جدتى رحمة الله عليها كانت تضرب لنا دائما مثلا على ذلك الرجل المتجهم دائما بأنه رجل لا يضحك حتى للرغيف السخن، وبعد أن مرت كل تلك السنوات تساءلت هل مازال الضحك للرغيف السخن مثلا؟ لكن جدتى كانت تقصد الرغيف الذى عرفته هى الرغيف الذى يخرج من بين يدى الفران مباشرة إلى يديك ساخنا منتفخا محمر الوجه لكن أين هو الآن؟ إن الرغيف الذى يأتى إلينا الآن ما هو إلا رغيف مسخن أى (أعيد تسخينه بعد أن برد وتحول إلى مرحلة أخرى) فهو يأتى إلينا الآن من بين يدى وسيطة وهذا سواء كنت من قانطى المناطق الراقية أو المناطق الشعبية كلا سواء، فقط يختلف من سيحضره إليك. البواب أو الخادمة أو ذلك الرجل الذى تتفق مجموعة من الشقق على إعطائه مبلغا شهريا مقابل إحضار العيش يوما فى كل الأحوال أنت يدا ثالثة. ولن تجد ذلك الرغيف السخن الذى كانت تتحدث عنه جدتى، لن تجد بين يديك سوى رغيف يشبه المرأة القبيحة التى تتحايل بالتجميل والمساحيق كى تخفى قبحها حتى تخدع من يراها ويقول امرأة جميلة. لكن إن لم يكن الرغيف السخن مثلا الآن، فماذا يصلح ليكون مثلا على ماذا نضحك الآن؟ إن قمة ضحكنا تأتى من مآسينا، فعندما حدثت حادثة قطار العياط تلك المأساة التى راح ضحيتها كثيرون ظللنا نضحك لأيام على تلك الجاموسة المتهمة. وعندما احتدمت أزمة الأنابيب جعلنا منها موضوعا للضحك والنكات على كل الصور والأشكال. وهكذا أخرجنا من رحم كل أزمة ومأساة شخصية كاركاتيرية تضحكينا وتنسينا تلك الأزمة إلا أنى وبعد كل هذا الحوار الفلسفى الذى دار بعقلى اكتشفت اكتشافا صغيرا أنى مازلت حتى الآن لو رأيت رغيفا سخنا فسأضحك.