مواجهات عديدة خاضها شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى رحمة الله مع الجماعات والحركات الإسلامية، سواء فى القضايا الفقهية والسياسية.. ووصل الأمر إلى مطاردات واستجوابات لاحقت طنطاوى تحت قبة البرلمان، وانتهى فرقاء الإسلام السياسى إلى الإجماع على وجوب إقالة الإمام الأكبر بسبب موقفه الأخير من النقاب. رغم ذلك، أكد غالبية قيادات التيارات الإسلامية بما فى ذلك جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية، لليوم السابع، أن طنطاوى كان فقيها وله كثيراً من المحاسن، ضمنها مواجهة رئيس الوزراء لمنع خفض ميزانية جامعة الأزهر، ومعارضته لتحديد النسل... وغيرها. لكن ممثلى الحركات الإسلامية أجمعوا فى الوقت نفسه أن القيمة الرمزية لمشيحة الأزهر تراجعت فى العقود الماضية، فى ظل هيمنة ما هو سياسى على ما هو دينى فى مصر، فى حين نهضت فى الساحة الإسلامية مرجعيات أخرى بعضها رسمى، كما هى حال بعض العلماء السعوديين، وبعضها مستقل. وتذكر الحركات الإسلامية لطنطاوى مواقفه من فوائد البنوك ومخالفة إجماع علماء الأمة، منذ أن عرفت البنوك بصيغتها الحالية، وكذلك فتواه بجلد الصحفيين، كذلك مطالبته الفلسطينيات باستخدام ''الحلل''، فى مواجهة الأعداء، بدل السلاح والعمليات الاستشهادية، ولقاءاته مع حاخامات يهود ، ومؤخرا فتوى شرعية "جدار مصر الفولاذى" الذى تبنيه مصر على طول الحدود مع قطاع غزة، وبعد أن اعتبره الجميع "حرام شرعا"، واعتبرته جماعة الإخوان من "الكبائر" لما يسببه من أخطار كارثية على سكان قطاع غزة. كانت الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، قد تقدمت بأكثر من 20 طلب إحاطة واستجوابين ضد شيخ الأزهر فى عمر البرلمان الحالى، منها استجواب حول موقف الأزهر من النقاب فى المعاهد الأزهرية، وآخر حول مصافحة شيخ الأزهر للرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز مرتين.. وعدد من طلبات الإحاطة حول حضور الشيخ طنطاوى حوار الأديان برعاية الفاتيكان، وغيره وتجاهل التقريب بين المذاهب الإسلامية، وأخرى حول مخالفة مجمع البحوث الإسلامية للقانون برئاسة شيخ الأزهر... أما الجماعة الإسلامية فكانت أكثر وسطية فى تناولها لشيخ الأزهر وتذكر له إيجابيات كثيرة، منها مناقشته لرسالة الدكتوراه للدكتور عمر عبد الرحمن، وغيره من المواقف. بينما عارض السلفيون طنطاوى قبل وفاته فى الكثير من المواقف، منها ما يتعلق بالنقاب وما يتعلق بفوائد البنوك وغيرها من القضايا الفقهية، إلا أن الجميع اتفقوا على أنه كان عالما وباحثا إسلاميا له مكانته التى لا ينكرها أحد. د.سعد الكتاتنى، رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان والمتحدث باسم الجماعة، أكد أن الإخوان سيشاركون فى العزاء وسيصدرون بيانا عما قريب بعد مناقشتهم للأمر فى اجتماع مكتب الإرشاد، الذى يعقد ظهر اليوم الأربعاء، مضيفا أنهم يتذكرون محاسن ومواقف شيخ الأزهر الجيدة التى وقف فيها فى صف المسلمين ودفاعا عن الإسلام، ولا مجال الآن لذكر أى من السلبيات أو المواقف التى صدرت من شيخ الأزهر خلال الفترة الماضية. أما د.