محافظ الغربية: الجامعة الأهلية خطوة استراتيجية نحو تعليم متطور    لأول مرة في المدارس الحكومية.. «التعليم» تتعاون مع «كامبريدج» في تدريس اللغة الإنجليزية    محافظ الأقصر يتابع أنشطة مشروع الدعم الفني لوزارة التنمية المحلية    رئيس الوزراء: مشروعات البنية التحتية سبب إقبال المستثمرين على مصر    غارات إسرائيلية تشل مطار صنعاء وتحرم اليمنيين من الحج    رئيس وزراء كندا يؤكد سعي بلاده لإبرام اتفاق ثنائي جديد مع أمريكا لإلغاء الرسوم الجمركية    الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا لدعم التعافي السياسي والاقتصادي    بعد قراره بالاعتزال| وزير الرياضة يستقبل بطل مصر في الاسكواش    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الفيوم    اليوم السابع: استعدادات حكومية مكثفة لعيد الأضحى    الأوبرا تستضيف معرض "عاشق الطبيعة.. حلم جديد" للفنان وليد السقا بقاعة صلاح طاهر    متى موعد صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 في محافظات الجمهورية؟    دعاء الإفطار في اليوم الأول من ذي الحجة 2025    الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لنصب مستوصف ميداني جنوب سوريا ل "دعم سكان المنطقة"    الاصلاح والنهضة توصي بتأهيل المرأة سياسيًا وتفعيل دور الأحزاب    عقوبة في الزمالك.. غيابات الأهلي.. تأجيل موقف السعيد.. واعتذار بسبب ميدو| نشرة الرياضة ½ اليوم    عطل مفاجئ في صفقة انتقال عمرو الجزار من غزل المحلة إلى الأهلى    نهاية موسم محترف الزمالك مع الفريق.. تعرف على التفاصيل    التخطيط والتعاون الدولي: حصول قرية الحصص بالدقهلية على شهادة ترشيد للمجتمعات الريفية الخضراء    رئيس منطقة الإسماعيليّة الأزهرية يبحث الاستعدادات لامتحانات الثانوية الشفوية    متى يبدأ صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 1446؟    استعراض قوة وحيازة أسلحة.. المؤبد لعاملين بدار السلام بسوهاج    الفيوم تحصد مراكز متقدمة في مسابقتي المبتكر الصغير والرائد المثالي    اتحاد الصناعات يبحث مع سفير بيلاروسيا التعاون بالصناعات الثقيلة والدوائية    البوستر الرسمي لفيلم عائشة لا تستطيع الطيران ضمن الأفضل بجوائز لوسيول بمهرجان كان    «قنبلة فنية».. كريم عبدالعزيز: اتمني عمل سينمائي مع حلمي وعز والسقا    وزير أردني سابق: نتنياهو يسعى لتقويض مفاوضات واشنطن وطهران عبر ضربة عسكرية    «زي النهارده» في 28 مايو 2010.. وفاة الأديب والسيناريست أسامة أنور عكاشة    حسن الرداد وإيمي سمير غانم يرزقان ب «فادية»    لجنة الخطة بالنواب تطالب الإسكان ببيان بعدد القروض وأوجه استخدامها    المنسقة الأممية: لا سلام دائم في الشرق الأوسط دون تسوية شاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي    «القومي للبحوث» ينظم ندوة حول فضل العشر الأوائل من شهر ذو الحجة    نائب وزير الصحة يشيد بأداء عدد من المنشآت الصحية بقنا ويحدد مهلة لتلافى السلبيات    إيلون ماسك ينتقد مشروع قانون في أجندة ترامب التشريعية    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    تقارير تكشف.. لماذا رفض دي بروين عرضين من الدوري الإنجليزي؟    