الدكتور يوسف بطرس وزير المالية هو السبب في هوجة الغلاء التي حدثت في الشهرين الأخيرين! هذا هو حديث معظم الناس في كل تجمعاتهم الآن.. السبب من وجهة نظرهم وبنص قولهم ان الوزير "تفزلك" وقال بالفم المليان: نحن نفكر في استبدال الدعم العيني بالدعم النقدي! وقالها الوزير وترك الناس تضرب أخماسا في أسداس دون ان يقول لهم كيف ومتي.. كيف سيبدل العيني والنقدي، ومن سيأخذ ومن سيحرم، وهل سيتساوي الجميع في الأخذ، بمعني الغني سيأخذ مثل المستور ولكنه محتاج؟ المهم منذ أول لحظة أعلن فيها الوزير ذلك، وكأنه أطلق صفارة الغلاء.. كل التجار تسابقوا لإشعال النار في الأسعار، وبين عشية وضحاها وجدنا سلعا اسعارها اصبحت مضروبة في اثنين واخري في ثلاثة أضعاف وعلي المواطن ان يضرب رأسه في أقرب حائط لأن الوزير تركه يغرق في همه وكربه دون ان يقدم له طوق نجاة. سألت الوزير قبل عدة أسابيع في "نهضة مصر الأسبوعي": ياسيادة الوزير حيرتنا، قلت فكرتك وتركتنا فوق صفيح ساخن ولم تقل لنا كيف ستنفذها، فلم توضح كيف ستقطع الدعم علي غير المستحقين ولا كيف ستأخذه من جيوب وكروش المستغلين لتوصله آمنا سالما الي أفواه المحتاجين. أجاب الوزير حينها: هذا ماندرسه من أجل أن نقضي علي شكواكم المستمرة بأن الدعم يضل طريقه الي غير مستحقيه. وعندما سألته: ولكن البعض يقول إن كلامك هذا خطير، ويؤدي بعد ان ترفع الدعم كما تقول الي مضاعفة الأسعار.. وضربت له مثلاً بأنبوبة البوتاجاز، وكيف يتوقع ان يصل سعرها الي 28 جنيها، أجاب بكل ثقة: وماهي المشكلة فإذا كان سعرها الان 250 قرشا مثلاً فسوف ندفع 25 جنيها ونصف الجنيه للمستحق. كلام جميل قاله الوزير، وأنا شخصيا أشجعه، ولكنني مختلف مع سيادة الوزير في التوقيت وأيضا في طريقة التنفيذ.. من حيث التوقيت، الوزير وهو اقتصادي وسياسي محنك لم يكن مناسبا لانه قال ماهو في رأسه واعلن ماهو في رأس الحكومة قبل ان يختمر وينضج.. وبالتالي فقد استغل التجار الفرصة وراحوا يشعلون النار في ذيل الأسعار فالمواطنون سيصبحون أغنياء والدولة مهما كانت الأسعار مرتفعة ستعوضهم بالفرق، وبالتالي فهي فرصة والشماعة دائما جاهزة: الأسعار عند التجار تتضاعف أيضا.. والقمح والدقيق والعدس والأرز والحديد وكل شيء اصبح مجنوناً بما في ذلك الفول الذي كان سند الفقراء ونصيرهم حيث ارتفع سعره من 280 قرشا الي 7 جنيهات دفعة واحدة!! ولاينسي بعض التجار المثقفين الاقتباس من تبريرات الحكومة للغلاء، فيقولون والله نحن أفضل كثيرا من غيرنا، فالأسعار العالمية أعلي من عندنا بكثير وهذا من رحمة ربنا بالعباد الطيبين في مصر! أما اختلافي معه، من حيث طريقة التنفيذ فسببه ان الوزير "كعبلها" بدلا من أن يحلها.. فكلامه عن الدعم النقدي كان مبتسرا مشوشا وغير مفهوم.. حتي وعندما راح يشرح فكرته بعد ذلك لم تكن عنده رؤية واضحة سواء للتنفيذ او للتطبيق علي 70 مليون بني آدم، ليس لدي