سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصطفى عبد الله يحاور روائيًا متهمًا بالخروج على المألوف.."هدير السرد" كتاب يكشف الجوانب الخفية بأدب أشرف الخمايسى.. الكتاب يضم ثلاثة أجزاء ما بين الحوارت الساخنة والمختارات المتميزة
«هدير السرد» عنوان كتاب يقع فى 343 صفحة من القطع المتوسط صادر مؤخرًا ضمن سلسلة كتاب دبى الثقافية التى تصدرها مجلة دبى الثقافية بدبى، ويرأس تحرير السلسلة الشاعر الإماراتى سيف المرى. فى هذا الكتاب يثير مؤلفه مصطفى عبدالله رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب الأسبق، إشكالية لها وجهان؛ الأولى تتعلق بالمعنى، فالهدير يعنى الحركة، والسرد يشى بالحركة والسكون فى آن واحد. والثانية تتصل بالعنوان الفرعى للكتاب «الخمايسى فى السبنسة» وتطرح تساؤلا: هل المقصود بالسرد هو سرد أشرف الخمايسى، أم سرد مصطفى عبدالله عن الكاتب القصصى أشرف الخمايسى؟ ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: حوارات بين الكاتب والروائى، ومختارات من إبداع الخمايسى، وشهادات ودراسات للنقاد عن الخمايسى. الحوارات الصحفية هى قوام الجزء الأول من الكتاب ومادته الرئيسية، وهى تحاول أن تعرف تعريفا أدبيا وفنيا وإنسانيا بكاتب من الكتاب، وتختلف فى طبيعتها عن البحث الأكاديمى أو المقالة المتخصصة التى من شأنها أن تحاور الموضوع أو الإنتاج دون أن تحاور كاتبه. وهذه البحوث، على أهميتها، سعت ببعض تيارات النقد الحديث إلى إعلان موت المؤلف والحديث عن النص باعتباره كيانا معلقا فى الهواء دون أن تربطه بزمان أو مكان أو مؤلف. وقد امتد نفوذ هذا الاتجاه منذ الشكلانيين الروس، والبنيويين، وأنصار المذاهب النصية الخالصة، لكن بعض الاتجاهات فى النقد الحديث بدأت ترى ثغرات كثيرة تنتج عن الإغفال الكامل لصلة النص بمؤلفه وبظروفه الزمانية والمكانية. صحيح أن النص فى نهاية المطاف هو نص ينتمى إلى لغة معينة لها تقاليدها، وإلى جنس أدبى معين له مواضعاته، لكنه أيضا ينتمى إلى مذاق خاص قد يكتسبه من خصوصية المؤلف. وإذا كنا قد عانينا من قسوة النمطية فى النصوص التى تبالغ فى عدم مراعاة الظروف الخارجية للنص، فإننا أيضا لا ينبغى أن نقع فى فوضى التقييمات النقدية التى تخضع تماما لأمزجة المؤلفين وظروفهم، وإنما علينا أن نبحث عن الخيط الدقيق فى الإنتاج الأدبى الذى يراعى أهمية السمات العامة دون أن يستبعد أهمية البحث عن مذاق السمات الخاصة، وهو ما أطلق عليه «رولان بارت» درجة ما فوق الصفر، ودرجة ما تحت الصفر فى الكتابة. وفى هذا الإطار تأتى أهمية الكتب التى تحاور مؤلفا، وتستكشف المناخات المحيطة بلحظات إبداعه ومراحل تكوينه، ومنها كتاب «هدير السرد» الذى يقدم جهودا طيبة فى هذا المجال، وهو يذكرنا بما قام به أدباء آخرون مثل محاورات فؤاد دوارة ليحيى حقى، وكتابات رجاء النقاش عن نجيب محفوظ. شخصية الروائى أشرف الخمايسى شخصية برية، إن جاز التعبير، استطاع مصطفى عبدالله أن يلتقط سماتها دون أن يحاول إلغاء ما لا يرضى عنه. استطاع أيضا أن يقدم لنا هذه البرية بأسلوب التقليم أحيانا، وبأسلوب الحماس أحيانا أخرى. فهو لا ينكر تحمسه للخمايسى، الأمر الذى يثير فضول القارئ للبحث عن أسباب هذا التحمس. يلقى الحوار الضوء أيضا على نقاط مهمة فى أدب الخمايسى، يجعل منها نواة للدراسات النقدية الجادة. فهو يلمح إلى احتفاء الخمايسى بعناصر الطبيعة الحية، ومراقبة الطير والحيوان. وطوال القراءة، كانت تلح على عدة تساؤلات: ترى إلى أى مدى يؤثر استبطان كنه الكاتب وسبر أغواره فى الحكم على كتاباته؟ وإلى أى مدى يحق للكاتب تفسير أعماله كما جاء فى الحوار؟ وما الحدود الفاصلة بين ثقة الكاتب بالنفس والغرور؟ تساؤلات تحيرنى، وتظهر لها إجابات كثيرة تؤكد مرة، وتنفى مرة أخرى، ولكنها ظلت تتأرجح فى ذهنى، وتمتعنى أيضًا. دخل مصطفى عبدالله عالم الخمايسى الشديد الظلام فى بعض الأوقات، والمضىء بشدة فى غالب الأوقات، وقدم نموذجا أدبيا فنيا لفن الحوار الذى يحافظ على درجات القرب والبعد من شخصية متوهجة برية كشخصية الخمايسى، تصر على بعض العبارات الصادمة للقارئ، شخصية تعشق الاختلاف والتفرد، وتدرك جيدا أنها تحمل إرث الجنوب وملامحه، فتحرص عليه، وعلى وجوده الدائم فى كتاباتها. والحوار عند مصطفى عبدالله حوار له عدة آليات، فهو مباغت حينا، صاخب هادئ حينا، ينساب فى دعة، ويتدفق فى جموح مع فيضان هدير الخمايسى. يدير دفة البوح بحكمة، ويطالب الروائى بالمزيد من التفسير لبعض الوقائع أو الأحداث أو الرؤى سعيا لجلاء الصورة عند القارئ ووضوحها. فى نهاية القراءة شعرت بالجهد الذى بذله المحاور، فإذا كان موضوع الحوار هو الإبداع، فإن لغة الحوار كانت لغة سرد إبداعى، تأخذ الكلمات المتناثرة المبعثرة المتوهجة المتطلعة المحبطة الحيرى، وتلتقط المشاهد الكاملة أو المجتزئة، وتصبها فى قوالب السرد، ولكنه هذه المرة، سرد عن روائى.