على الرغم من الحركة التطويرية النشطة فى الفترة الأخيرة والتى شملت كافة فروعها، اتخذت هيئة الإذاعة البريطانية ال"بى بى سي" خطوة اقتصادية – سياسية تقضى بتقليص فروعها و"تشذيبها" تحت إطار خطة جديدة أعلنها مارك تومسون المدير العام للهيئة، وتبلغ قيمة المبالغ المحذوفة حوالى 985 مليون دولار، وتقضى الخطة الجديدة بوقف عمل المحطة الموسيقية "البرنامج السابع" وإذاعة "الشبكة الآسيوية" وإذاعتى "سويتش" و"بلاست"، بالإضافة إلى خطة مماثلة لموقع الهيئة على الشبكة العنكبوتية تنتهى بحلول عام 2013 لم يتم الكشف عن تفاصيلها بعد. لا شك أن البى بى سى وجدت نفسها أمام مازق سياسى بريطانى داخلى مع اقتراب الانتخابات البرلمانية بعد النقمة عليها من المحطات والإذاعات البريطانية التجارية التى تمر بحال يرثى لها بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية وتداعيتها على السوق الإعلانية، وهو الأمر الذى أعلنته البى بى سى صراحة أنها بانسحابها الجزئى ستفسح المجال لغيرها من المنافسين التجاريين بالحصول على جزء من الكعكة الإعلانية، مع العلم أن الضريبة التى تحصلها الحكومة البريطانية على ضريبة البث من منازل البريطانيين والتى تقدر ب 5.5 مليار دولار تدخل خزينة البى بى سى وحدها دون غيرها، وهو الأمر المهدد بالتوقف بعد الانتخابات المقبلة مع تلويح كل من الحزبين المتنافسين عن عدم الرضا على مصاريف البى بى سى الكبيرة، خصوصا لكبار الضيوف والموظفين واحتمال تجميد هذه الضريبة. أما عن الأقسام العربية فى البى بى سى فلم يرشح شيئاً حتى الآن عما إذا كان سيطالها عصر النفقات المقبل، وهذا ما أكده حسام السكرى رئيس القسم العربى فى بى بى سى لليوم السابع حول عدم علمه بأى إجراءات قريبة للأقسام العربية، لكنه فى الوقت نفسه لا يستبعد الأمر بعد الانتخابات مباشرة. ويبدو أن البى بى سى ستقدم مئات الموظفين قرباناً على مذبح بقائها وبقاء تمويلها مقابل التخلى عن بعض فروعها العريقة، إذ أعلن جيرى موريسى السكرتير العام لاتحاد التقنيين فى صناعة السينما والمنوعات فى بريطانيا عن حرمان أكثر من 600 موظف لوظائفهم إذا ما طبقت هذه الخطة. وبالعودة إلى المواقع العنكبوتية فثمة مفارقة فى القرار، فإن غالبية المحطات والبرامج لها طابع شبابى، وإذا ما كان السبب المعلن هو تقليص النفقات وهجرة المشاهدين نحو الإنترنت، فإن التخفيض سيطال المواقع الإلكترونية أيضا بواقع خفض قوة عمل قطاع الإنترنت بنسبة 25% فى حين سيتم خفض شبكة مواقع الإنترنت الخاصة بالهيئة بنسبة 50% تقريباً، خصوصاً أن هذه المواقع تعتبر السلاح الأقوى حالياً فى ساحة المنافسة العالمية، وبإضعافها تكون البى بى سى قد وضعت نفسها فى مأزق لا تحسد عليه فى ظل المنافسة الشرسة من قبل المواقع الإخبارية العالمية. أما بالنسبة للفضائية الإخبارية العربية والتى تحاول جاهدة فى الفترة الأخيرة العودة إلى الفضاء العربى من خلال تغييرات تحريرية عديدة واستقطاب العديد من الإعلاميين العرب لتنفيذ هذا الأمر إلا أنها تبقى بعيدة عن المنافسة الفعلية لعدم ملامستها الواقع العربى الفعلى وأفكارها وأن تم تحديثها وبقيت الفضائيات المعروفة عربياً على الصعيد الإخبارى كالجزيرة والعربية هى المهيمنة على المشهد الإخبارى العربى. وعلى الصعيد الرياضى فيتوقع بعض المراقبين أن تكون المرحلة المقبلة فرصة للدخول العربى فى مجال النقل الفضائى للدورى الإنجليزى الذى يتابعه ملايين العرب، إذ نصت الخطة ألا يتجاوز الإنفاق من أموال "رخصة التليفزيون" نسبة 8.5% أى حوالى 300 مليون جنيه استرلينى لشراء حقوق بث مباريات أندية الدرجة الممتازة وبطولات ويمبلدون لكرة المضرب وسباقات الفورميلا. فهل انتهى عصر "هنا لندن"؟، وحلت العولمة الإعلامية والمال التجارى مكانها، هذا ما ستظهره الفترة القادمة.