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    في 24 ساعة فقط- 3 مشروبات تنقي جسمك من السموم    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    الرقابة المالية: التأمين البحري يؤدي دور محوري في تعزيز التجارة الدولية    أكاديمية الشرطة تُنظم الاجتماع الخامس لرؤساء إدارات التدريب بأجهزة الشرطة بالدول الأفريقية "الأفريبول" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولى GIZ    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا لمتابعة مستجدات توصيات النسخة الثانية للمؤتمر العالمي للسكان    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير العمل يعلن استمرار التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل "الوزارة" و"مديرياتها"    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"اليوم السابع" يكشف فى أخطر تحقيق استقصائى: أموال قناة السويس خارج الرقابة.. هيئة القناة تجاهلت مطالب وزارة المالية بإخضاعها لرقابة سابقة على الصرف منذ1992.. والمالية تماطل فى التوضيح.. والهيئة لا ترد
نشر في اليوم السابع يوم 07 - 11 - 2014

- الحكومة التزمت أمام الجهات المقرضة بالإفصاح عن المعلومات السرية لميزانية الهيئة.. وتجاهلت حق حاملى شهادات استثمار القناة فى المعرفة
- الرقابة السابقة أو الرقابة قبل الصرف إجراءات تتخذها الحكومة ممثلة فى قطاع الحسابات والمديريات المالية
- وزير المالية الأسبق: الوضع قائم بالفعل وسعيت لتغييره منذ عام 2006.. لكن الأمور ليست بهذا السوء.. ممتاز السعيد: القانون يلزم الهيئات الاقتصادية بالخضوع لسلطة مراقبى الحسابات
بهيئة بسيطة وبقميص ياقته مهترئة وحذاء قديم، وقف شعبان رجب الذى يقترب من الستين من عمره ممسكًا ببضعة أوراق نقدية، ينتظر دوره فى طابور اصطف فيه العشرات مثله وغيره من مختلف المستويات الاجتماعية أمام البنوك العامة، الجميع هنا جاء ليشارك فى حلم بناء مشروع مصر القومى لإجراء أكبر عملية توسيع وتطوير للممر الملاحى ومنطقة قناة السويس، وذلك كله تلبية لنداء الوطن كما يرون.
قناة السويس
«100 جنيه» هى كل ما تمتلكه ابنة «شعبان» ذات الأربعة عشر عاما، والتى اقترحت على والدها- الموظف بإحدى الهيئات الحكومية- أن يساهم بها فى شراء شهادة استثمار قناة السويس، بدلا من أن تستغلها فى شراء ملابس مدرسية جديدة لبدء العام الدراسى، قائلا بنظرة تملؤها التفاؤل: «أنا ظروفى المادية كمواطن صعبة معاييش ال 100 جنيه، ودى كانت فلوس لبس المدرسة للبنت، بس هى أصرت اشتريلها الشهادة وتروح المدرسة باللبس القديم».
«شعبان» لم يكن لديه أى دراية حول طبيعة أو أوجه صرف هذه الأموال، سوى أنها ستسهم فى تنفيذ «مشروع كبير يفيد البلد»، وقال: «لو راحت الفلوس فداء للبلد خدنا من بلدنا كتير».
هكذا فضل «شعبان» كغيره من آلاف المصريين أن يدخر كل ما يملك فى هذا المشروع التنموى، دون أن يعلم هؤلاء البسطاء كيف تتم الرقابة على أوجه صرف أموالهم لخدمة أغراض المشروع العملاق، وهل تقوم وزارة المالية بدورها فى الرقابة السابقة على هيئة قناة السويس، المرفق الحيوى المهم؟
الكراكات تواصل العمل بمشروع قناة السويس
فى هذا التحقيق الاستقصائى الذى استغرق العمل فيه قرابة ثلاثة أشهر، كشفت «اليوم السابع» بالمستندات عدم خضوع هيئة قناة السويس للرقابة المالية قبل الصرف، بما يعد مخالفة للقانون، ويضر بحق المواطنين فى التأكد من صرف أموالهم فى مكانها الصحيح التى أودعوها بقيمة 64 مليار جنيه فى حساب الهيئة، وحق المجتمع فى الرقابة، وإعمال مبدأ الشفافية.
وحصلت معدة التحقيق على نص المخاطبات التى وجهتها وزارة المالية للهيئة منذ عام 2011 حتى عام 2013 تطالبها بإنشاء وحدة حسابية دائمة داخل الهيئة للقيام بعمليات الرقابة السابقة، إعمالًا لتعديل قانون المحاسبة الحكومية الصادر برقم 105 لسنة 1992، والذى أخضع جميع الهيئات الاقتصادية للرقابة المالية قبل الصرف، دون أى رد من الهيئة.