حمدى حسن المتحدث باسم كتلة الإخوان بالبرلمان فرفض الحديث عن أى تفاصيل لخلافاته مع شيخ الأزهر، خاصة وأنه كانت متخصصا فى الهجوم ومواجهة شيخ الأزهر تحت قبة البرلمان، ومنه استجواب ضد الشيخ طنطاوى وأكثر من 5 طلبات إحاطة طالب فى جميعها بإقالة شيخ الأزهر من موقعه لإساءته لمكانة الأزهر والإسلام. وقال فى إحداها "لا يمكن أن يبقى طنطاوى فى منصبه، إنه يسىء إلى الأزهر فى كل مرة يتكلم فيها". فيما يعتبر على لبن، عضو مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين وصاحب أكبر عدد من الاستجوابات بشأن الأزهر، أن من آخر المواقف التى يأخذها على الشيخ طنطاوى هى حضوره حوار الأديان برعاية الفاتيكان الذى لم تجيزه أى منظمة إسلامية أخرى، ومنها منظمة المؤتمر الإسلامى التى وصفته ب"حوار الطرشان"، وكذلك مصافحته للرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز مرتين فى أقل من عام، وكذلك تعديل شيخ الأزهر لاجتماع مجمع البحوث الإسلامية السنوى من "التقريب بين المذاهب" إلى مؤتمر عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك مخالفته لنص قانون مجمع البحوث الإسلامية بدلا من الاجتماع لمدة أربع أسابيع لمناقشة موضوع رئيسى وقضايا عام كامل، فاختصره فى ثلاثة أيام فقط وجعل موضوعه الرئيسى بالمخالفة لقرارات المجمع وتدخل فى القانون والتنظيم معا، مما يعد مخالفة كبيرة. وعن المواقف الإيجابية لشيخ الأزهر، قال لبن إن الشيخ طنطاوى يعد من أفضل من قاوم وواجه رئيس الوزراء والإجراءات التى كان يريد تطبيقها ضد الأزهر، ومنها تخفيض ميزانية جامعة الأزهر، ومنع رئيس الوزراء العمل فى أربع كليات للأزهر بمدينة السادات رغم مقاومة ورفض الشيخ طنطاوى. وكذلك يذكر لبن لشيخ الأزهر موقفه من تحديد النسل وتأكيد طنطاوى على أن لكل أسرة حرية التكيف مع ظروفها وتنظيم الأسرة، وكذلك رفض محاولات فتح كليات الأزهر لغير المسلمين وتشديده على التوسع فى المعاهد والكليات الأزهرية التى كان رئيس الوزراء يريد تحديدها. وأعتبر لبن أن شيخ الأزهر كان يقاوم ويواجه رئيس الوزراء ، وإن كانت مقاومته ليست بالقدر الكبير، إلا أن لبن يتوقع أن تضعف مكانة شيخ الأزهر أكثر بسبب وجود رئيس وزراء لا يعرف كيف يتعامل مع مؤسسة الأزهر. من جهته، أعرب أسامة حافظ مفتى الجماعة الإسلامية، عن حزنه لوفاة طنطاوى، داعياً الله أن يتغمد شيخ الأزهر بالرحمة والمغفرة، مشيرا إلى أن وفدا من الجماعة سيشارك فى العزاء إذا ما أتيحت الفرصة لهم، مضيفا أنه يذكر للدكتور طنطاوى مواقف جيدة كمناقشته لرسالة الدكتوراه للدكتور عمر عبد الرحمن ( الرمز الروحى وأمير الجماعة الإسلامية فى مصر) فى السبعينيات، وكذلك محاولة التدخل فى حل أزمة الشيخ الأسير ومحاولة إقناع مصر أن تستضيفه. وخلافا لكثير من أعضاء الجماعة الإسلامية وموقفها الرسمى من شيخ الأزهر والنقاب، فإن حافظ أكد مساندته لشيخ الأزهر فى أن النقاب ليس فريضة ولكنه سنة، وأنه لمن هن فى سن الزهور