكا» أمام الجزائر فى لقاء الذهاب ضمن التصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم، وبعد ذلك حين استعاد المعلم «رجاله» و«عناصره» الأساسية أخرج اللاعب من حساباته. ونفس الأمر تكرر مع أحمد عبدالغنى، الذى كان لاعبًا أساسيًا فى صفوف المنتخب فى كأس القارات ثم خرج دون سبب مفهوم، ومثله إسلام عوض لاعب وسط إنبى، ومحمد شعبان لاعب بتروجيت السابق وإنبى الحالى، والسيد حمدى مهاجم بتروجيت وغيرهم. نترك تقييم مرحلة «الإحلال والتجديد» التى رفع المنتخب شعارها مؤخرًا، إلى نقاط سلبية أخرى كانت معلمًا أساسيًا من معالم «التخبط» غير المفهوم مع انطلاقة مشوار التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الأفريقية. وهناك ثلاث نقاط أساسية، تمثل أضلاع مثلث «الفشل» الذى بدأت أولى حلقاته أمام سيراليون وقد تستمر إذا لم يتراجع المعلم عنها.. النقطة الأولى، هى التشدد الأخلاقى، والثانية «عناد مدربى الأندية» أمّا الثالثة فهى «المغامرات غير المحسوبة». «الالتزام الخلقى».. يُعد إحدى الصفات التى التصقت بالجيل الحالى من المنتخب تحت قيادة شحاتة حتى أطلق عليه لقب «منتخب الساجدين».. وبدون مقدمات، شحاتة حول «الالتزام» المطلوب إلى «تشدد» غير مقبول، حيثُ الذى يُقر قواعد تضر بالمنتخب والصالح العام. أحمد عيد عبدالملك، لاعب حرس الحدود المشهور بعصبيته والخروج عن النص فى كثير من المباريات، قرر شحاتة استبعاده من المنتخب أمام سيراليون رغم «افتقاد الهجوم كل عناصر الخبرة» لأنه حصل على بطاقة حمراء وتم إيقافه فى إحدى المباريات المحلية مع فريقه.. أراد المعلم «تغليظ« العقوبة على المشاغبين وغير الملتزمين دون أن يكون طرفًا فى القضية، فهو ليس جهة عقاب تحكم على اللاعبين، كما أن اللاعب رغم عدم انضباطه مع فريقه، يظهر بصورة مختلفة تمامًا مع المنتخب. ويبدو أن الشيخ شحاتة، الذى فتحت تصريحاته السابقة النار عليه حين قال «إنه يختار اللاعبين وفقًا لتدينهم»، لا يريد أن ينال أحد من «التزامه وتدينه» بالطعن فى أخلاقيات لاعبيه، فيضم من يشاء ويستبعد من يشاء وفقًا لهواه. الضلع الثانى فى مثلث «الفشل».. هو العناد غير المبرر مع مدربى الأندية، خاصة الحسامين «البدرى وحسن»، المديرين الفنيين للأهلى والزمالك. استبعد شحاتة الثنائى محمود عبدالرازق «شيكابالا» وعمرو زكى من المنتخب من مباراة سيراليون بسبب «تمارضهما» على حد قوله، وتفضيلهما اللعب مع الزمالك على المنتخب.. ورغم الحاجة المُلحة إليهما قرر شحاتة أن تدفع مصر وجماهيرها ثمن خلافه مع خليفته المنتظر حسام حسن. أمّا البدرى، فظهر جليًا أن شحاتة يعانده فى مباراة سيراليون، حيثُ أصر المعلم على الدفع بأحمد حسن أساسيًا فى المباراة، ولم يستبدله حتى خرج اللاعب مصابًا فى الدقائق الأخيرة رغم استغاثات الجماهير لإنقاذها من الصقر. ويعود الخلاف بينهما، إلى تصريح حسام البدرى السابق، حين قال عن سبب عدم إشراكه أحمد حسن أساسيًا :«اسألوا حسن شحاتة» فى إشارة إلى جلوس اللاعب احتياطيًا فى مباراة الكونغو الودية، فقرر المعلم الدفع باللاعب منذ الدقيقة الأولى، وكانت النتيجة هى الهدف الذى سكن شباك مصر وكان أحمد حسن هو المسؤول الأول عنه. وأخيرًا، يأتى تخبط المعلم فى استدعاء الوجوه الجديدة، ورغبته فى «صناعة النجوم» ليكون ثالث أضلاع مثلث الفشل، الذى قد يحرمنا من الوصول لكأس الأمم الأفريقية فى نسختيها المقبلتين. لمعلوماتك... ◄ 6 سنوات مرت منذ تربع حسن شحاتة على عرش الجهاز الفنى للمنتخب ◄ 3 مرات متتالية يحصل فيها المنتخب على اللقب الأفريقى