أموال قناة السويس بين الرقابة من عدمها
هذا التحقيق هدفه الوحيد هو مطالبة جميع جهات الدولة بتطبيق صحيح القانون الذى يمكّن من توضيح الحقائق دوريًا للرأى العام، وطمأنة المواطنين على أوجه صرف 64 مليار جنيه، حصيلة بيع شهادات استثمار القناة من مدخراتهم، لبناء نظام مؤسسى تسير عليه جميع الحكومات والقيادات لسنوات مقبلة.
من يراقب أموال القناة؟
الرقابة السابقة أو الرقابة قبل الصرف، هى إجراءات تتخذها الحكومة ممثلة فى قطاع الحسابات والمديريات المالية، التابع لوزارة المالية، بالرقابة على صرف أى مبالغ من موازنة الدولة أو الجهات التى لها موازنات خاصة - الهيئات الاقتصادية ومنها قناة السويس - قبل قيام هذه الجهات بصرفها فعليًا.
وتراقب وزارة المالية هذه العملية من خلال وحدات حسابية تابعة لها، يكون مقرها الدائم بالجهة الحكومية للموافقة على عمليات الصرف سابقًا، أو رفضها لأسباب مبررة، حماية للمال العام.
ويحدد طبيعة الرقابة السابقة قانون حسابات الحكومة رقم 127 لسنة 1981، لكن لم تكن به أى نصوص تتعلق بالرقابة السابقة على الهيئات الاقتصادية حتى عام 1992 الذى صدر فيه تعديل على القانون برقم 105 يخضع الهيئات الاقتصادية التى لها موازنات مستقلة للرقابة السابقة من قبل وزارة المالية، ومنها الهيئة العامة لقناة السويس، والذى نص على أنه: «تقوم وزارة المالية بإجراء الرقابة المالية قبل الصرف على حسابات جميع الهيئات العامة الاقتصادية والصناديق والحسابات الخاصة، وذلك طبقا للقواعد المطبقة فى هذه الجهات، ويلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون».
وعام 1994 صدرت فتوى تشريعية من مجلس الدولة، أكدت إخضاع الهيئات الاقتصادية للرقابة قبل الصرف استنادًا لتعديل قانون حسابات الحكومة السابق الذكر، تحمل رقم ملف 6/86/456، ولكن ظل التطبيق الفعلى للقانون مجمدًا حتى ثورة 25 يناير.
وفى عام 2011 أصدرت وزارة المالية منشورًا «كتابًا دوريًا» رقم 43 لسنة 2011، بعد ملاحظة وجود توقيع معلى كتوقيع ثان على الشيكات لأشخاص غير مندوب وزارة المالية وهو ما يخالف القانون.
وكان هذا المنشور بداية لمجموعة من المخاطبات المتواصلة من وزارة المالية الموجهة لهيئة قناة السويس للمطالبة بإنشاء الوحدة الحسابية الدائمة التى تراقب على أوجه الصرف، وحتى يومنا هذا لم ترد هيئة قناة السويس على خطابات وزارة المالية المتواصلة منذ ذلك التاريخ، والتى تطالب بإنشاء الوحدة الحسابية.
وزير المالية الأسبق يؤكد الوقائع
ممتاز السعيد، وزير المالية الأسبق، أكد صحة ما توصل إليه التحقيق قائلًا ل«اليوم السابع»: «هذا الوضع قائم بالفعل، وكلامك صحيح مائة بالمائة، وحاولت وأنا وزير ومن قبل تولى منصب الوزارة منذ عام 2006 حتى 2008 عندما توليت رئاسة القطاع بالوزارة مخاطبة 5 جهات لا يحضرنى ذكرها الآن- كان منها هيئة قناة السويس- أن يكون هناك مراقب مقيم من وزارة المالية على حساباتها، ونجحت ضغوطنا فى إنشاء وحدات حسابية دائمة داخل بعض الجهات تراقب عليها، مثل اتحاد الإذاعة والتليفزيون».
