يعد الراحل الشيخ خلف حسن الخلفات من أبرز القيادات البدوية فى شمال سيناء التى لعبت دورا مؤثرا فى الصراع على أرض سيناء والتصدى لمطامع الصهاينة، فقد تمكن من تكوين جبهة رفض للاحتلال وتصدى لمحاولة إسرائيل عقب احتلالها لسيناء فى تهويد الأرض وشرائها، كما كان ظهيرا للمقاومين ومدافعا عن حق أبناء سيناء. هذا الرجل لم يكن شخصا عاديا من أهل سيناء بل كان زعيما قبليا لا يختلف على قوة شخصيته اثنان، كما كان شيخا صوفيا أسس ونشر الفكر الوسطى بإظهار الإسلام بوسطيته واعتداله وسماحته بعيدا عن الغلو والتطرف والتكفير للآخرين. سيناء تعرف هذا الرجل كما يعرف قيمته ما قدمه كل من أدار ملفات الصراع المصرى الإسرائيلى وتقصت «اليوم السابع» عن جوانب من حياته. على بعد أمتار قليلة من ميدان قرية الجورة جنوب مدينة الشيخ زويد، تعلو فى سماء المنطقة مئذنة مسجد يحمل اسم الشيخ خلف الخلفات وبجوار المسجد «ضريحه» وزاوية ساحة شيدت بطراز معمارى حديث من نوعه، وهى مجلس لكل تلاميذ الشيخ خلف وأحبابه يحيون ليل نهار تقاليد بدوية توارثوها فى استقبال الضيوف وإكرام العابرين، وإحياء مبادئ الطريقة الصوفية التى يسيرون على نهجها وهى «الطريقة العلاوية»، على جدران الزاوية علقت صور مشايخ الطريقة، وإلى جانبهم صورة الشيخ خلف الخلفات، يعتز من يجلسون فى الزاوية بسيرة شيخهم ويفتخرون أنهم تلاميذ له قام هو بتربيتهم على مدى عشرات السنوات وسط ظروف اقتصادية وسياسية متلاطمة علمهم خلالها أصول دينهم الوسطى، وحال دون أن تسيطر على عقولهم أفكار الجماعات التكفيرية، كما علمهم حب وطنهم والحفاظ على ذرات ترابه وعدم الخنوع خوفا من الفقر والحاجة أيام الاحتلال بأن يذهبوا للعمل معه أو بيع أرضهم. يقول «الشيخ عرفات خضر سالمان» أحد تلاميذ الشيخ خلف والذى يقود موقعه فى تولى زمام الزوايا الصوفية فى تلك المنطقة، والذى قام أيضا بإعداد كتاب تاريخى يحمل اسم الشيخ خلف الخلفات إن شيخهم ولد فى عام 1930، وهو ابن لزعيم قبلى حرص فى وقته على أن يعطيه حقه من التعليم فى مدرسة بالعريش تبعد عن قريتهم الجورة نحو 40 كم. وعقب وفاة والده تولى الشيخ خلف زمام أمور عشيرته وهو شاب فى مقتبل العمر وبدأت نوازع الفعل الوطنى فى تكوين شخصيته الوطنية على أثر حرب 1948 فقام بتأسيس مجموعة فدائية، أشرفت عليها وقتها المخابرات المصرية بقيادة «مصطفى حافظ» قائد المخابرات المصرية فى غزةوسيناء فى ذاك الوقت حيث كان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية. ونفذت هذه المجموعة أعمالا فدائية استهدفت مراكز الجيش الصهيونى وخطوط المياه والمستوطنات، وتنبهت إسرائيل لخطورة المجموعة وحاولت مجموعة كوماندوز إسرائيلية اغتياله عام 1952، ثم محاولة اغتياله بواسطة أحد العملاء الذى استدرجه إلى مدينة رفح بعبوة ناسفة فى رحل البعير الذى يركبه، وتنبه للأمر بذكاء وتمكن من انتزاعها كما وجهت قوة تستقل طائرة عسكرية هجوما بالرصاص على منزله، وكان بيت شعر فى منطقة تسمى العجراء جنوب قرية الجورة ولم يكن بمنزله وقتها. أضاف الشيخ عرفات فى حديثه عن «الشيخ خلف»، واصل الشيخ عملياته الفدائية حتى وصل التاريخ لمنحنى خطير وهى نكسة 1967 واحتلال سيناء، فتحولت منطقة الجورة إلى ساحة قتال بين الجيشين المصرى والإسرائيلى وتمكنت إسرائيل من السيطرة واحتلال سيناء بالكامل وكان الشيخ صامدا فى أرضه، رفض الهجرة منها، كان يأمر أتباعه بأن يلتزموا أماكنهم والتصدى لمغريات الاحتلال تسهيل هجرتهم لتنفيذ مخططات استعمارية ببناء المستوطنات، وكان