سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ناصر عراق يكتب: "مراكش" مدينة حمراء تضج بالسحر والخيال والحدائق الخضراء.. محظوظ من تُتاح له نعمة التجوال فى الولاية المغربية شريطة أن يلم بقبس من تاريخها.. المدينة تضم 30 حديقة مختلفة المساحات
حين هبطت بنا الطائرة فى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء فى المغرب، تذكرت فيلم «كازابلانكا» الذى لعب بطولته عام 1942 نجم هوليوود همفرى بوجارت والفاتنة أنجريد برجمان، ذلك أن أحداث الفيلم الشهير كانت تدور فى «كازابلانكا»، وهو الاسم الأجنبى للدار البيضاء، وكانت ظلال الحرب العالمية الثانية تسيطر على الواقع اليومى فى ذلك الوقت، وتسطو على الشاشة البيضاء أيضًا فى هذا الفيلم الآسر. البابطين فى مراكش جئت إلى مراكش بدعوة كريمة من مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعرى، لحضور احتفاليتها باليوبيل الفضى الذى يتزامن مع إطلاق الدورة الرابعة عشر/ دورة أبى تمام الطائى، ويذكر أن هذه المؤسسة العريقة قد أصدرت طوال تاريخها أكثر من 400 كتاب فى الشعر والدراسات النقدية، فضلا عن عشرات الندوات والأمسيات التى أقيمت فى العديد من المدن العربية والأجنبية بهدف إحياء الشعر العربى وتأكيد سماحة ثقافتنا العربية الإسلامية. ولأن رائد هذه المؤسسة وصاحبها عبدالعزيز سعود البابطين شاعر كويتى كبير، فقد خصص جوائز قيمة للشعراء الموهوبين فى عالمنا العربى، من الكبار والصغار، وهكذا تولى الناقد الدكتور محمد مصطفى أبوشوار، نائب الأمين العام للمؤسسة، تقديم الفائزين فى هذه الدورة التى أقيمت تحت رعاية الملك محمد السادس ملك المغرب، حيث حضر الاحتفالية إدريس الضحاك، أمين عام الحكومة المغربية، ومحمد الصبيحى، وزير الثقافة بالمملكة، وعبدالسلام بكرات، والى مراكش، ومحمد القباج، رئيس مؤسسة فاس سايس. فى البداية تحدث الشاعر الكويتى الكبير عبدالعزيز سعود البابطين، رئيس المؤسسة، مثمنًا دور ملك المغرب فى رعاية هذا الحدث المهم، وموضحًا أهم إنجازات المؤسسة قائلاً: «كان التحدى الأول الذى فرض علينا هو كيف تتمكن مؤسسة ثقافية تعتمد على إمكانيات فردية محدودة من إثبات وجودها وسط مؤسسات ثقافية حكومية تمتلك إمكانيات لا محدودة، وتمكنا من إثبات وجودنا بإدراك أن النجاح فى أى عمل هو الذى يخلق الإمكانيات، وأن الثروة المعنوية هى التى توفر لأى عمل أبرز متطلباته»، وأعلن البابطين عن إطلاق جائزة للشعراء الشباب. ثم ارتجل بعد ذلك والى مراكش كلمة حيى فيها مؤسسة البابطين ودورها فى تعزيز الإبداع العربى، مؤكدًا أن المملكة تعى تمامًا دور الثقافة والإبداع فى نهضة الأمم والشعوب. أما الفائزون فى هذه الدورة فقد أعلن أسماءهم الباحث الدكتور محمد مصطفى أبوشوارب، الأمين العام المساعد للبحوث والنشر فى مؤسسة البابطين، وفهم: الشاعر اللبنانى جورج جرداق صاحب قصيدة «هذه ليلتى» لأم كلثوم وقد نال جائزة تكريمية، والدكتور يوسف أبوالعدوس بجائزة الإبداع فى مجال نقد الشعر عن كتابه «الأسلوبية ونقد الشعر.. رؤية نظرية وآفاق تطبيقية»، والشاعر التونسى المنصف الوهايبى بجائزة أفضل ديوان عن «ديوان الوهايبى»، والشاعران: اليمنى أحمد عبده على الجهمى عن قصيدته «نفحة فى رحم اليباب» والمصرى سمير فراج عن قصيدته «نزع القناع». ثم توالت الندوات والأمسيات الشعرية والحفلات الموسيقية والغنائية وسط حضور عربى ومغربى كبير أبدى حفاوة بالغة بهذه المؤسسة ودورها التنويرى الثقافى المتفرد. مدينة سامقة عاشقة لأن هذه أول زيارة لى للمغرب فقد تركت نفسى أتأمل الناس والمكان والأشياء، وقد استقبلنا المسؤولون عن مؤسسة جائزة البابطين للشعر بكل اهتمام، واصطحبونا من الدار البيضاء إلى مراكش حيث الإقامة ومقر الاحتفالية بمناسبة مرور ربع قرن على إطلاق هذه المؤسسة التى تحاول تحت قيادة رئيسها الشاعر الكويتى الكبير عبدالعزيز سعود البابطين، أن تعيد للشعر العربى حضوره وبهاءه.. المسافة بين المدينتين تتجاوز 200 كيلومتر، والطقس لطيف، وإن كانت نهايات الصيف تواصل محاولتها الأخيرة قبل الغياب أمام جيوش الشتاء المقبل، فأمدت الشمس بحرارة ساخنة حادة إلى حد ما.. إذا أردت أن تعرف تطور بلد ما، فتأمل شوارعه ونظامه المرورى، وهكذا