فجر الجمعة الماضية قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى قطع مشاركته بالقمة الأفريقية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا والعودة إلى القاهرة عقب الجلسة الافتتاحية للقمة، لمتابعة تطورات الحادث الإرهابى الذى شهدته مدينة العريش مساء الخميس وراح ضحيته مجموعة من أنقى الجنود والمدنيين المصريين الذين راحوا ضحايا لغدر جماعات إرهابية لا تعرف للإنسانية معنى. السيسى حينما وصل إلى أديس أبابا فى الثانية والنصف عصر الخميس الماضى كان ينتظره جدول حافل، سواء باللقاءات الثنائية مع قادة أفارقة ومسؤولين أوربيين كانوا ضيوف شرف القمة، أو المشاركة بكلمات ومداخلات تم إعدادها ليلقيها السيسى أمام القمة حول الموضوعات المطروحة عليها لتوضيح وجهة النظر المصرية تجاهها، لكن جاء حادث العريش الإرهابى ليفرض على الوفد المصرى واقعا جديدا، فالرئيس سيغادر إثيوبيا دون أن يكمل جدوله الحافل، ولن يتمكن من إتمام اللقاءات التى جرى الترتيب لها قبل الزيارة، لذلك سارع الوفد المصرى لشرح حقيقة الأمر للقادة الأفارقة قبل انطلاق الجلسة الافتتاحية، لذلك حرص عدد كبير منهم على لقاء السيسى وإبلاغه عزاءهم ومساندتهم لمصر ضد الإرهاب. الأشقاء الأفارقة بالطبع تفهموا القرار المصرى بقطع مشاركة الرئيس بالقمة، إلا أن رؤساء أبلغوا الوفد المصرى تصميمهم على لقاء السيسى ولو لدقائق معدودة، ليبلغوه تضامنهم مع مصر ضد الإرهاب، والنقاش حول ما يمكن أن تقدمه أفريقيا لمصر فى حربها ضد الإرهاب، وأمام هذا الإصرار جرى ترتيب عدة لقاءات قبل أن تنطلق الجلسة الافتتاحية من بينهم الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن، ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، ورئيس موريتانيا محمد ولد عبدالعزيز، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقى، ورئيس وزراء إثيوبيا الذى التقاه السيسى مرتين هذه المرة. وأثناء الجلسة الافتتاحية ذاتها خرج السيسى من القاعة متوجها إلى قاعة داخل الاتحاد الأفريقى جرى إعدادها لتكون مقرا للقاءات الرئيس، وبداخلها جرت ستة لقاءات مع رئيس أوغندا موسيفينى، ورئيس جيبوتى عمر جيله، ورئيس تونس الباجى قايد السبسى، ورئيس جنوب السودان سيلفاكير ميارديت، وملك إسبانيا ورئيس وزراء السويد، وبعدها مباشرة غادر السيسى أديس أبابا عائدا إلى لقاهرة، لكن قبل المغادرة حرص السيسى على الوقوف مع الوفد الإعلامى المصرى ويتحدث معهم حول حادث العريش الإرهابى، حيث أكد أن مصر تدفع ثمن مواجهتها للإرهاب والتطرف، وتابع «أننا كلنا فى حزن لما جرى أمس فى سيناء»، لافتاً إلى أن الأمر بمثابة حرب على مصر التى تحارب أقوى تنظيم سرى فى القرنين الماضيين، فأفكارهم وأدواتهم سرية، والمصريون خرجوا عليهم من قبل وما يحدث هو أقل ثمن يدفع. الشاهد فى ال25 ساعة التى قضاها السيسى بأديس أبابا أننا أمام مكاسب حققتها الدبلوماسية المصرية، فمشاركة الرئيس للمرة الثانية فى القمم الأفريقية أعادت مصر إلى مكانتها داخل المنظومة الأفريقية، وعادت مصر لتكون أحد اللاعبين الأقوياء داخل الاتحاد، ولا يجب أن ننسى الموقف الذى اتخذه الوفد المصرى حينما قرر مقاطعة الاجتماع الخاص بليبيا بسبب دعوة قطر وتركيا من جانب المفوضية الأفريقية دون التشاور مع الدول الأفريقية، وأمام الموقف المصرى الذى انضم إليه الأشقاء الليبيين، لم تجد المفوضية حلا سواء تعليق عمل الجلسة التى انطلقت صباح الأربعاء دون مشاركة مصر وليبيا، وبعدها مباشرة رضخت المفوضية لمصر وأعادت عقد الاجتماع بعد إعادة تشكيل الحضور واستبعاد قطر وتركيا. كما أن المكاسب لم تتوقف عند ذلك، فالاتحاد الأفريقى الذى سبق وجمد عضوية مصر فى أعقاب ثورة 30 يونيو قبل أن يعيدها مرة أخرى قبل قمة مالابو فى يونيو 2014، أيدوا القرار المصرى بالترشح للعضوية غير الدائمة لمجلس لأمن 206 - 2017، فى تطور رآه عدد كبير من المراقبين لأعمال القمة أن الأفارقة أعادوا الاعتبار لمصر، فخلال ستة أشهر فقط تحولت مصر مع السيسى من دولة خارج الاتحاد إلى فاعل رئيسى وقوى «ويعمل له ألف حساب»، وفقا لما سمعته من دبلوماسى عربى شارك فى القمة. اللافت أيضا أن وجود السيسى فى إثيوبيا حقق لمصر عددا من الأهداف، منها بالطبع فى الملف المتعلق بمياه النيل أو تحديدا سد النهضة ويبقى الأهم لدينا هو الاختراق الذى حققه الرئيس حينما التقى هايلى ماريام ديسالين رئيس وزراء إثيوبيا مساء الخميس، فالرئيس كان لديه هدف وهو أن يحول جميع الوعود الشفهية التى يسمعها من المسؤولين الإثيوبيين إلى وثيقة مكتوبة، لا تقتصر فقط على إعلان مالابو، وإنما تشمل كل الوعود الإثيوبية، وبالفعل شدد الرئيس لرئيس وزراء إثيوبيا على أهمية اتخاذ إجراءات ملموسة تحول التوافقات السياسية إلى مرجعية قانونية تحفظ حقوق البلدين، وتهدف إلى تأمين مصالحهما وتعزيز التعاون المشترك فيما بينهما. أحد الشواهد المهمة فى المشاركة المصرية بقمة أديس أبابا هو التناغم الذى ظهر على أعضاء الوفد المصرى، قبل وصول الرئيس السيسى وأثناء وجوده وبعد المغادرة، حيث ضم الوفد الرئاسى السفيرة فايزة أبوالنجا مستشارة الأمن القومى، والدكتور هشام رامز محافظ البنك المركزى، والدكتور حسام المغازى وزير الرى، واللواء خالد فوزى مدير المخابرات العامة، واللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس، والسفير علاء يوسف المتحدث باسم الرئاسة، والعميد أحمد على. أمام وفد الدبلوماسيين المصريين فقد ضم إلى جانب الوزير سامح شكرى، السفير أمجد عبدالغفار مساعد وزير الخارجية لشؤون المنظمات الأفريقية، والسفير محمد إدريس سفير مصر بأديس أبابا، وعدد من الدبلوماسيين المصريين الناشطين.