"المجمع لا يمتلك شرعية تؤهله لمصادرة الكتب أو إباحتها، لأنه يتبع الأزهر الذى لا يتعدى كونه جامعة إسلامية، مهمتها تدريس العلوم وليس مراقبة الكتب، أو مصادرتها" هذا ما أكده المفكر جمال البنا ل "اليوم السابع" رداً على قرار مصادرة كتابه "المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء" وأضاف: القانون الإنسانى يجرم فعل المصادرة المشين، ويجب أن يكون الرد على الرأى بمثله على أن يدعم المعارض آراءه بما يتفق مع روح الإسلام، وتوازن العقل، ولهذا إذا كان الكتاب به أخطاء كما يزعمون فمحلها النقاش وليس المصادرة، لأن هذا القرار لا يصب فى مصلحة أحد إلا الكتاب الذى سيزداد الطلب عليه، وسينشر كما لم ينتشر من قبل، وهذا يساهم فى ترويج أفكاره على عكس ما يريدون. ورداً على ما سيفعله أمام القرار قال البنا: لن أفعل شيئاً مادام الكتاب فى السوق، ففى السابق أمروا بمصادرة كتابى "مسئولية فشل الدولة الإسلامية" وبعثوا بفاكس يطالبنى بعدم نشر الكتاب، لكن هذه المرة لم يرسلوا لى حتى رسالة إلكترونية، وأضاف البنا: فى مارس الماضى قمت برفع قضية ضد المجمع لأن جلساته وقراراته غير شرعية، وأنا الآن أنتظر الحكم فى هذه القضية، وإذا بدأوا فى تنفيذ قرار المصادرة فلن أتردد فى مقاضاتهم. وجاء قرار المصادرة فى جلسة المجمع التى عقدها الخميس قبل الماضى ووقع عليه الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر بصفته رئيساً للمجمع، وذكر القرار أن الكتاب به "شطحات" فقهية لا تتناسب مع الدين الإسلامى، وآراء مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية لأن "البنا"، كما يقولون يعتبر أن جسد المرأة لا يمثل عورة، وأن عورة المرأة المسلمة تبدأ من الصدر، بالإضافة إلى ما اعتبره المجمع "شطحات" أخرى عن المرأة فى القرآن الكريم، وأنه ينتقد الآراء الفقهية التى تدعو المرأة للاحتشام وتغطية جسدها. ويقول البنا فى الكتاب المصادر "كل مشروع للنهضة بالأمة، لابد أن يضع فى صدارته قضية المرأة وتحريرها من الأسر والأغلال، التى فرضها المجتمع عليها بحيث تكون (إنساناً) حراً تسهم مع المواطنين فى بناء بلادها كما هى (أنثى) لها حقوق وعليها واجبات، فإذا أدت واجباتها نحو المجتمع، فعلى المجتمع أن يسلم لها بحقوقها، ويشجعها على استثمار هذه الحقوق، فيما ينمى شخصيتها كإنسان وأم وزوجة، وبدون هذا فلن يكتب لأى مشروع النجاح، وكيف ينجح إذا كان نصف الأمة متخلفاً متعثراً، يبث التخلف والتعثير فى الأجيال الآتية، ويمسك بأقدام الأجيال الراهنة. وأشار البنا فى المقدمة إلى أن هناك تعارضاً واضحاً بين آيات القرآن وآراء الفقهاء، فيما يخص وضع المرأة ومكانتها فى المجتمع الإسلامى، برغم أن القرآن هو المرجعية الأولى للفقيه، وأن الفقهاء وقعوا فيما وقع فيه الخوارج الذين ابتسروا قول الله تعالى "إن الحكم إلا لله" ويبين البنا نجاح القرآن فى انتشال المجتمع الإسلامى من نظرة المجتمع الجاهلى المتدنية إلى المرأة، فالشاعر البدوى مثلا كان يقول: لكل أبى بنت يُرجى بقاؤها ثلاثة أصهار إذا ذكر الصهر فبيت يغطيها وبعل يصونها وقبر يواريها وخيرهم القبر فأتى القرآن ليقول: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَى ذَنْبٍ قُتِلَتْ" ويذكر البنا أن هذا النجاح تعرض لانتكاسات عديدة، لأن جذور التقاليد الجاهلية كانت عميقة، ولأن استغلال المرأة هو فى الحقيقة (مجمع الاستغلال)، ولهذا عنى القرآن الكريم بوضع ضمانات عديدة صريحة لحماية المرأة كجزء من التشريع. ويقول البنا إن القرآن ساوى بين الرجل والمرأة فى كل شىء، وليس أدل على هذا من قول الله تعالى "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَر وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" أو قوله جل وعلى "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" وكذلك برأ القرآن المرأة من قصة الخطيئة المشهورة، وجعل كلاً من الرجل والأنثى متساويين فى الخطأ، وفى تحمل مسئوليته بقوله "قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ". فى قضية زى المرأة التى أمر المجمع بمصادرة الكتاب على ضوئها، يذكر البنا فى الكتاب أن هذه القضية "من القضايا التى يلتبس فيها الباطل بالحق". وضمن منظومة إنصاف المرأة التى تبناها القرآن نجد البنا يظهر ما كانت ترتديه المرأة البدوية فى الجاهلية فكانت تغطى رأسها بخمار ليحمى شعرها من أشعة الشمس، وكانت ترخى هذا الخمار على ظهرها، فتظل فتحة الصدر عارية حتى تظهر منها (جذوع الثديين وما بينهما) وجاء الإسلام، فأقر هذا وقدم إضافة واحدة هى أن تغطى فتحة الصدر أو (الجيب) كما نصت الآية التى تقول "وليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ" وكان هذا هو معنى الاحتشام فى العصر الإسلامى ويضيف البنا "أن إقرار القرآن لخمار، أى غطاء الرأس لا يعنى فرضه، وإنما يعنى تقبله من مجتمع يأخذ به قبل الإسلام، ويعد جزءاً لا يتجزأ من الزى فى هذا المجتمع، فى هذا الوقت، فهو لم يبدعه، ولم يفرضه. وهذا ما اعتبره مجمع البحوث الإسلامية شطحات فقهية تسىء للمرأة المسلمة وللدين الإسلامى.