تذكرت الأستاذ محمود دبور– رحمه الله – الذى كان رئيسا للنقابة العامة للعاملين فى البنوك ووكيلا لمجلس الشعب فى ثمانينيات القرن الماضى.. وكان منتسبا لجماعة الإخوان المسلمين فى بداية حياته.. تذكرت حوارا قصيرا بينه وبين الشيخ مأمون الهضيبى عندما رغب فى تطوير وجوده فى الجماعة ليصبح عاملا.. قال له الشيخ: "اتقسم على الطاعة العمياء؟!".. أجابه قائلا: "ولم لا تكون الطاعة مبصرة يا سيدى؟!".. انتهى الحوار.. وتم فصل دبور من الجماعة.. كان ذلك فى نهاية الأربعينيات من القرن الماضى.. وكانت تلك لحظة التحول فى حياة الرجل الذى فضل إعمال عقله.. محتفظا ببصيرته.. ومخالفا أهم قواعد تلك الجماعة.. أن تكون أعمى!! تذكرت تلك القصة بينما أقرأ التعليقات على مقال سابق لى بعنوان "فوبيا التطبيع" والذى سبقه أيضا "يعنى إيه تطبيع".. فأصابع تلك الجماعة بأنصارها من غير المبصرين– ولا عجب فهم يقسمون على ذلك– واضحة فى التعليقات التى أعتبرها من قلة.. بعكس ما وردنى من رسائل على بريدى الإلكترونى الشخصى.. ولا عجب فقد صارت هناك كتائب لدى المحظورة مهمتها متابعة مقالات الرأى على الشبكة العنكبوتية.. مستخدمة نفس أسلحتها القديمة – المستديمة – التشويش على الأفكار المخالفة لرؤيتهم.. وإرهاب كتابها بإلقاء التهم المتنوعة.. مرة بالكفر.. ومرة بالتطبيع.. ومرة بالتحرر.. وهى تهم لا ترهب أصحاب العقول على كل الأحوال. صاحب النظرة الثاقبة.. العالم بنفوس البشر صاحب هذا التعليق.. "ما تكشفى يا ست اكتر شكلك عامله عمله ويتغطى عليها والنبى اللى عارف عنها حاجة بخصوص الموضوع ده يقول أنت رحتى إسرائيل ولا أيه ؟؟ ولا بتقابلى إسرائيليين ومش عايزة تقولى".. أضم صوتى لصوته.. إذا كان أى من قراء اليوم السابع فى أى مكان فى العالم يعلم عنى شيئا بخصوص هذا الموضوع – بحسب تعبيره – أن يتقدم بما لديه.. وأنا أنتظر بشغف!! أما "الوطنى" الأوحد فى جمهورية مصر العربية.. الذى منح نفسه الحق فى توزيع الاتهامات.. "فعلا.. اليوم السابع فيها شوية مارينز أمريكى صهيونى.. دعوة للتفكير فى ثوابت ربنا يشفيكى من الوقوع فى غرام المستعمر والمحتل".. فأدعوه للبرهنة على تهمتيه اللتين ألقانى بهما.. الصهيونية والوقوع فى غرام المستعمر المحتل.. وهما تهمتين – إذا كان لا يدرك – لا تهمة واحدة.. أما ثوابته.. أو ثوابت من ينتمى لهم فليفسرها لى شريطة أن يعمل عقله.. فقد يساعدنى هذا على الشفاء!! الأستاذ خالد الشيخ.. أتفق معك تماما.. "حالة من الغثيان والقرف من هذا الكيان.. لا تعنى مقاطعة كل مكان تتواجد فيه إسرائيل أو العزوف عن زيارة مقدساتنا المحتلة.. وإلا نكون بذلك عزلنا أنفسنا بأنفسنا عن ممتلكاتنا وعن المجتمع الدولى كذلك.. لا بد من التفريق بين تعامل الأفراد على المستوى الشخصى وبين التعامل كنقابات أو مؤسسات من أجل التواجد وعدم ترك الساحة لإسرائيل بمفردها".. وأقولها بوضوح.. ودون خوف من أتباع الجماعة إياها معصوبى العينين.. أو الجماعات الأخرى التى تعتبر هذا الموضوع بابا لجلب الرزق والمزايدة وأشياء أخرى.. التطبيع فى رأيى هو الذهاب لدولة إسرائيل المحتلة.. لأى سبب أو غرض أو هدف.. بدعوة من هذا الكيان أو بمبادرة شخصية.. أما الذهاب إلى الأراضى الفلسطينية – الضفة وغزة والقدس – حتى لو كان بالحصول على تأشيرة دولة الاحتلال فليس تطبيعا. التطبيع فى رأيى حضور فعالية مؤتمر أومهرجان فنى أو ثقافى أو علمى تنظمها دولة إسرائيل أو أى مؤسسة إسرائيلية خارج أراضيها.. فى أى مكان فى العالم.. أما حضور فعالية تنظمها أى دولة أخرى بحضور إسرائيليين فلا أراه تطبيعا. التطبيع فى رأيى هو فتح سوق العمل الخاص مع إسرائيليين.. أما مساعدة رجال الأعمال العرب فى إقامة مشروعات فى أراضى فلسطين يفيد منها الفلسطينيين فليست تطبيعا.. حتى لو قال بذلك المزايدون والمستفيدون والمتاجرون بقضيتهم!! علمنا تطور التاريخ الإنسانى والحضارى أن السباب أمر فى غاية السهولة.. يقدر عليه الجاهل قبل المثقف.. الأصعب هو الحوار وإعمال العقل بالتفكير.. رفع الصوت والتشويش على الأفكار واستخدام ألفاظا حنجورية وإلقاء التهم بلا بينة أمر فى غاية اليسر يقدر عليه الغوغاء.. أما ضبط النفس وتمرين الذات على الاستماع أولا ثم النقاش دون تخطى حدود الموضوع المطروح فهو أمر صعب لا يقدر عليه إلا من امتلك منهجا فى التفكير. أتعجب من أمر هؤلاء الثائرين المناضلين الذين يولولون لغلق ميناء رفح البرى – رغم أنه مفتوح منذ أسابيع – ولا يتحركون بمسيرة واحدة صامتة يرفعون فيها اللافتات.. لنقل سفارة إسرائيل من مكانها على نيل القاهرة إلى مقر سكن السفير بضاحية المعادى.. ولا أقول غلق السفارة.. أو طرد السفير.. معصوبو العيون.. لا يرون إلا ما يؤمرون برؤيته.. ولا يفعلون إلا ما يؤمرون بفعله.. أتعجب من أمركم.. وأدعوكم لتقديم من لديهم عقول فى جماعاتكم – على اختلافها – للنقاش.. إذا ملكوا القدرة على نقاش امرأة مبصرة!! * كاتبة صحفية بالأهرام.