استمرار العمل بمشروع قناة السويس الجديدة
ورغم تأكيد «السعيد»- الذى شغل منصب وزير المالية فى الفترة من ديسمبر 2011 حتى يناير 2013 وهى الفترة التى شهدت إرسال الوزارة عددًا كبيرًا من المخاطبات المذكورة سابقًا للهيئة- أهمية تفعيل تعديل القانون 105 الذى أخضع الهيئات الاقتصادية للرقابة المالية قبل الصرف من خلال وحدات حسابية دائمة، إلا أن هذا لا يعنى أن هيئة قناة السويس خارج نطاق الرقابة السابقة.
وتابع «السعيد»: «الوضع ليس بهذا السوء.. فرغم عدم وجود مندوب مقيم من وزارة المالية بالهيئة، لكن حسابات الهيئة ورسوم المرور ترسل للمراجعة بوزارة المالية، وهناك حساب ختامى سنوى وربع سنوى يراجع من قبل الوزارة ومن الجهاز المركزى للمحاسبات، ويأتى لوزارة المالية جميع البيانات المتعلقة برسوم المرور ومشروعات الهيئة».
وشدد «السعيد» خلال حديثه ل«اليوم السابع» أكثر من مرة على قوله: «لا يوجد ما يمنع من إعمال القانون على أى جهة، ومنها هيئة قناة السويس، ولكن أخشى أن يفهم هذا الموضوع بشكل خاطئ فى هذا التوقيت تحديدًا».
«المالية» تماطل.. و«الهيئة» لا ترد
من جانبها حاولت «اليوم السابع» التواصل مع الجهتين المعنيتين، وهما وزارة المالية وهيئة قناة السويس، للرد على الحقائق التى توصلنا إليها، ولكن تجاهلت الهيئة الرد تمامًا فى الوقت الذى أرسلت «اليوم السابع» استفساراتها حول أسباب عدم خضوع الهيئة للرقابة السابقة حتى الآن، وتجاهل خطابات المالية، وذلك عبر البريد الإلكترونى وفاكس مكتب رئيس الهيئة اللواء مهاب مميش، بل التواصل تليفونيًا من خلال المكتب الإعلامى للهيئة.
كان حديث مسؤول العلاقات العامة عمرو فؤاد فى البداية أنه سيتم الرد فى أقرب وقت، وذلك قبل أسبوع، ثم فضل عدم الرد تمامًا على هاتفه المحمول أو الاستجابة لأى رسائل من قبل المحققة.
أما وزارة المالية فكان رد فعلها هو التأكيد بشدة منذ اليوم الأول على رغبتها فى إرسال رد متكامل عن تفاصيل الموضوع قبل النشر- وذلك قبل أسبوعين من الآن- وظلت الوزارة تماطل فى إرسال ردها، وتحجج مكتب رئيس قطاع مكتب الوزير أمجد منير بضرورة موافقة الوزير على الرد قبل إرساله للجريدة.
وظل الوضع هكذا حتى تم إبلاغ معدة التحقيق تليفونيًا عبر مكتب رئيس القطاع ظهر الأربعاء، بأنه سيتم إرسال رد عبارة عن قرار من الوزارة بإنشاء وحدة حسابية تراقب على الصرف من موازنة هيئة قناة السويس، وهو الأمر الذى يحقق هدف هذا التحقيق حتى قبل نشره، ولكن واقع الأمر أنه لم يتم الرد بأى شىء سلبًا أم إيجابًا حتى مثول الموضوع للطبع.
شهادات استثمار قناة السويس.. «حتى لو ضاعت فدا البلد»
وعلى اختلاف الطبقات الاجتماعية لمواطنين ساهموا فى شراء شهادات استثمار قناة السويس لتمويل عمليات حفر القناة الجديدة، كان إجماع من التقتهم «اليوم السابع» بفرع أحد البنوك العامة الموزعة للشهادات، أنه لا خوف من ضياع هذه الأموال سواء اكتمل تنفيذ المشروع أم لا، مجمعين على عبارة واحدة هى: «لو راحت الفلوس فداء لمصر»، وهو ما يجب أن يكون الدافع الأكبر للحكومة لتأمين الحفاظ على أموال هؤلاء المواطنين من خلال تشديد الرقابة وإعمال القانون.
