سوق هائلة للكتاب، يتخطى العنوان الواحد منها مجمل الأعمال والطبعات التى صدرت للكثير من روائيى وشعراء الستينات حتى الآن، وهى الأعمال الصادرة عن كتب الجيب ومعروف أنها لا تخرج عن نطاق أدب الرعب والخيال العلمى وفكرة البطل، سواء بشكله التقليدى، مثلما فى شخصيتى "أدهم صبرى" و"نور" اللتين ابتدعهما نبيل فاروق، الذى يعتبر ظاهرة لم يشهد العالم العربى لها مثيلاً من قبل، فقد تجاوزت مبيعاته مليونى ونصف المليون نسخة، من مجمل السلاسل التى قام بنشرها فى المؤسسة العربية الحديثة. د. أحمد خالد توفيق فى سلسلة "ما وراء الطبيعة"، رسم بطله "رفعت إسماعيل"، الكهل المريض بأمراض الدنيا. فى كل الأحوال نجح كلا الكاتبين، وقبلهما العديد من الأدباء الذين توجهوا للشباب بالرعب والخيال والبطولة، فى تكوين أجيال بدأت قراءاتها بها. ولا نخفى سراً إذا قلنا إن معظم أبناء الكتابة الجديدة بدأوا قراءاتهم بالمغامرات والروايات الصادرة عن المؤسسة العربية الحديثة، التى احتكرت بامتياز كتب الجيب. أحمد خالد توفيق لديه مبررات كافية لابتعاد الأدب فى شكله التقليدى عن الدوائر الشعبية من الشباب والقارئ العادى، الذى يبحث عن المتعة و"التسلية"، أولهما أن الأدباء أنفسهم ينظرون إلى الخيال العلمى والرعب باعتبارهما منطقة دونية، فضلاً عن أن العالم العربى تم برمجة عقله خلال الخمسينيات والستينيات على أن الأدب هو ما "يخدّم" على السياسة، وهو كل ما يرتبط بتأصيل قيم العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية والجمال، لذا لم يضع المثقفون فى اعتبارهم أن ما نطرحه يمكن أن يرسخ قيماً أخرى ولكن بصيغة مختلفة، مثل الترغيب فى حب المعرفة وإعلاء قيمة العقل والاكتشاف. واكتفى النقاد والمثقفون بالتعالى على الخيال العلمى باعتباره أدباً من الدرجة الثالثة. هذه واحدة يضيف د. خالد أما السبب الآخر فيرتبط بنظرة الدولة للمثقف "الدولة تكره المثقف المثقف.. هناك تصور عام بأنه "منكوش" الشعر، متحذلق، يدخن كثيراً، يرتدى نظارة سميكة تم لحامها بالنار، دائماً فقير وثرثار ومزعج، يقول كلاماً "مجعلص"، غالباً ما يكون شيوعياً وكافراً ويستأهل الحرق.. لذا لا تندهش كثيراً إذا ابتعد الناس عن المثقفين، واستبعدتهم الدولة من خريطة مشروعاتها واهتماماتها". أرقام مبيعات سلسلة "ماوراء الطبيعة" تخطت الخمسين ألف نسخة للعدد الواحد. فيما احتلت رواية د. خالد "يوتوبيا" الصادرة عن دار ميريت قائمة الأكثر مبيعاً لفترة طويلة، ورغم ذلك لم تتجاوز الخمسة آلاف نسخة على أقصى تقدير، لأنها لم تستهدف جمهور د. خالد التقليدى من الشباب والمراهقين، حيث تدور حول صياد وفريسة، كلاهما ينجذب إلى الآخر وتربطهما علاقة منافع.. الصياد يمص دم الفريسة، ويكتفى أصحاب مستعمرة يوتوبيا بالساحل الشمالى (الصيادون) بالفرجة على الفرائس.