والتعليم قبل الثانوى غير ملزم، خاصة إذا كن فى معاهد فتيات فقط. بينما وصف عصام دربالة عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية موقع شيخ الأزهر بأنه أعلى مكانة وأكبر قامة فى الإسلام السنى، لهذا يحتاج من يشغله لأن يراعى ذلك، مضيفا أن من يشغل منصب شيخ الأزهر لابد أن يراعى مواقف ومكانة مصر وقدرها فى العالمين العربى والإسلامى، وعليه يجب أن يكون لديه قدرة على الابتكار والمواءمة والشرح للمواقف وأسباب القرارات، وأن يبتعد عن القرارات التى جعلت من الإسلام والمسلمين سخرية وموضع اتهام من آخرين. وأكد دربالة أن مصر تحتاج شيخ أزهر قويا لديه إبداع فى التعامل مع المواقف، خاصة وأن التشريعات ووضعية القوانين تضع الأزهر تحت قيادة السلطة التنفيذية، إلا أن القدرات الشخصية تختلف كثيرا، مقارنا بين شخصية الشيخ الدكتور سيد طنطاوى شيخ الأزهر والبابا شنودة بابا الإسكندرية فى التعبير والارتقاء بسلطة المؤسسة، حتى أنه قارن بين شيخ الأزهر والدكتور على جمعة مفتى الجمهورية. وحول مقارنة شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوى بمن سبقه كالشيخ جاد الحق على جاد الحق والدكتور عبد الحليم محمود، قال دربالة إن الشخصيات الثلاث اختلفت كثيرا فى إدارتها للمنصب، إلا أن التاريخ يبدوا أنه يسير للخلف بدلا من أن يسير للأمام، لكن دربالة تذكر موقفا جيدا لطنطاوى مع بداية المبادرة لوقف العنف التى أطلقتها الجماعة فى 1997، حيث قال "أعلن طنطاوى وقتها شكر من يعلن وقفه لأعمال العنف بدلا من الأصوات التى اتهمت الجماعة". أما نزار غراب محامى عبود وطارق الزمر المحبوسين الآن على ذمة قضية اغتيال الرئيس السادات منذ 1981، فيؤكد بعد تعبيره عن الحزن والترحم على الشيخ سيد طنطاوى، أن الشيخ رجل له مكانة علمية بلا نزاع ولا ينكر هذا إلا جاحد أو جاهل، إلا أن العيوب التى تصيب المؤسسة فهى بالأساس ترجع إلى التشريعات المنظمة لهذا المنصب وتضع من يشغله فى موضع يضعف ثقة الناس فى المؤسسة، خاصة إذا كانت الشخصية التى تعتلى هذا الكرسى لا تقاوم ولا ترفض أو حتى تجادل فيما تطلبه المؤسسة السياسية والتنفيذية منها. كانت الجماعة الإسلامية قالت فيما سبق إن شيخ الأزهر ابتعد عن ثقافة احترام الرأى الآخر، ولم يتبع حسن التعليم والتصحيح لمن يحتاج ذلك ولم يتأس بسيرة سيد المرسلين، واعتبرت الجماعة الإسلامية والإخوان أن تصريحات شيخ الأزهر بمنع النقاب فتحت الباب أمام صدور قرارات رسمية من رؤساء الجامعات الحكومية بمنع الطالبات المنتقبات من دخول المدينة الجامعية أو حتى الامتحانات وقاعات الدرس. وسبق ذلك موقف طنطاوى من منع النقاب فى فرنسا وقوله "إن هذا شأن داخلى ولا علاقة لنا به وكل واحد حر فى دولته"، وهو ما اعتبره قادة المراكز الإسلامية فى أوروبا والسلفيين فى الدول العربية "أمرا مخجلا يخرج على أدب العلماء وروح الأتقياء"، مرجعين ذلك لفكر سياسى لأنه يفترض على شيخ الأزهر أن يؤمن "بشرعية" النقاب كما يؤمن بها السلفيون بصرف النظر عن العقيدة التى يؤمن بها "سيد طنطاوى".