الوزير ولا حتي عند كل الحكومة التي ينتمي إليها أية معلومات واضحة عندهم، رغم أنها حكومة لقبت نفسها بالحكومة الذكية، التي تعرف كل شيء عن أصل وفصل ولون عين كل مواطن من مواطنيها. والطريف في هذا الأمر ان كل وزير من الوزراء صار يتحدث في موضوع الدعم النقدي هذا وأفكار توزيعه من دماغه ومن وحي أفكاره وحسب الرؤية التي يراها، وكأننا في جزر منعزلة يغني كل وزير علي هواه: "دعمي وأنا حر فيه". ومازاد الطين بلة أننا وبعد كلام الوزراء وإيقاظ شياطين التجار النائمة ألحقنا الضرر بالمواطنين بدلا من أن نحسن أحوالهم، فالمواطن كان قبل زوبعة الحديث عن الدعم يئن نعم.. ويعاني نعم.. وأحواله في الحضيض نعم، ولكن بعد كلام الوزراء أصبحت حياته أسود من قرون الخروب، وجحيما في جحيم!! هذا من الناحية المالية، أما من الناحية الإنسانية، فإن الأفكار الجهنمية للوزراء العباقرة أرجعت المواطنين لأيام طوابير الجمعية وبطاقات التموين والجدل القديم حول ألوانها حمراء وخضراء وبمبي، لدرجة أن هناك أراء من بعضهم تريد ان تعيدنا الي عصر الكوبونات.. وعلي المواطن لكي يحصل علي دعمه، أن يأخذ أجازة بدون مرتب من عمله ويقف في طابور الموسم ومن أجل ان يحصل علي رغيف عليه ان يحصل علي شهادة من اثنين من الموظفين بشرط أن يكونا شريفين بأنه يستحق الرغيف، من حيث المبدأ، بعدها يذهب الي اثنين اخرين من الموظفين الأكثر شرفا، لكي يقولا لنا ماهو نوع الرغيف الذي يستحقه، هل هو من النوع أبو شلن والذي لايباع الآن في الفرن وانما يباع علي الرصيف المجاور في السوق السوداء بربع جنيه، أم أنه لايستحق إلا الرغيف السياحي الذي سعره 50 قرشاً. وبعد ان ينتهي المواطن من طابور الخبز، يدخل في طابور الدواجن، ثم طابور الأرز، ثم طابور أنابيب البوتاجاز!! بالمناسبة أنا لا أتنبأ، ولا أخمن ماسيحدث بعد تنفيذ الأفكار العبقرية للوزراء، ولكن هذا بالفعل واقع ظهرت لنا أولي بشائره في طوابير الدكتور مصيلحي وزير التضامن .. فبمجرد أن أعلن الرجل أو قرر ضرورة قيد المواليد من عام 88 وحتي عام 2005 بالبطاقات التموينية عن طريق استخراج شهادات ميلاد بالكمبيوتر والبلد كلها طوابير بدءاً من قبل صلاة الفجر من أجل حجز دور وحتي غروب الشمس. الطريف ان الآلاف التي تتكدس يومياً أمام شبابيك السجل المدني بكل أنحاء الجمهورية لاتحصل علي الشهادات إذا سلكت الطريق الطبيعي، وانما بالاستعانة بالمخلصين والسماسرة مقابل مبالغ مالية تصل إلي أربعة اضعاف رسوم استخراج هذه الشهادات، فضلا عما تسببت فيه هذه الطوابير من حدوث شلل مروري واشتباكات ونقارات علي مدار الساعة بين المواطنين. كل هذا وهم يستخرجون البطاقة، فما بالك عندما يصل الأمر الي مرحلة الجد، حيث يستخدمون هذه البطاقة في الحصول علي "المم" الذي لن يباع الا بهذه الطريقة. تخيلوا.. كل هذه المهازل الانسانية التي تعيدنا إلي العصر الحجري وراءها الحكومة الذكية!