انطلق عدد من العناوين الجذابة والمثيرة بالعديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية حول الحوار الذى أجرته CNN مع السيد أحمد عز والدكتور محمد البرادعى.. والذى لم يحمل جديدا على ساحة السياسة المصرية.. فالمناقشة التى دارت لم ترتق إلى شكل المناظرة التى دائماً ما تقوم على مقارنة الحجة بالحجة والرد بالرد من خلال الأدلة والنصوص والبرامج التى يمتلكها ضيفى المناظرة،بالإضافة إلى أن البرادعى ليس له الحق بصفته كرئيس الجمعية الوطنية للتغيير أن يكون أحد أطراف هذه المناظرة لعدم تساوى الأطراف، كون أن مصطلح جمعية فى حد ذاته لا يمثل كيانا سياسيا معترفا به على المستوى السياسى المصرى أو الدولى.. وإذا كان الشعب المصرى يراها المناظرة الأولى بالفعل بين طرفين سياسيين يمثلان الأغلبية الساحقة داخل المجتمع المصرى، فماذا قدمت هذه المناظرة وماذا حملت بين كلامات الجانبين؟ فى لبداية الدكتور البرادعى ارتكب خطأ جسيما عندما فكر أن يكون ضيفاًَ للبرنامج.. بل وأعطى الفرصة للسيد أحمد عز أن يعتلى نغمة الحوار القائم، فحوار عز لم يتحدث فيه بكلمات ارتجالية من تلقاء نفسه إنما عكس وجهة نظر مؤسسة تتخذ التنظيم المرتب من الداخل أساسا لها ويدرس فيها كل شىء بعناية فائقة تحت إشراف أساتذة السياسة فى الجامعات المصرية، وعلى رأسهم الدكتور على الدين هلال، والدكتور البرادعى يفتقد إلى هذا التنظيم والجانب الذى يسنده ويعطيه القوة ليكون مرتباً ويخرج مختلفاً عن الآخرين ومن ثم يضع ثعلب الحزب الحاكم فى حالة الدفاع وليس الهجوم.. فكلمة التغيير فى حد ذاتها لا تعكس أملا للشعب المصرى، إنما ما تحتويه على برامج يمكن تنفيذها هو مكمن الأثر الأكبر الذى يحدث الاستمالة والاستجابة ومن ثم الإقناع فى نفوس المواطنين تجاه مفردات الرسالة السياسية، يضاف على ذلك أن الدكتور البرادعى مازال يعيش فى إطاره السياسى المحدود على شبكة الفيس بوك.. ولا يعلم إن المعركة تحتاج إلى جهود أكبر من هذا وذاك واللعبة تستند فى معطياتها بالبداية إلى قوة التنظيم الذى يكون بخلفه على أرض الواقع فى جميع محافظات مصر والتى يحكم مجتمعاتها القبلية وليست الحرية فى العملية الانتخابية.. فذكاء أمين تنظيم الحزب الحاكم النابع من مائدة الخطط والإستراتيجيات المبنية على أسس علمية ودراسات ميدانية للمجتمع المصرى من جانب علماء السياسة المصرية الذين يعملون فى محيط الحزب الوطنى، فاستخدامه لمصطلح الإرهاب الذى تسوقه الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط لتبرير سرطان قانون الطوارئ عندما استخدمه البرادعى كأداة ضغط لوضع النظام الحالى فى دائرة الإحراج أمام المجتمع الدولى من خلال شاشة CNN، جعل رسالته على مستوى الإقناع للمجتمع الخارجى، ومن ثم أصبح عز مسيطراً على دفة الحوار فى المناقشة وحتى توجهات المذيعة القائدة لدفته، ووجه عدة ضربات للدكتور البرادعى، منها رفضه دعوة بعض الأحزاب المصرية للانضمام لها، ليكون تحت مظلة قانونية وتشريعية، ومن بعد قيادة البرادعى للتيار اليسارى الحر واليمنى المتشدد المتمثل فى الإخوان المسلمين، أو بالمعنى الآخر يريد عز أن يوصل رسالة إلى الولاياتالمتحدة، إن البرادعى يقود تيارات تتعرض مع نظام الإصلاح فى الشرق الأوسط الذى تريده، أما الضربة القاضية التى وجهها عز للبرادعى، تمثلت فى قوله، إن المعضلة ليست فى النظام السياسى المصرى، إنما أصبحت فى (شخصية البرادعى نفسه) وبذلك أظهر البرادعى ضعيفا أمام الساحتين الداخلية والخارجية فى عدم قدرته على تحديد أهدافه وعدم امتلاكه لبرنامج يمكن أن يتم تنفيذه على أرض الواقع لما يخضع له من تخبط سياسى وضعف وعدم مساندة تحمى إطاره التشريعى. هذه تُعد القراءة الأولى لسيناريو مناقشة cnn والتى لم ترق إلى فن المناظرة، ولكن القراءة المختلفة التى ظهرت من ضعف البرادعى الذى يتضح شيئاً فشىء بعد مرور الوقت.. أو برهةً أخرى من الوقت وعدم موافقته على الانضمام لأحد الأحزاب المصرية لخوض الانتخابات فى الإطار التشريعى الحالى، يؤكد أن الشعب المصرى سيصحو ذات يوم على ذاك السيناريو الذى أصبح يُعد بحبكة سياسية عالية من جانب الحزب الوطنى وبتعاون البرادعى.. بأن الذى يحدث الآن لا يخرج عن فلك تحسين صورة الحرية والديمقراطية فى مصر أمام العالم والولاياتالمتحدة.. حتى يمر انتقال كرسى السلطة فى هدوء تام إلى الابن الشرعى للحزب الحاكم السيد جمال مبارك.. وحتى يقال على المستوى الخارجى، إن أبناء الشعب اختاروا زعيمهم بحرية مطلقة فى ظل وجود منافسة شرسة من جانب الدكتور البرادعى.