اعترف بأن مأمون فندى واحد من أفضل كتاب المقالات فى عالمنا العربى ، لقد وفرت نشأته الأولى فى صعيد مصر فرصة التشبع بالثقافة المصرية والعربية ، كما أتاح له تعليمه فى الولاياتالمتحدة وعمله وسط مؤسسات أمريكية حيوية، امتلاك خبرات ومعارف واسعة نادرا ما يصل إليها مهاجر عربى .كما اعترف بأن مقالاته تتميز بطعم خاص، مهما اتفقت أو اختلفت مع مضمونها لكن يبق كل ما يكتبه مميزا بجاذبيته الخاصة ومثيرا للجدل المفيد والبناء. فى حال اتفقت مع مقالاته مأمون فندى ستستمتع بطريقته الشيقة فى إقناعك برؤيته وتسويقه الجيد لأفكاره ، أما إذا اختلفت معه سوف تبقى فى حال استنفار منذ بداية المقال حتى نهايته . عموما أنا هنا لست فى معرض تقييم كتابات مأمون فندى الأستاذ بجامعة جورج تاون الأمريكية بقدر ما أسجل اهتمامى بكل ما يكتبه حيث أحرص على مطالعة مقالاته فى الصحف العربية والمصرية ، فضلا عن متابعة معاركه الصحفية سواء مع كتاب إسلاميين مثل فهمى هويدى أو مع بلدياته الصحفى مصطفى بكرى. استوقفنى مقال أخير بعنوان "السياسة والسياسات "صور فيه مأمون فندى أن هناك صراعا بين "مجموعة السياسات والسياسيين فى الحزب الوطنى" ، معتبرا أن الفريق الأول يمثل المستقبل المشرق لمصر ، بينما الفريق الثانى رمز للرجعية والتخلف بمعنى آخر أن الفريق الثانى يهدم ما يبنيه الأول ..شخصيا أعتبر أن محتوى المقال يعد أخطر ما كتب فندى عن الشأن المصرى منذ فترة طويلة،لأنه لمس بشجاعة منطقة شائكة شديدة الحساسية يدرك خطورتها كل متابع بدقة لما يجرى فى مصر من تحولات ويحسب له المبادرة الأولى فى اقتحام حقل الأشواك داخل دهاليز الحزب الوطنى الذى يدير معظم شئون مصر فى الفترة الأخيرة . بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع رؤية فندى الإيجابية تجاه ما أسماها "مجموعة السياسات "وتصويره لها كونها تقبض بيدها على طوق نجاة قادر على إنقاذ مصر من التخلف والأخذ بها إلى مصاف الدول المتقدمة ، فى المقابل صور الطرف الآخر الذى أطلق عليه فريق "السياسة "أنه ليس متخلفا وحسب ، بل اعتبره أحد أجنحة أيمن الظواهرى الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة وأن أعضاء هذا الفريق يتبنون أفكار "طالبان "واردة من جبال تورا بورا الأفغانية ..المقال يحمل الكثير من المعانى التى تستوجب المناقشة والبحث على نطاق واسع بعيدا عن التلاعب بالألفاظ أو التأثر بأفكار سابقة التجهيز . أتصور أن ما ذكره فندى بشأن التناقض بين رجال السياسات والسياسة يعنى بالدرجة الأولى، أن هناك صراعا بين "جمال مبارك "باعتباره يقود فريق السياسات، وبين "مؤسسة الرئاسة" باعتبارها تقود فريق السياسة. وإذا صح هذا الاستنتاج فإن هذا يعنى أننا أما كارثة سياسية يدفع ثمنها الوطن كله ..من جانبى أدعو مأمون فندى إلى استكمال ما طرحه فى المقال السابق ، بل عليه أن يواصل توضيح هذه القضية الخطيرة والاقتراب أكثر من الصراع بين أجنحة السلطة ،لأنه إذا اكتفى بما أورده فى مقال "السياسة والسياسات "ربما يفهم خطأ أنه أراد أن يزرع "الأسافين" بين مؤسسة الرئاسة ومجموعة السياسات، وهذا الأمر استبعده تماما .. الشئ الخطير أيضا فيما ورد بنفس المقال أن فندى اعتبر أن الذى يعوق فريق "السياسات "من الانطلاق فى مهمتهم هو الفشل فى السيطرة على الإعلام الحكومى، بينما نجح فريق "السياسة" فى إحكام قبضته على معظم الصحف وأجهزة الإعلام ..ربما اختلف معه فى وصف الصحف القومية بأنها تشبه إعلام تورا بورا لأنه حسب معلوماتى فإن معظم رؤساء تحرير الصحف الحكومية يسبحون بحمد "فريقي" السياسة والسياسات صباح ومساء، كما أختلف معه أصلا فى رؤيته بأن هناك عدم انسجام بين الفريقين لأن الحكومة "كوكتيل "يجمع بين هذا وذالك، فضلا عن أن الفريقين متفقان فى معظم القضايا الجوهرية. أعود مرة أخرى إلى مقالات مأمون فندى التى اعتبرها "مدافع" من الوزن الثقيل حيث اعتاد على إجراء مقارنات وابتكار صور ونحت تشبيهات رائعة فى الشكل مضللة فى المضمون ..النموذج على ذلك تلك المقارنة التى أقامها فى أحد مقالاته بين سنغافورةوغزة ، معتبرا أن حركة حماس كان بوسعها أن تحول غزة إلى سنغافورة لولا تبنى قادتها الخطاب المتشدد والميل الفطرى للعنف ..أتصور أن فندى خانه التوفيق فى هذا النموذج لأن أى مقارنة بين حالتين يجب أن يكون بينهما تطابق أو حتى تشابه ، بينما الواقع يثبت عدم وجود أى تشابه بين سنغافورةوغزة باستثناء أن كليهما يطل على شواطئ ساحلية .