لغة الجسد هى نوع من الحوار النفسى أو تواصل غير شفهى، يجرى بين أكثر من طرف لا من خلال النطق، بل من خلال الصمت والملامح العامة للإنسان الصامت؛ كنظرات العيون وتعبيرات الوجه وحركات الجسم عن طريق إشارات وإيماءات تنطلق من جسد الإنسان ترسل رسالات محددة فى مواقف وظروف مختلفة، تُظهر لنا المشاعر الدفينة فنعرف من خلالها معلومات أو أفكار عن الشخص الآخر. وتعتبر لغة الجسد العامل الرئيسى لفهم الآخرين بل تصل لأن تكون أهم من اللغة المنطوقة، وملاحظة لغة وتعبيرات الجسد مع من نتعامل معهم قد يغيّر تغييراً جذرياً فى فهمنا لمعنى كلامهم ومجرى الحديث معهم، فاللغة وحدها لا تكفى لإيصال المعرفة بشكلها الصحيح، وإنما يلزمها تواصل بصرى، فهو القادر على إيصال العواطف والانفعالات التى تغنى هذه المعرفة وتجعلها ذات معنى أكبر. فحركات الجسد التواصلية ( لغة الجسد ) ذات أهمية فى التواصل البشرى وفى إيجاد تأثير عميق فى الآخرين، مما حدا بعلماء الاتصال بشكل عام وعلماء الاجتماع والتربية بوجه خاص، إلى زيادة اهتمامهم بهذا الموضوع ولعل من أهم هذه الإشارات القرآنية التى فتحت أعيننا على هذا قوله عز وجل فى سورة مريم ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)﴾ ( سورة مريم الآيات 28 – 29) وكذلك قوله تعالى فى سورة آل عمران ﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِى آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِى وَالْإِبْكَارِ (41)﴾ ( سورة آل عمران: الآية 41) فاستخدام الإشارة فى الآية الأولى، والرمز فى الآية الثانية يمثل دعوة إلى استخدام لغة الجسد، وكذلك العلاقة بين السُنة وبين لغة الجسد علاقة وطيدة ومترابطة، فقد عرّف الإمام السيوطى علم الحديث النبوى الشريف كما فى كتابه تدريب الراوى بأنه: " علم يُعرف به أقوال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأفعاله وأحواله". فحركات وأفعال النبى محمد (صلى الله عليه وسلم ) لها دلالات ومعانى لا تقل عن أقواله، وبناءً على ذلك فدراسة لغة الجسد بوجه عام أمر مرغوب فيه بلا شك. والفراسة تستخدم لغة الجسد كثيراً، والفراسة هى كما يقول الإمام الراغب الأصفهاني: " الاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله، وربما يقال: هى صناعة صيّادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله ". قلت: ومن أشكالها فى العصر الحاضر علم تحليل الشخصيات، ولقد حفل التراث الإسلامى بنصوص عن علم الفراسة، فقد أورد الإمام ابن الجوزى الكثير من صفات الحمقى فى كتابه أخبار الحمقى والمغفلين. ويقول الإمام الغزالى فى كتابه ميزان العمل: "ولذلك عوّل أصحاب الفراسة على هيئات البدن واستدلوا بها على الأخلاق الباطنة. والعين والوجه كالمرآة للباطن، ولذلك يظهر فيهما أثر الغضب والشر. وقيل: "طلاقة الوجه عنوان ما فى النفس". ويقول الإمام القشيرى فى الرسالة القشيرية: "باب الفراسة: قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ [سورة الحجر: 75] قيل: للمتفرسين...وقيل: كَانَ الشَّافِعِى ومحمد بن الْحَسَن رحمهما اللَّه تَعَالَى فِى الْمَسْجِد الحرام فدخل رجل فَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن: أتفرس أَنَّهُ نجار، وَقَالَ الشَّافِعِي: أتفرس أَنَّهُ حداد فسألاه فَقَالَ: كنت قبل هَذَا حداداً والساعة أنجر ( أى نجاراً).