الرقابة على أموال قناة السويس
داليا سامى، أم فى أواخر الثلاثينات من العمر أنيقة الملبس، سحبت كل ما تملكه كإيداع بنكى باسم ابنيها بقيمة 20 ألف جنيه، لتشترى به شهادات استثمار القناة.
وبررت داليا، التى تعمل مدرسة لمادة العلوم، سعيها الحثيث وانتظارها فى طوابير طويلة لشراء الشهادات بقولها: «زى ما بنسمع فى الإعلام صندوق النقد خلاص مش هيدينا فلوس تانى وإحنا اللى لازم نقوم بلدنا، وحتى لو ضاعت الفلوس أو مرجعتش تانى مش مهم فداء للبلد».
وعلى عكس الملامح السابقة وقف حنفى محمود، البالغ من العمر 53 عاما، بزيه المكون من قميص وبنطال متواضع، متفاخرا بعد تمكنه من شراء شهادات بقيمة 5 آلاف جنيه: «اشتريت الشهادات مساهمة منى فى بناء البلد، دى فلوس كنت شايلها على جنب هى اللى حيلتى وكانت فى بنك قبل كده سحبتهم واتصرفوا ولما رجعوا تانى اشتريت بيهم الشهادات».
ولم يكن لدى حنفى- السائق بإحدى شركات القطاع الخاص- أى دراية بالحديث عن الرقابة على أوجه صرف هذه الأموال أو حتى مجرد مخاوف من ضياع أمواله لأى سبب، مؤكدا: «أنا نيتى خدمة البلد ولو الفلوس كلها مرجعتش أنا متقبل ومش زعلان».
هؤلاء وغيرهم الكثيرون يحلمون باكتمال مشروع قناة السويس الضخم الذى بدأ تنفيذه فعليا مطلع أغسطس الماضى، دون أى دراية بما تعنيه الرقابة على صرف هذه الأموال لضمان تحقيق أهدافها.
والمشروع الجديد هو عبارة عن إنشاء مجرى ملاحى جديد لقناة السويس وتعميق المجرى الملاحى الحالى بما يقلل من مدة عبور السفن، وتنمية محور القناة بالكامل، وهو ما تستهدف معه الهيئة رفع إيراداتها السنوية بعد انتهاء المشروع إلى 100 مليار دولار سنويا، بحسب تصريحات الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس.
وربما تكون الطريقة الجديدة التى ابتكرتها الحكومة فى تمويل مشروع القناة الجديدة من خلال شهادات استثمار قناة السويس، مخرجا «غير مقصود» من إلزام الهيئة بالرقابة على أوجه صرف هذه الأموال، وهو ما اتفق معه خبير التمويل والاستثمار عمر الشنيطى رئيس مجموعة مالتيبلز للاستثمارات.
العمل فى قناة السويس
وقال الشنيطى ل«اليوم السابع»: «التوجه للتمويل من خلال طرح شهادات الاستثمار حال دون خضوع الحكومة لشروط الرقابة الصارمة فى حالة التمويل بالقروض خاصة الخارجية لضمان سداد أقساط القرض فى مواعيدها، وهو ما لم تتحه الحكومة لمقرضيها من المواطنين الذين اشتروا شهادات الاستثمار».
وتابع الشنيطى: «لا يمكن الجزم بأن الخروج من مأزق الرقابة السابقة على الصرف هو السبب وراء طرح شهادات الاستثمار، ولكن فى الحقيقة لن توافق أى جهة مقرضة فى الخارج أو الداخل على منح الحكومة هذا المبلغ الضخم – 64 مليار جنيه – دون وجود دراسات جدوى حقيقية فنية ومالية واقتصادية للمشروع، وبالتالى لجأت الحكومة لطرح الشهادات التى لم تتطلب أى دراسات تفصيلية للمشروع».