قطع الباص الطريق من الدار البيضاء إلى مراكش فى شوارع نظيفة مستوية.. مرصوفة باعتناء.. الأمر الذى جعلنى أتذكر بحسرة الطرق البائسة فى القاهرة وأتألم وألعن الذين أهانوا العاصمة المصرية وأذلوها. المدينة الحمراء! محظوظ لا ريب من تُتاح له نعمة التجوال فى ولاية مراكش المغربية، شريطة أن يلم بقبس من تاريخها ليدرك حيويتها النابضة واستثناءها بين المدن، وقد كانت المقادير سخية معى عندما هبطت أرض هذه المدينة التاريخية قبل يومين لحضور احتفالية مؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين بيوبيلها الفضى التى تقام على هامش الدورة 14/ دورة أبى تمام الطائى. فى الصباح اصطحبنا الإعلامى والشاعر المغربى الموهوب، ياسين عدنان، فى سيارته لنتعرف على أهم معالم المدينة، وياسين من أبناء مراكش القديمة ومفتون بها مثل أى ابن بار ببلده، لذا فقد قرأ وتأمل حتى أدرك جوهر مدينته المدهشة، وهكذا أخبرنا- الكاتب الصحفى مصطفى عبدالله وأنا- أن المدينة التى شيدها المرابطون فى القرن الحادى عشر الميلادى تتسم بأنها مغمورة فى نور الشمس الساطعة، لدرجة يصعب معها احتمال انعكاساتها على المبانى البيضاء، وهذا السر الأول فى أن كل مبانيها غارقة فى اللون الأحمر وظلاله المتعددة، حتى تمتص الضوء القوى المنهمر عليها من السماء! إن المنظومة المعمارية للمدينة تتشابه بشكل مدهش، فقد استلهم مصممو البنايات الجديدة تراثهم المعمارى الذى شيدته كل من دولتى المرابطين والموحدين قبل عشرة قرون تقريبًا، وعجنوه برؤاهم وخيالهم بما يوائم العصر الحالى، مستثمرين إمكانات التكنولوجيا المتطورة، وهكذا تجد أى مبنى مؤسس على زخرفة واجهته بالطوب المحروق- أبرز ملامح المعمار قديمًا- المتضافر مع اللون الأحمر وتدرجاته. الشعر والحدائق إذا كانت مؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين تحتفى بالشعر منذ ربع قرن، فإن مدينة مراكش المغربية تحتفل بالحدائق منذ عشرة قرون! وإذا كان الشعر العربى قد تلقى فى العقود الأخيرة طعنات غادرة دفعت الناس إلى التعامل معه باستهانة حتى جاءت جائزة البابطين لتعيد له بهاءه القديم، فإن مراكش ظلت وفية لعهدها مع الحدائق والبساتين منذ أسس المرابطون أول حديقة مازالت قائمة حتى الآن واسمها «أجدال»!. يقول لى الشاعر المغربى ابن مراكش والمفتون بها ياسين عدنان، إن مدينته تحتوى 30 حديقة يتم التعامل معها باهتمام كبير، وقد اصطحبنا قبل يومين- الصحفى الكبير مصطفى عبدالله وأنا- لنتجول فى «عرصة مولاى عبدالسلام»، والعرصة تعنى البستان عند أشقائنا المغاربة، ولك أن تعرف أن هذه الحديقة/ العرصة تم تأسيسها فى القرن الثامن عشر! كأنك تسير بين أبيات قصيدة شعرية بديعة.. هكذا قلت لنفسى ونحن نتهادى بين الأشجار والزهور والنباتات نتلقى روائح زكية تنعش الصدر وترطب الروح، لذا لم أفاجأ حين وجدت الحديقة مزدحمة بالزوار من أهل مراكش وزائريها من السائحين. كما قال لى ياسين عدنان إن «مراكش» تعنى «مر سريعًا» أو «أرض الله»، فإنك ستكتشف أن هذا البلد الأمين يمتلك قدرة مدهشة على اختطاف الوقت، فلا ملل ولا ضجر، وإنما مسرات دائمة وهدوء ناعم، لكن إذا لم تزر ساحة جامع الفنا فأنت لم تمر بمراكش. ساحة جامع الفنا قد تعجب إذا قلت لك إن ساحة جامع الفنا، وهى أهم مزار سياحى فى مراكش، لا تدخلها سيارة، وينتشر فى جنباتها عشرات الباعة الذين يعرضون بضاعتهم من كل صنف ولون مثل عصائر البرتقال الطازج والمنتجات الجلدية والصناعات التقليدية، وتصطف على مشارفها الحناطير فى نظام صارم، لدرجة أنهم ابتكروا سراويل لكل حصان حتى لا يلوث الطريق بالروث! كذلك جلس ماسحو الأحذية متجاورين وقد وضع كل واحد منهم مقعدًا أمامه ليجلس عليه من يبغى تلميع حذائه! كما تستوعب الساحة مع هطول المساء أكبر مطعم مفتوح فى العالم! إن مراكش مزيج بديع من العراقة والتقدم، لذا يحق لمؤسسة جائزة البابطين أن تفخر لأنها اختارت هذه المدينة الفريدة لتطلق احتفاليتها باليوبيل الفضى! موضوعات متعلقة.. د. رشا صالح تكتب: مصطفى عبد الله يحاور روائيًا متهمًا بالخروج على المألوف.."هدير السرد" كتاب يكشف الجوانب الخفية بأدب أشرف الخمايسى.. الكتاب يضم ثلاثة أجزاء ما بين الحوارت الساخنة والمختارات المتميزة