يرى فى تمسك الأهالى بأرضهم وعدم تركهم مقاومة الكل يستطيع أن يقوم بها. ورأت إسرائيل أن فى إصرار الشيخ على الوقوف أمام مخططاتهم خطرا عليهم وعائقا أمام ما يريدون تنفيذه، ولم تفلح محاولتهم لإلقاء القبض عليه أكثر من مرة إلى أن تمكنوا من ذلك بواسطة فرقة الهجانة واقتادوه إلى مقر معسكر بمنطقة كرم أبوسالم على الحدود المصرية مع غزة، ليبدأ مرحلة التحقيقات والتعذيب التى استمرت لمدة 3 أشهر متواصلة. بعد خروجه من المعتقل الإسرائيلى بدأ مرحلة جديدة من نضاله وهى قيادة حملة وعى شعبى للتصدى لكل ألاعيب إسرائيل فى منطقة جنوب الشيخ زويد والتى كانت ترى فيها إسرائيل منطقة خصبة للسطو عليها من خلال شراء الأراضى من مالكيها يعقبها تهجيرهم وبناء مستوطنات عليها وهى الأرض التى كانوا بين الحين والآخر يأتون بأهالٍ من بينهم وأطفال مدارس لزيارتها ويقولون لهم «إن هذه الأرض أرضكم أرض الآباء والأجداد وقد عدنا إليها بقوة السلاح فلا تفريط فيها». اتبع الشيخ خلف مع ذويه سياسية التشبث بالأرض من خلال قيامهم بتغيير البيوت التى يقطنوها من العشش ببيوت اسمنتية ثابتة ويلح عليهم بقوله: «لا تفريط فى الأرض لأنها العرض»، وظل هكذا حتى 2 سبتمبر 1973 فى هذا اليوم عقدت القيادات الإسرائيلية اجتماعا مع قيادات المنطقة القبلية وأخبرتهم بسرعة إخلاء منطقة الجورة وما حولها إلى ما بعد قرية الخروبة غربا إلى العوجة حفير جنوبا وإلى الحدود الدولية شرقا وإلى أبوطويلة شمالا تلك المساحة التى تقدر بحوالى 1450 كم مربعا وتقطنها خمس قبائل. وتصدى الشيخ لهذه المؤامرة بعقد لقاء مع مشايخ القبائل أخبرهم خلاله أن يثبتوا ويرفضوا المخطط، وأكد على المشايخ ألا يخبروا الأهالى بهذا الأمر، وعند علم القيادة الإسرائيلية بهذا الموقف أرسلت له الحاكم العسكرى فى وقتها «إسحاق سيجاف» الذى وصل إليه بمجلسه، وطلب منه الجلوس معه منفردا وهو ما تم رفضه، فعاد الحاكم ولكن المشاورات القبلية لم تنته حيث قرر الشيخ أن يذهب بنفسه لمقر الحكام العسكرى الإسرائيلى لسيناء ويبلغه رفض القبائل لهذا الأمر، وبالفعل ذهب لمقر القيادة بالعريش فى قوتها وقال للحاكم لن نرحل، هذه أرضنا إما أن نحيا على ظهرها أو ندفن فى باطنها. هذه المواقف أربكت الحسابات لدى صناع القرار فى إسرائيل خشية رد الفعل الشعبى والدولى من قرارات الترحيل الجماعية للأهالى فى الوقت الذى يواصل فيه الشيخ تثبيت الأهالى وحضهم على التمسك بالأرض وعدم هجرتها. فى غضون تلك الفترة جاء الفرج بنصر أكتوبر، هذا النصر عزز موقف الأهالى بالثبات والصمود، ولكنه لم يغب عن ناظر إسرائيل من يقف وراء التصدى لمخططاتهم فكان القرار باعتقال الشيخ وفى يوم 10 أكتوبر أحاطت بمجلسه قوة من الجيش الإسرائيلى واقتادوه من بين رجاله، وهو يسير معهم بخطى واثقة ويبلغ من حوله أن لا ييأسوا ويستمروا فى ثباتهم وأنهم لمنتصرون. أودع الشيخ خلف رهن الاعتقال بمقر المخابرات الإسرائيلية بالعريش فى الوقت الذى تحركت فيه قوات إسرائيلية وأخلت جانبا من القرية من ساكنيها تحت قوة السلاح. وكان وقتها يخضع لتحقيقات مكثفة، أعقبها مفاوضات معه خلالها عرض عليه من القيادات المخابراتية، أن يتم بناء قرى حديثة لهم وبها مساجد ومجالس تتناسب وطبيعتهم، ولكنه رفض كل تلك العروض مستندا إلى أن حقهم فى أرضهم لا يقبل تفاوضا وأنهم قد لا يستطيعون مقاتلة إسرائيل ولكنهم سيموتون دون أرضهم. استمر الاعتقال أكثر من 6 شهور أعقبها الإفراج عنه دون أن تنال منه الضغوط أو يتزعزع موقفة وعاد كما كان.