ماذا لو قادتك قدميك فى أحد شوارع المحروسة "مصر" وعشوائياً قمت باختيار عينة من أفراد الشعب المصرى وسألتهم عن رأيهم وتحليلهم "بلغة الفضائيات" للمشهد المصرى من 2011 إلى الآن لوجدت شبه حالة إجماع وفهم يرتقى ودون مبالغة لمستوى أساتذة ومتخصصين فى السياسة والاقتصاد والاجتماع على تحليل المشهد دون مواربة أو تحايل وببساطة وعمق شديد يطرح معك ملابسات ومقارنات وتفصيلات ليصل معك فى النهاية إلى حالة من القناعة أن هذه البلد حقا "محروسة" برغم كل ما تعرضت وتتعرض له من أحداث وأزمات عدة. ومعذرة مقدما لاستخدام اللفظ تجد أن هناك البعض ممن يصطنعون حاله من الغيبية أو الاستعباط إذا لزم الأمر ومازلوا يعيشون أوهاما "الإفراز الثورى المستمر" وهو مرض اختيارى يصاب به من يعزل نفسه عمن حوله وهو مدرك جيداً لحقيقه الأوضاع ربما أكثر من رجل الشارع البسيط. حقيقة أن مصطلح الثورة مستمرة كان فى وقت من الأوقات مصطلح مطاط ورنان يحمل بين طياته العديد من المعانى والأهداف قد يكون بينها ما يحثُ على بناء الأوطانِ وإصلاح ما فسد منها وإعادة تصحيح الأوضاع من المحسوبية والرشوة وتدنى بعض الخدمات..ويحمل من الناحية الأخرى عوامل الهدم من التظاهر والاعتصامات والتخريب والعنف الموجه لدى البعض الثورى الهائج. ويرى بعض من هؤلاء أن قانون التظاهر على سبيل المثال هو وسيلة قمع لهم ولأحلامهم وكأن الدول والشعوب تُبنى أو تتقدم بكثرة الاعتصامات والمظاهرات وهو ما صُدر فى المشهد من بعض منظمات المجتمع المدنى المشبوهة وهو الأمر الذى أصبح مفضوحاً أمام الجميع فيما بعد. دعونا نتفق أن أى مواطن مصرى بسيط يحيا على هذه الأرض هو ضد كل ما ذكر من مظاهر فساد لعهود وسنين وتراكمات سابقة يحملها جهاز حكومى بيروقراطى عتيق يطوى بين طياته دولة مؤسسات بقدر ما يحمل مشكلات وقنابل موقوتة من إدارة تُعيق العديد من مشروعات ومخططات التنميه المستدامة والتى قد تنسف تلك الأحلام والمخططات نسفاً من أساسها. ولكن السؤال الأخطر والأهم والذى أعلم أنه قد طرح فى العديد من طاولات النقاش والبحث والدراسة هل الحرب ضد الفساد والبيروقراطية وسلبيات الإدارة الحكومية بوجه عام تكون من خلال تلك الدعوات المريبة والخبيثة والتى أقصى ما يمكن أن تفعله هى حالة من التشويش أو الإحباط أو التقليل من حجم أى إنجاز على أرض الواقع. للأسف ورغم رغبة جموع الشعب المصرى فى الإصلاح والتقدم إلا أننا ما زلنا نحمل بداخلنا العديد من تلك الموروثات القديمة المتعفنة أمثال.. (إن فاتك الميرى اتمرمخ فى ترابه).. ورفض فكره ربط الأجر بحجم الانتاج والعمل. وكل ما نريده مزيدا من الإنجازات ونحن مكتوفى الأيدى لا نسعى إلا بالكلام المهاترات دون الإبداع والتميز. حاله غريبة من الازدواجية أن تجد البعض يحلم بالأفضل وهو مازال متمسكاً بالوظيفه التقليدية والمرتب آخر الشهر.. فهل كل من سبقنا للتقدم والنمو كان هذا منهجه ومناوله للسيرٍ فى هذا الدرب. بكل تأكيد للدولة دور كبير وهام فى وضع استراتجيات التنمية بداية من توفير فرص عمل واستثمار غير تقليدية ومتطورة. ومحاولة إيجاد آليات تتغلب وتقتل ذلك الروتين الحكومى البغيض. قد يختلف البعض حول نظريه المؤامرة الخارجية على مصر وقد يهول منها البعض الآخر ولكنى أرى وبكل ثقة أن الداخل هو الأخطر حتى وإن كان مدفوعاً بعوامل خارجية توفر كل مناخ تلويث الأفكار وتدمير العقول سياسياً أو حتى من خلال مافيا المخدرات واللعب بالعقول من ناحية أخرى ليلتقيا فى النهاية وتكون النتيجة مزيدا رواد المقاهى طوال الليل وحتى الساعات الأولى من فجر اليوم التالى حقاً إن الداخل هو الأخطر على مصر من الخارج فجيشنا وأجهزة المخابرات كفيلة بالتعامل بكل حرفية ومهارة مع الخارج ومخططاته ولكن العبء الأخطر والأهم هى عقول الداخل بثقافتها ومناهج تعليمها التقليدية وأدبيات الأخلاق المصرية التى بدأت تُمحى تدريجيا والخطاب الدينى الذى يحتاج مزيداً من التطوير والمتابعة بشكل عام. إنها منظومة متكاملة لا تستطيع أن تفصل فيها التعليم والثقافة والدين عن الأمن والاقتصاد والسياسة وما بين كهوف البيروقراطية والتطوير الحقيقى للتعليم والثقافة والخطاب الدينى.... يأخُذنا حديثً آخر.