مع اختلاف الطرق الصوفية إلا أن للمتصوفة ألفاظا قد انفردوا بها عمن سواهم، لها معان جليلة ومقاصد كريمة أرادوا بها الكشف عن معانيها لأنفسهم، وسترها عن مخالفهم، وهي معانٍ غامضة على غيرهم ممن باينهم وذلك غيرة منهم على أسرارهم أن تشيع في غير أهلها، وهي معان لها أسرار أودعها الله في قلوبهم وها نحنن ننقل بعض هذه المصطلحات كما وردت في الرسالة القشيرية باختصار وتصرف: وأقول دائما أن أهل التصوف لهم أحوالهم ولكل منهم خصوصيته، ولا يعنيهم من الخلق شيئا سواء اتفقوا معهم أو اختلفوا ، لذا فلنتركهم فى أحوالهم ولا نحاول التعامل مع ما يقولوا فهم من رأوا وهم من صدقوا ، ولك منهم تجربة خاصة فريدة . قد يكون بيننا ولي أو أكثر ولا نعلمهم الله يعلمهم .. ولم يضع الله سبحانه وتعالى للخضر صفات تميزه عن الآخرين حتى أن سيدنا موسى مر عليه ولم يعرفه إلا بعد أن حدثت معجزة الحوت .. ونستعرض هنا بعض مصطلحات الصوفية للتعريف بها طبقا لما تناقله أهل العلم، وهذا اجتهاد فعلم الباطن له أسراره ... الوقت، المقام، الحال، القبض والبسط، الوجد، الغيبة والحضور، الصحو والسكر، الذوق والشراب، المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة، القرب والبعد، الشريعة والحقيقة، النفس، الخواطر، الوارد، الشاهد. التصوف: وهو الصفاء. قال الشيخ القشيري: "محمود بكل لسان". وقال أحمد الجريري: التصوف مراقبة الأحوال ولزوم الأدب. وقال علي المزين: "التصوف الانقياد للحق". وقال أحمد بن محمد الروذباري: "التصوف الإقامة على باب الحبيب وإن طرد عنه". سئل أحمد الجريري عن التصوف فال: "الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دنيّ". الوقت: وهو الزمان. قال الصوفية: "الوقت أعز الأشياء عليك، فاصرفه في أعز الأشياء عليك الله رب العالمين". وقيل: "يريدون بالوقت ما يصادفهم من التصريف لهم دون ما يختارون لأنفسهم". وقيل: " واجعل لكل وقت شغلا وعملا ينفعك وإلا فقد يشغلك بما لا ينفعك". المقام: الاقامة والمنزلة. وهو ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب، وما هو مشتغل بالرياضة له. وشرطه أن لا يرتقى من مقام إلى مقام ءاخر ما لم يستوف أحكام ذلك المقام فان من لا قناعة له لا يصح له التوكل، ومن لا توكل له لا يصح التسليم، ومن لا توبة له لا تصح له الانابة، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد. الحال: قيل: هو معنى يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب اكتساب من طرب أو حزن أو بسط أو فيض أو شوق أو انزعاج أو هيبة أو اهتياج فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب. القبض والبسط: وهما حالتان بعد ابتعاد العبد عن حالتي الخوف والرجاء فالقبض للعارف بمنزلة الخوف للمبتدىء بالطريق إلى الله والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف. ومن أدنى موجبات القبض أن يرد على قلبه وارد موجبه إشارة إلى عتاب أو رمز باستحقاق تأديب فيحصل في القلب قبض. وقد يكون موجب بعض الواردات إشارة إلى تقريب أو إقبال فيه لطف وترحيب فيحصل للقلب بسط. يقول الجنيد: "الخوف من الله يقبضني والرجاء منه يبسطني والحقيقة تجمعني والحق يفرقني". الوجد: ما يصادف قلبك ويرد عليك بلا تكلف. قال المشايخ: "الوجد هو المصادفة والمواجيد ثمرات الأوراد". وسئل الشبلي: هل تظهر ءاثار صحة الوجد على الواجدين فقال: "نعم نور يزهر مقارنا لنيران الاشتياق فتلوح على الهياكل ءاثارها". الغيبة والحضور: غيبة القلب وحضوره. فالغَيبة هي غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق لاشتغال الحس بما ورد عليه ثم يغيب إحساسه بنفسه وبغيره بوارد من تذكر ثواب أو تفكر عقاب. ويقال لرجوع العبد إلى إحساسه بأحوال نفسه وأحوال الخلق إنه رجع عن غيبته فهذا يكون حضورا بخلق والأول يكون حضورا بحق وقد تختلف أحوالهم في الغيبة فمنهم لا تطول غيبته ومنهم من تدوم غيبته. وروي عن علي بن الحسين زين العابدين أنّه كان في سجوده فوقع حريق في داره فلم ينصرف عن صلاته فسئل عن حاله فقال: "ألهتني النار الكبرى عن هذه النار". المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة: فالمحاضرة