لا أعرف لماذا يحب المصريون أحيانًا "تفريغ" قضاياهم المهمة حتى يتم اختزالها فى قضية تافهة لا قيمة لها.. ويثير العجب والدهشة أن يتداول مسئولو اتحاد الكرة حكاية اعتذار أحمد شوبير وكأنه جوهر أزمة تعرية أنفسنا أمام العالم وتقديم مادة دسمة للإعلام الجزائرى الذى لا يريد أن يهدأ وينسى ويواكب عقلانية الإعلام المصرى حاليًا. ماذا سيفيدنا اعتذار شوبير وبماذا سيفيد الموقف المصرى الذى زاد اهتزازًا بعد أن اعتبرت الصحافة الجزائرية شوبير بطلاً قوميًا، بل تكاد تعتبره جزائريًا مقيمًا فى مصر يدافع عن حقوق بلاده ويكشف لها أسرار وخبايا دولة أخرى هى مصر.. ومن العجب العجاب أن تتسابق صحفنا وبرامجنا التليفزيونية من أجل اختراق موقف مجلس إدارة اتحاد الكرة لمعرفة حجم الانقسام بين المؤيدين والمعارضين لقبول اعتذار شوبير ومنع شكواه للنائب العام. واتحاد الكرة يعرف أن شوبير يريد أن يعتذر لكى يفلت من هذا المستنقع الذى غرق فيه بإرادته وفى لحظات تهور.. وليس لأنه يعترف بخطأ معلوماته وخطأ تفجيراته ليبرئ الاتحاد ويبرئ مصر كلها من فضيحة تدبير الاعتداء على أوتوبيس فريق الجزائر.. وربما بعض الأعضاء فى الاتحاد لا يتحمسون لتقديم البلاغ إلى النائب العام لأن أول توابع البلاغ أن يتم التحقيق فيه.. والتحقيق فى حد ذاته لا يحبه الذين على رأسهم "بطحة" فربما يمتد إلى موضوعات وقضايا أخرى. وهل ستسفيد مصر وشعبها ورياضتها من اعتذار شوبير فيلغى اتهاماته للاتحاد ويجعلها وكأنها لم تكن فتصبح صورتنا أفضل.. وهل سيستفيد اتحاد الكرة من الاعتذار فى أى شئ.. والله العظيم لا أحد فى مصر سوف يجنى أى استفادة باستثناء شوبير الذى يريد أن يخرج على الهواء مرة أخرى فى قناة "otv" ويريد أن يستعيد أرضه الإعلامية المفقودة ويفك الحصار الرهيب حوله الذى هو شخصيًا تسبب فيه.. فأعداؤه المعروفون لم يضروه أكثر مما أضرّ نفسه.. وفى النهاية الأعمال بالنيات وما طار "ظالم" وارتفع إلا كما طار وقع. والقضية الحالية صورة بالكربون من القضية الخلافية الشهيرة بين شوبير ومرتضى منصور.. أخطاء فادحة من شوبير وعقوبات قاسية واعتذارات مهينة متتالية.. وهذا يعكس قصورًا مهنيًا من شوبير لا يتفق مع النظرة العامة إليه كإعلامى ناجح.. النجاح ليس بإثارة المشاكل والأزمات والجلوس دومًا على فوهة بركان كما لو كان انشغال الرأى العام هدفًا استراتيجيًا فى شخصيته. لكن بالتعمق فى الأحداث.. ربما يرون لنا أن نعتبر تضخيم قيمة اعتذار شوبير نوعًا من الدهاء "الجبلاوى" الذى نجح فى تحويل أنظار الرأى العام من القضية الأساسية الخاصة بعقوبات الفيفا والفشل فى إدارة الملف إلى قضية شديدة التفاهة تهتم فقط باعتذار لا مردود له ولا تغير من الواقع شيئًا ولا يحسن صورة ولا يجمل شكلاً.