القناة حلم الدول الكبرى بالسيطرة على التجارة العالمية
هذا الأثر الاقتصادى والمالى الكبير لهيئة قناة السويس من عائداتها، لم يكن صدفة، حيث مرت قناة السويس بالعديد من المراحل التاريخية منذ إنشائها وحتى الآن، ارتبطت ارتباطا وثيقا بالظروف السياسية لمصر والعالم أجمع. فحفر قناة السويس -استغرق شقها 10 سنوات «1859 - 1869»- طالما كانت حلما يراود الدول الكبرى، بداية من محاولات قائد الحملة الفرنسية على مصر نابليون بونابرت، والذى كان يرغب فى استعادة السيطرة على حركة التجارة العالمية، التى كانت تتحكم فيها بريطانيا بسيطرتها المطلقة على طريق رأس الرجاء الصالح، بعد احتلالها دولة الهند.
ولكن باءت محاولات بونابرت الأولى بشق قناة بين البحرين الأحمر والمتوسط بالفشل، نتيجة وجود تقرير فنى، أثبت بالخطأ بأن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من مياه البحر المتوسط، بحسب التفاصيل التاريخية التى نشرها الموقع الرسمى لهيئة قناة السويس.
وتجدد حلم الفرنسيين مرة أخرى فى حفر قناة تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط أثناء حكم محمد على باشا لمصر، وتحقق ذلك بالفعل على يد نائب قنصل فرنسا بمصر، مسيو فرديناند ديليسبس الذى أقنع الخديو إسماعيل بفكرته.
وبعد أن تولى محمد سعيد باشا حكم مصر فى 14 يوليو 1854، تمكن ديليسبس - والذى كان مقرباً من سعيد باشا - من الحصول على فرمان عقد امتياز قناة السويس الأول، وكان مكونا من 12 بنداً، كان من أهمها حفر قناة تصل بين البحرين، ومدة الامتياز 99 عاما من تاريخ فتح القناة، واعترضت إنجلترا بشدة على هذا المشروع، خوفاً على مصالحها فى الهند، حيث كانت تسيطر على طريق رأس الرجاء الصالح، الذى جعل السفن المارة بين آسيا وأوروبا تدور حول قارة أفريقيا.
وفى 5 يناير 1856 صدرت وثيقتان، هما عقد الامتياز الثانى وقانون الشركة الأساسى، وكان من أهم بنوده، قيام الشركة بكل أعمال الحفر وإنشاء ترعة للمياه العذبة، تتفرع عند وصولها إلى بحيرة التمساح شمالاً لبورسعيد وجنوباً للسويس، وأن حجم العمالة المصرية أربعة أخماس العمالة الكلية المستخدمة فى الحفر.
وتم بالفعل الاكتتاب فى أسهم شركة قناة السويس فى الفترة من 5 إلى 30 نوفمبر 1858، وبلغ عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب 400 ألف سهم بقيمة 500 فرنك للسهم الواحد، وتمكن ديليسبس بعدها من تأسيس الشركة، وتكوين مجلس إدارتها، ليبدأ حفر القناة فعليا فى إبريل عام 1859، ولمدة استغرقت 10 سنوات، حتى تم افتتاحها فى حفل أسطورى ضم ملوك ورؤساء دول العالم الكبرى، فى 16 نوفمبر عام 1869 فى عهد الخديو إسماعيل.
عمليات التوسعة السابقة وتمويلها
وظلت قناة السويس تحت سيطرة الأجانب حتى أممها الرئيس جمال عبدالناصر عام 1956، مما أثار غضب الدول الكبرى لتقوم بالعدوان الثلاثى على مصر فى أكتوبر من نفس العام، وأغلقت على إثره القناة، ثم أعيد فتحها فى مارس من عام 1957.
ولم تكن هذه هى المرة الوحيدة التى أغلقت فيها القناة أمام حركة السفن، حيث تعرضت للإغلاق عقب نكسة 1967 بفعل السفن الغارقة فيها، ولم يتم افتتاحها سوى عام 1975 فى عهد الرئيس محمد أنور السادات، بعد أن تمت إزالة بقايا السفن الغارقة، وتم بعدها إجراء أكبر عملية توسعة وتعميق للقناة وتطوير للمجرى الملاحى.