حضور القلب ثم بعدها المكاشفة وهي حضوره بنعت البيان ثم المشاهدة وهي الحضور من غير بقاء تهمة. ويقال: المشاهدة ما قاله عمرو بن عثمان المكي رحمه الله أنّه تتوالى أنوار التجلي على قلبه من غير أن يتخللها ستر وانقطاع كما لو قدر اتصال البروق. القرب والبعد: فالقرب هو القرب من طاعته والبعد هو التدنيس بمخالفته والتجافي عن طاعته. فقرب العبد أولا بايمانه وتصديقه ثم قربه من الحق بإحسانه وتحقيقه ولا يكون قرب العبد القرب المعنوي من الحق إلا ببعده عن الخلق وهذه من صفات القلوب دون أحكام الظواهر والكون وأول البعد بعد عن التوفيق ثم عن التحقيق، وأما القرب بالذات فتعالى الله الملك الحق عنه فإنه متقدس عن الحدود والأقطار والنهاية والمقدار، ما اتصل به مخلوق وما انفصل عنه حادث مسبوق. الشريعة والحقيقة: فالشريعة التزام بالعبودية والحقيقة طريقة الوصول فكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فأمرها غير مقبول فالشريعة قيام بالأمر والحقيقة شهود لما قضى وقدر وأخفى وأظهر. واعلم أن الشريعة حقيقة من حيث أنّها وجبت بأمره والحقيقة أيضا من حيث أن المعارف به سبحانه أيضا وجبت بأمره. النفس: ترويح القلوب بلطائف الغيوب وصاحب الأنفاس أرقّ وأصفى من صاحب الأحوال. فالأحوال وسائط والأنفاس نهاية الترقي فالله خلق القلوب وجعلها محلا للتوحيد. فالأوقات لأصحاب القلوب والأحوال لأرباب الأرواح والأنفاس لأهل السرائر. الخواطر: والخواطر خطابات ترد على القلوب وقد يكون الخطاب بإلقاء ملك أو شيطان أو أحاديث نفس. وقالوا: إذا كان الخاطر من الملك فإنّما يعلم صدقه بموافقة العلم، وإذا كان من قبل الشيطان فأكثره يدعو إلى المعاصي، وإذا كان من النفس فأكثره يدعو إلى اتباع شهوة أو استشعار عبر. الوارد: ما يرد على القلب من الخواطر المحمودة مما لا يكون بتعمد العبد، والواردات قد تكون وارد سرور أو وارد حزن أو وارد قبض أو وارد بسط الى غير ذلك من المعاني. الشاهد: هو ما يكون حاضر قلب الانسان فكل ما يستولي ذكره على قلب صاحبه فهو يشاهده فان كان الغالب عليه العلم فهو يشاهد العلم فان كان الغالب عليه الوجد فهو الوجد فكل ما هو حاضر قلبك فهو شاهدك. المريد والمراد: قيل: "من صفات المريد التحبب إلى الله بالنوافل، والخلوص في نصيحة الأمة، والأنس بالخلوة، و الصبر على مقاساة الأحكام، والإيثار لأمر الله تعالى، والتعرض لكل سبب يوصل اليه، والقناعة بالخمول" (11). وفرّق القوم بين المريد والمراد فقالوا: "المريد هو المبتدي، والمراد هو المنتهي". وسئل الجنيد عن المريد والمراد فقال: "المريد تتولاه سياسة العلم، والمراد يتولاه الله برعايته، لأنّ المريد يسير والمراد يطير". وقال العارف بالله المحدث الشيخ عبد الله الهرري: "المراد من تطلبه الولاية". وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "قل ءامنت بالله ثمّ استقم". رواه مسلم الاستقامة: لزوم طاعة الله ومجانبة الهوى قال الله تعالى: {انّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقموا تتنزّل عليهم الملئكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون(30)} [سورة فصلت]. وقال أبو علي الدقاق: "الاستقامة لها ثلاثة مدارج: أولها التقويم، ثمّ الإقامة، ثمّ الستقامة، فالتقويم من حيث تأديب النفوس، والإقامة من حيث تهذيب القلوب، والستاقة من حيث تقريب الأسرار". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "استقم بطاعة الله ولا ترغ روغان الثعالب". وقيل: "الاستقامة لا يطيقها إلاّ الأكابر، لأنّها خروج من المعهودات ومفارقه الرسوم والعيادات". وقيل: "الاستقامة في الأقوال بترك الغيبة، وفي الأفعال بنفي البدعة، وفي الأعمال بنفي الفترة، وفي الأحوال بنفي الحجبة". الإخلاص: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد قال الله تعالى: {قل إنّما أنا بشر مثلكم يُوحى إلى أنّما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا(110)} [سورة الكهف]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله لا يقبل من العمل إلاّ ما كان له خالصا ابتغي به وجهه" رواه النسائي. وقال ذو النون المصري: "من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال". وقال أبو عثمان المغربي: "الإخلاص ما لا يكون للنفس فيه حظ بحال". وقال حذيفة المرعشي: "الاخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن". وقال مكحول: "ما أخلص عبد قط أربعين يوما الا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه". ويقول أبو سليمان الداراني: "اذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء". الصدق: وهو قول الحق في مواطن الهلكة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ(119)} [سورة التوبة]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد يصدق ويتحرّى الصدق" الحديث رواه الطبراني "حتى يكتب عند الله صديقا"، وقيل: الصدق موافقة السر النطق. وقال عبد الواحد بن زيد: الصدق الوفاء لله عز وجل بالعمل. والصادق من صدق في أقواله، والصدقي من صدق في جميع أقواله وأفعاله وأحواله. الحياء: وهو انقباض القلب لتعظيم الربّ قال الله تعالى: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء من الايمان" أخرجه الترمذي. ويقول ذو النون المصري: "الحياء وجود الهيبة في القلب". ويقول الفضيل بن عياض: "خمس من علامات الشقاء: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل". وقال السري السقطي: "إن الحياء والأنس يطرقان القلب فان وجدا فيه الزهد والورع حطا وإلاّ رحلا". الحرية: وهي أن لا يكون العبد تحت رق المخلوقات، ويقال: هي الإعراض عن الكل. قال الإ مام أبو علي الدقاق: "من دخل الدنيا وهو حر ارتحل الى الآخرة وهو عنها حر". والذي أشار إليه القوم من الحرية أن لا يكون تحت رق شىء من المخلوقات لا من أعراض الدنيا ولا عاجل الدنيا ولا حاصل هوى ولا ءاجل منى ولا سؤال ولا قصد ولا حظ ولا هدف. وقال ابراهيم بن أدهم: "إنّ الحر الكريم يخرج من الدنيا قبل أن يخرج منها". الذكر: وهو ذكر الخالق تبارك وتعالى قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)} [سورة الأحزاب]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله" رواه الترمذي، ويقول أبو علي الدقاق: "الذكر منشور الولاية فمن دقق للذكر فقط أعطي المنشور". وقيل اذا تمكّن الذكر من القلب فان دنا من الشيطان صرع كما يصرع الانسان اذا مسّه الشيطان ما لهذا فيقال قد مسّه الانس. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الذكر الخفي" رواه حمد. وقيل : "تفقّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: الصلاة، والذكر، وقراءة القرءان". الفتوة: كف الأذى وبذل النّدى، وقيل: الفتوّة الصفح عن عثرات الإخوان، وقيل: أن لا ترى لنفسك فضلا على غيرك. وقال الحارث المحاسبي: الفتوة أن تنصف وتنتصف. وقال عمرو بن عثمان المكي: الفتوة حسن الخلق، وقيل: هي اتباع السنة والوفاء والحفاظ على الحدود وإظهار النعمة وأسرار المحنة. الفراسة: المعرفة بما في سويداء القلوب بالاستدلال والعلامات قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [سورة الحجر]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله" رواه الترمذي. قوله: نظر بنور الحق أي بنور خصّه به الله سبحانه وتعالى ويقول محمد الكتاني: الفراسة مكاشفة المتقين. ويحكى أن فتى كافرا جاء الى الجنيد وهو متنكر فقال له: أيها الشيخ ما معنى قول رسول الله صللى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور الله" فأطرق الجنيد ثم رفع رأسه وقال : أسلم فقد حان وقت اسلامك فأسلم الغلام. الخلق الحسن: هو احتمال المكروه من الغير، وكف المكروه عن الغير، وفعل الخير مع من يعرفه لك ومع من لا يعرفه لك. قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)} [سورة القلم]. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أفضل؟ فقال: "أحسنهم خلقا" أخرجه ابن ماجه. قال الأستاذ الشيخ أبو القاسم: الخلق الحسن أفضل مناقب العبد ويظهر جواهر الرجال. وقال شاه الكرماني: علامة حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤن، وقيل: الخلق أن تكون من الناس قريبا وفيما بينهم غريبا، وقيل: حسن الخلق أن لا تتغير ممن يقف في الصف بجانبك، وقيل: الخلق السيء يضيق قلب صاحبه لأنه لا يسع فيه غير مراده. الجود والسخاء: وهو البذل والعطاء. قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (9)} [سورة الحشر]. قال الأستاذ القشيري: حقيقة الجود أن لا يصعب عليه البذل فالسخاء عند القوم يحتل المرتبة الأولى ثم يأتي الجود ثم الإيثار فمن أعطى بعض الناس وأبقى بعضهم فهو صاحب سخاء، ومن بذل الأكثر وأبقى لنفسه شيئا فهو صاحب جود والذي قاسى الضرر وءاثر بالبُلغة (ما يكفي العيش) فهو صاحب ايثار. الغيرة: وهي تعظيم حقوق الله واخلاص أعمالهم له. قال الله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ (33)}[سورة الأعراف]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه" رواه مسلم. وقال القشيري: الغيرة كراهية مشاركة الآخرين واذا وصف الحق سبحانه بالغيرة فمعناه: أنّه لا يرضى بمشاركة غيره معه فيما هو حق له من طاعة عبده. يقول الشبلي: والغيرة غيرتان غيرة لله سبحانه على عبده وغيرة العبد لله تعالى أمّا غيرة الله على عبده فهو أن لا يجعله للخلق فيضن به عليهم، وغيرة العبد للحق وهو أن لا يجعل شيئا من أحواله وأنفاسه لغير الله تعالى. مع العلم أنه لا يوصف الله تعالى بالغيرة التي هي اختلاجات عصبية مما هي من صفات المخلوقين. الولاية: من التولي والحفظ والنصرة والرعاية. قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} [سورة يونس]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "من عادى لي وليّا فقد ءاذنته بالحرب" الحديث رواه البخاري. قال القشيري: للولي معنيان الأول وهو من يتولى اللهُ سبحانه أمرَه فلا يكله إلى نفسه لحظة بل يتولى اللهُ سبحانه رعايتَه. قال الله تعالى: {وهو يتولّى الصالحين} (196)}[سورة الأعراف]. والثاني وهو الذي يتولى عبادة الله تعالى وطاعته، فعبادته تجري على التوالي وكلا الوصفين جميل، وحتى يكون الولي وليا يجب قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستيفاء ودوام حفظ الله ايّاه في السراء والضراء. وقال يحيى بن معاذ في صفة الأولياء: هم عباد تسربلوا بالأنس بعد المكابدة واعتنقوا الروح بعد المجاهدة بوصولهم إلى مقام الولاية. وقال سهل بن عبد الله: الولي هو الذي توالت أفعاله على الموافقة. وقد قالوا: من الولاية تحذير الناس من الاغترار بجمال الأفعال وحسن المقال وجريان خوارق العادات فلا يُراعى في الولي إلا الاستقامة على ما ثبت بالأدلة الصحيحة، وجريان الخوارق على يد العبد لا يدل على ولايته بل قد يكون ممكورا به وهذا ما يسمى استدراجا. الدعاء: وهو السؤال ، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60)} [سورة غافر] يعني اعبدوني أجبكم والدعاء عبادة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة" رواه الترمذي. وقال القشيري: والدعاو مفتاح الحاجة وملجأ المضطرين ومتنفس ذوي المآرب. وكان صالح المري يقول كثيرا: من أدمن قرع باب يوشك أن يفتح له. وقيل: الدعاء هو سلم المذنبين ولسان دموعهم ومراسلتهم وفي الدعاء الى الله دليل على أن من الكرب العظيمة ما لا يفرجها مال ولا جاه ولا سلطنة ولا طب وإنما يفرجها صحيح الافتقار والتوجه والالتجاء إلى من بيده النفع والضر. الفقر: قال الله تعالى: { لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ (273)} [سورة البقرة]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام" رواه الترمذي. ويقول ابراهيم القصار: الفقر لباس يورث الرضا اذا تحقق العبد فيه. وقال سهل بن عبد الله: خمسة أشياء من جوهر النفس، فقير يُظهر الغنى، وجائع يُظهر الشّبع، ومحزون يُظهر الفرح، ورجل بينه وبين رجل عداوة يظهر له المحبة، ورجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يظهر ضعفا. وقال بعض الصالحين: أتيناك بالفقر يا ذا الغنى ... وأنت الذي لم تزل محسنا وسئل يحيى بن معاذ عن الفقر فقال: حقيقته أن لا يستغنى الا بالله تعالى. وقال ابراهيم بن أدهم: طلبنا الفقر فاستقبلنا الغنى وطلب الناس الغنى فاستقبلهم الفقر. ويقول أبو حفص: أحسن ما يتوسل به العبد الى مولاه دوام الفقر على جميع الأحوال وملازمة السنة من جميع الأفعال وطلب القوت من وجه حلال.