دعانى أحد أقربائى لحضور حفل زفاف ابنته فى إحدى القاعات المطلة على النيل بمدينتى . فضل الأولاد الجلوس لمشاهدة قنوات الدش واللعب أمام الكمبيوتر ورفضوا الذهاب معى .. وفى الحقيقة وجدتها فرصة للابتعاد عن المشاجرات اليومية المعتادة بسبب المسلسلات وقنوات الكارتون والتى أنهيها كل يوم بأغلظ ( الأيمانات) بأن أفصل الريسيفر وأغلق التلفزيون وأضع (باسوورد ) للكمبيوتر إذا لم يتفقوا ويكفوا عن الشجار، ولكنهم كفرقاء فلسطين يبتسمون ويهادنون وقت ثورتى وبعدها بساعة يتناحرون !! المهم غادرت إلى الحفل بالنادى المطل على النيل .. استقبلنى صديقى وزميلى فى العمل ومعه ابنه الصغير ذو السبع سنوات .. الجو حار جداً .. والحفل ممل .. تطلعت إلى مياه النيل استجدى منها نسمات تلطف حرارة الطقس .. رفعت عينى قليلاً على بُعد عشرات الأمتار مستنجدا بالهواء البارد فوقعت عينى على تجمهر كبير بامتداد الكوبرى الذى يربط بين ضفتى النيل .. ظننت - فى البداية - أن هؤلاء الناس مثلى فى حالة قرف من عيالهم ومن الحر ومن اختفاء الأرز وغلاء الأسعار وصعوبة امتحانات الثانوية العامة .. أمعنت النظر من موقعى فهالنى ما رأيت ..رهط من الشباب بالشورت فقط يقف على سور الكوبرى الحديدى ويقوم بالقفز فى الماء واحداً تلو الآخر !! الوقت كان يقترب من منتصف الليل والكوبرى عليه المئات يشاهدون الشبان الذين استطعت أن أحصى منهم ثلاثة من موقعى البعيد نوعاً .. نبهت صديقى المنشغل بطفله الصغير بذهولى بغمزات متتالية فى قدمه القريبة منى إلى ما يحدث معتقداً أن هناك انتحارا جماعيا لشباب مدينتى ! ضحك جارى من سذاجتى التى مازالت تلازمنى – حسب رأيه - منذ أن سكنت المدينة قادماً من القرية ! وأشار إلى منطقة من الكوبرى لم أكن أراها .. يا للهول .. شاب لم يكتف بالقفز من أعلى سور الكوبرى الحديدى بل تحدى خوفى وأغراه تشجيع المتجمهرين فتسلق أعلى عامود الكهرباء الذى يضئ الكوبرى وقفز منه إلى النيل وسط تصفيق وتهليل الحاضرين !! واستفسرت من صديقى – على استحياء - عن هذا السلوك الخطر فأجابنى بأن هذا معتاد فى هذا المكان يومياً خلال أشهر الصيف. تركت ما يدور بالحفل ولم أدر بوالد العروس وهو يرحب بى فكان تركيزى كله مع كل شاب يقفز إلى المياه أتتبعه رغم سوء الإضاءة وبعدى عن المكان حتى يطل برأسه من المياه فأطمئن أنه حى يرزق .. فأنتقل إلى القافز التالى وهكذا .. حتى تعبت عيناى من انعكاس أضواء أعمدة الإنارة على سطح النيل .. ولا أدرى حتى الآن ما الذى يدفع هؤلاء الشباب إلى القفز فى المياه بهذا الأسلوب الانتحارى فى نص الليل .. وما الذى يدفعه للخروج من هدومه ؟ هل هو الغلاء الذى جعله ( يصيف ) ويمارس الرياضة ( ببلاش ) ؟ أم البطالة التى دفعته للهروب من اليابسة إلى الماء ؟ أم من المسئولين الذين تفرغوا للتخطيط والإعداد لاحتلال مقاعد مجلس الشعب الجديد؟!