ولعل أبرز وأهم عمليات التوسعة والتطوير للمجرى الملاحى للقناة بل والأكثر تكلفة، كان اعتبارا من عام 1977، وهى الفترة التى شهدت قيام الحكومة المصرية ممثلة فى هيئة قناة السويس، بتوقيع عدد من الاتفاقيات الدولية للحصول على قروض من عدد من الجهات المانحة لتمويل المرحلة الأولى للتوسعة، بقيمة إجمالية تعادل 468 مليون دولار أمريكى، بالإضافة إلى 176.5 مليون ريال سعودى.
وكان من بين الجهات المقرضة لهذا المشروع البنك الدولى للإنشاء والتعمير، والصندوق العربى، والصندوق الكويتى، والبنك الإسلامى للتنمية، وصندوق أبوظبى للتنمية، والصندوق اليابانى للتعاون الاقتصادى، والوكالة الأمريكية، وكان يتم منح مصر هذه القروض بعملة الجهة المقرضة وعلى فترات سداد بلغت 20 عاما فى بعض الاتفاقيات.
الرقابة «حلال» للهيئات الدولية.. «حرام» على المصريين
ما يدعو للاهتمام فى هذا الأمر، أن جميع الاتفاقيات التى وافق عليها فى هذه الفترة الرئيس السادات، قد نصت على بنود واضحة تلزم هيئة قناة السويس «الجهة المقترضة»، بتقديم كل المعلومات والبيانات التى تطلبها الجهة المقرضة، لبيان أوجه صرف القرض، ومدى تحقيق أهداف المشروع الممول حتى «السرية» منها، بل وتعدى الأمر لنص أكثر من اتفاقية حصلنا على تفاصيلها بتقديم تقارير محاسبية من محاسبين مستقلين، توافق عليهم الجهة المقرضة، والسماح لمندوبى هذه الجهات بزيارة قناة السويس والاطلاع على أى معلومات ترغب فى معرفتها تتعلق باقتصاديات هيئة قناة السويس.
وفى إحدى الاتفاقيات المتعلقة باقتراض مبلغ 10.3 مليون دينار من البنك الإسلامى، نصت الاتفاقية التى وافقت مصر عليها، على أن تتعهد قناة السويس بتقديم تقارير مالية محددة، بشرط أن «تنال رضا البنك» – طبقا لنص الاتفاقية، وتشمل تلك البيانات والمعلومات «المواد الخاصة بالحالة الاقتصادية والمالية فى بلاد المقترض – أى مصر – وميزان مدفوعاته»، بحسب ما تضمنته شروط الاتفاقية التى وقعت فى نوفمبر عام 1977. هذا لايدع مجالا للشك بأن الحديث والبيانات والمعلومات عن الأوضاع المالية للهيئة، يجب أن يكون متاحا دون قيود للجهات ذات سلطة المراقبة السابقة وهى وزارة المالية، وبالطريقة التى حددها القانون، بما يكفل الحفاظ على حقوق جميع المواطنين الذين أودعوا أموالهم فى مشروع اعتبروه حلم كل المصريين، لتحقيق نهضة اقتصادية خلال 5 سنوات من الآن.
الهيئات الاقتصادية والموازنة العامة.. علاقة مرتبكة
هذا الوضع لا يقتصر على هيئة قناة السويس فقط، بحسب مصدر مسئول من وزارة المالية طلب عدم الكشف عن اسمه، بل يظل عدد من الهيئات الاقتصادية ذات الموازنة المستقلة، بعيدة عن دائرة فرض وزارة المالية سيطرتها القانونية فى مجال الرقابة المالية قبل الصرف، خاصة ما يتعلق بالرقابة السابقة على الهيئة العامة للبترول والتأمينات الاجتماعية وغيرها من الهيئات – يصل عددها 57 هيئة اقتصادية، بحسب الموقع الرسمى لمركز معلومات قطاع الأعمال العام لها موازنات مستقلة، وهو الوضع الذى يجب إعادة النظر فيه بالكامل.
