كلما كسر أحد الطلبة الصغار فى مصر نظرية النسبية، توقعت أن يكون من المدارس التى تتخطى مصاريف الطفل بها المائة ألف جنيه بالسنة، وقلت "الغالى تمنه فيه" فعلا كما يقول أجدادنا، ولكن الصدمة تأتى حين أعلم أنه طالب من الأقاليم ومعظمهم من المنوفية بالذات، وتكون الصدمة مضاعفة إذ أتأكد أن اكتشافه أو اختراعه عبارة عن أضغاث أحلام، لا يستند إلى علم ولا حتى إلى جزء من العلم، بل كلام سطحى لا يعقله طالب زميله بالفصل انتبه قليلا لكلام مدرسيه، ناهيك عن العلم والعلماء الذين يصابون بالنقطة والإحباط من سيل الاختراعات والاكتشافات الوهمية الساذجة. نعود إلى المدارس الأجنبية والخاصة بمصر ونتساءل عن جودة التعليم بها بالمقارنة بالمدارس الحكومية، وأنا أراها مثل المستشفيات الخاصة مقارنة بالحكومية، مصاريف أغلى ونظافة أكثر بالطبع واهتمام مقابل النقود، ولكن لا ضمان للجودة إلا قليلا، فهم نفس الأطباء بالحكومة الذين يعملون بالخاص بالنسبة للمستشفيات، وتقريبا نفس مستوى المدرسين بالنسبة للمدارس وحتى نفس رواتب المدرسين بالمناسبة إلا بالطبع فيما يتعلق باللغة الأجنبية، فهذه المدارس بحق تخرج طلبة يتكلمون لغة أجنبية ممتازة، لأنهم بالطبع يتعلمونها منذ الصغر، ومن يدخل أولاده هذه المدارس الباهظة المصاريف وهو يهدف إلى تعليمهم لغة فحسب، فقد ربح وأوفت معه المدرسة، ومن يهدف إلى تعليمهم الإتيكيت وجعل المدرسة مكانا جميلا يقضى الطفل وقتا طيبا فيه فقد نجح أيضا، أما عن جودة التعليم فلا أجد أصدق مما عليه حال خريجينا كلهم اليوم وما نقدمه للعالم والذى يشترك فيه كل الخريجين سواء مدارس أو كليات أجنبية أو مصرية خاصة أو حكومية، وإسهامهم جميعا فى العلم لصالح العالم معروف وهو صفر كبير مثل صفر المونديال، يستثنى منه من خرج من المنظومة مثل يعقوب وزويل وغيرهما، أما المنظومة كاملة فأدائها باهت، وبالتالى تسقط الخاصة والعامة والأجنبية فى مضمار العلم وتقديم شىء للعالم. أما سوق العمل فللأسف يعمل بمبدأ المعارف والأحباب وبعدها الخبرة وإن تطرق لنوع التعليم فبالطبع يأخذ بالسمعة، وهذه حسنة أخرى للمدارس والجامعات الباهظة المصاريف، فحتى إن لم تخرج خريجا قويا بالعلم، ولكن ما دفعه أهله فى تعليمه يشفع له فى سوق العمل أحيانا. طبعا التفاخر بين الأسر والمستويات الاجتماعية بمستوى مدارس معينة وزيادة مصروفاتها أصبح آفة جديدة وكأنه فرح فى فندق خمس نجوم نغيظ به الجيران، وأصبحت المدارس تمتحن الأطفال الصغار فى سن أربع سنوات وتأخذ من أسرهم رسوما للامتحان بالمئات لا ترد بالمخالفة لتعليمات الوزارة وترفضهم بعد ذلك، بل إن مدارس خاصة تأخذ الرسوم وتعقد الامتحانات بعد اكتمال الأعداد المطلوبة من الطلبة، الجشع دخل فى تجارة بالعلم، ليكونا سوقا سوداء لتعليم الطلاب. وللأمانة صاحب السطور تعلم تعليما حكوميا فى مدارس عادية، ووقت تخرجت فى الثانوية العامة فى 1990 والتحقت بهندسة عين شمس كان مستوى الطلبة من التعليم الحكومى مبهرا ويتفوق على الأقران من المدارس الخاصة واللغات، إلا بالطبع فى اللغة الأجنبية كما قلت سابقا، وهذه يمكن تعويضها بالدروس فى المراكز الخارجية وهذه لها قصة أخرى، وبنظرة على منهج المدارس التجريبية بمصر الآن أجده معقولا بالمقارنة بما درسناه، ولا يتخطى الأمر للتصحيح السريع للوضع فى المدارس التجريبية إلا تقليل عدد الطلبة بالفصول ومنح المدرسين بعض الدعم كى يشرحوا بالحصة ويستغنى الطلبة عن الدروس الخصوصية، طبعا نظافة المدارس وجودة الإدارة قصة أخرى فالمدارس جزء من مصر أول الأمر وآخره، ولن ينصلح حالها بمفردها، ولكن منظومة التعليم تتقاطع مع منظومة الخبز مع منظومة النقل..إلخ وكلها تحتاج بالطبع ما يحتاجه التعليم من إصلاح. أريد أن أقول إن المبالغ الباهظة التى يدفعها ولى الأمر لابنه فى المدارس الأجنبية أو الخاصة لا تتناسب مع الخدمة التى تؤديها له، وقلة المعروض من المدارس على الطلب تجعل أصحاب المدارس يغالون فى مصاريف المدرسة والحافلات والزى ويتاجرون بأولياء الأمور، فى المقابل المدارس الحكومية منها جزء قد أسقطته الطبقة المتوسطة تماما من حساباتها، وهو الجزء المجانى تماما أو بجنيهات وهذا ما تخرجت منه مهندسا وأعرف أطباء كثر وحاصلين على الدكتوراه والماجستير قد درسوا به ولا أظنه يقدم مثلهم الآن، وجزء تجريبى وتجريبى متميز وهذا مصاريفه متوسطة وجودته تنافس فى التعليم فقط وليس ظروف الطالب، تنافس التعليم الخاص وتتأخر عنه فى اللغة الأجنبية. هذه فرصة جيدة جدا لإصلاح منظومة التعليم عن طريق التوسع فى المدارس التجريبية لزيادة الطلب عليها مع زيادة المصروفات قليلا لتحسين الجودة فى نقاط الضعف عن المدارس الخاصة.ولا أظنها ستتخطاها فى المصاريف بأى حال. وأما عن الجامعات.فهناك صروح فى مصر مثل جامعة عين شمس والقاهرة وغيرهما وهما تحتاجان من الدعم ما تحتاجه المدارس. لا أظن الاستثمار فى شىء سيكون مجديا أكثر من الاستثمار فى أطفال وشباب الوطن، ولا أظننا مهما اختلفنا على الطريقة نمانع فى تطوير التعليم وتحسين حالة الطالب والمدرس بالمدارس والجامعات التابعة للحكومة، ليصبح التعليم الخاص اختياريا ورفاهية وبالتالى يقدم خدمة تتناسب مع مصاريفه، فيكون مع التعليم الحكومى مفرخا لسوق العمل والإنتاج والبحث العلمى بالطبع، وأن لا يقتصر أن يكون سوق سوداء للتعليم الأساسى والجامعى بمصر.