ورغم أن هذه الهيئات لها ميزانيات مستقلة، إلا أن نتائج أعمالها السنوية تنعكس على الموازنة العامة، حيث تحصل عدد كبير من هذه الجهات على دعم سنوى من الموازنة، خاصة التى تحقق عجزا فى نشاطها، وتؤول للموازنة الفوائض المالية من الهيئات التى تحقق أرباحا مثل الهيئة العامة للبترول وهيئة قناة السويس، والبنك المركزى.
وقد بلغ إجمالى الإعانات التى حصلت عليها الهيئات الاقتصادية من الموازنة فى صورة مساهمات برأس المال - بخلاف الثلاث جهات المذكورة 3.5 مليار جنيه طبقا لآخر حساب ختامى، تم اعتماده عن العام المالى 2012/2013، فى حين قدرت مساهمات هذه الجهات للموازنة فى صورة أرباح أسهم بحوالى 1.9 مليار جنيه للعام المذكور.
هذا يجعل صافى العلاقة بين هذه الجهات والموازنة العامة بالسالب، فبمقارنة ما حصلت عليه هذه الهيئات من الدولة، وما وفرته كفائض، نجد عبئا على الموازنة قدره 1.6 مليار جنيه تحملتها موازنة 2012/2013 لسد عجز موازنات الهيئات الاقتصادية، وهو ما يؤكد وجود خلل يحتاج لمزيد من إحكام الرقابة على هذه الجهات.
قناة السويس الجديدة
فى النهاية نأمل أن يسهم نشر التحقيق الذى حظى بعمل شاق ليخرج بهذه الصورة، فى تحريك المياه الراكده منذ 1992، بإلزام جميع الهيئات الاقتصادية بالخضوع للرقابة السابقة، وإعمال القانون، حتى لا تضيع أموال البسطاء التى استثمروها فى مشروع اعتبروه أمن مصر ومستقبلها لتؤتى ثمارها الحقيقية، لضمان أن أموال «شعبان» و«داليا» و«حنفى» وغيرهم من الكادحين فى هذا البلد لن تضيع هباء لمجرد أن أحدهم لا يؤدى عمله كما يجب.
تطور عائدات قناة السويس
وتعد قناة السويس – الممر المائى الذى يبلغ طوله 193 كم بين بورسعيد على البحر الأبيض المتوسط والسويس على البحر الأحمر - من أهم مصادر الدخل بالعملة الصعبة، ورغم أن لها ميزانية مستقلة عن الموازنة العامة للدولة، باعتبارها إحدى الهيئات الاقتصادية، إلا أنها تسهم بشكل كبير فى دعم موارد الموازنة العامة من خلال ما يؤول للموازنة سنويا من الضرائب والإتاوات، وفوائض هيئة قناة السويس، والتى بلغ إجماليها طبقا لآخر حساب ختامى تم اعتماده عام 2012/2013 ، 30.14 مليار جنيه، مقابل 29.49 مليار جنيه فى العام السابق عليه.
وبالنظر إلى الحسابات الختامية للموازنة العامة لآخر 8 سنوات مالية تم اعتماد حساباتها من 2005/2006 وحتى 2012/2013، نجد التطور السريع فى ارتفاع عائدات قناة السويس على الموازنة العامة سنويا بتحقيق مبلغ 18.83 مليار جنيه فى العام الأول، وصولا إلى 30.14 مليار جنيه فى العام الأخير.
وظل المنحنى الصعودى لعوائد قناة السويس على الموازنة العامة حتى عامى 2008/2009 و2009/2010 التى انخفضت فيها العوائد من 26.82 مليار جنيه عام 2007/2008، إلى 25.19 مليار جنيه عام 2008/2009، ثم مزيد من الانخفاض إلى 23.52 مليار جنيه عام 2009/2010، تزامنا مع توابع الأزمة المالية العالمية التى أثرت على حركة التجارة العالمية آنذاك، ثم تستعيد القناة عافيتها، وترتفع عوائدها مرة أخرى إلى 27.55 مليار جنيه بنهاية العام المالى 2010/2011، وهو ما يؤكد الأهمية الاقتصادية لهذا المرفق الحيوى، وضرورة الرقابة على أوجه صرف أمواله بالطريقة التى كفلها القانون، حماية للمال العام وإعمالا لمبدأ الشفافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.