رحم الله العالم المصرى الكبير الدكتور أحمد مستجير الذى تمر ذكراه الآن، وقد كان شعاره الذى جسّده طوال حياته «يد تزرع ويد تقتلع الأشواك»، فلا يكفى أن تزرع أو تنتج بأعلى طاقة، لأنك بدون اقتلاع الأشواك والحشائش الضارة سوف تذبل وتسقط زراعتك. وللدكتور مستجير رحمه الله - تجربة كبرى إبان عمادته لكلية الزراعة، فقد أطلق العنان للبحث العلمى فى الهندسة الوراثة فى النبات والحيوان ليحقق للإنسان المصرى البسيط والفقير كفايته الغذائية بأقل الأسعار، لكنه اكتشف أنه مطالب بخوض حرب أخرى على أكثر من صعيد مع رموز الفساد فى الدولة المصرية، فقد أرادوا التخلص من أرض كلية الزراعة فى الجيزة، واستبدالها بأرض فى الطريق الصحراوى، وكان مبررهم أقبح من أى ذنب. فقد رأوا أن موقع كلية الزراعة وما يحيطها من مساحات شاسعة مزروعة ينبغى أن يدخل ميكنة شفط كل خيرات مصر، وتسليمها بالمفتاح لحيتان النهب العام، وحينما رفض الدكتور مستجير بإصرار قائلاً عن حق: "على جثتى"، فحاولوا عن طريق آخر أن يرشوه، فعرضوا عليه تقسيم المساحة وإعطائه قطعتين، ثمن الواحدة فيها يصل إلى 3 ملايين جنيهاً، فطرد الوسيط من مكتبه، وأصر بعدها على بناء سور حول أرض الكلية من ناحية شارع السودان، ليغلق الطريق أمام محافظ الجيزة وقتها، الذى اصطنع طريقاً مختصراً وسط مزارع الكلية، كاد يتحول إلى شارع عام، وليحافظ مستجير أيضاً على الأرض من الاعتداءات بطرق معروفة من التحايل، وكانت المفاجأة أن أجهزة المحليات واجهت بناء السور باستخدام قانون عدم البناء على الأرض الزراعية، وألقت الشرطة القبض على العمال والمهندسين المشاركين فى بناء السور، ولم ييأس الدكتور - رحمه الله - بل هدد بفضح هذه الأجهزة والإعلان عن أسرار الفساد المحلى فى كل وسائل الإعلام، فتركته المحافظة مضطرة لاستكمال بناء السور. ومما قاله لى - رحمة الله عليه - وكان رافضاً نشره أيامها، أنه طلب مبلغاً لا يزيد عن 12 مليون جنيه للإنفاق على البحث العلمى الخاص بالهندسة الوراثية فى الحيوان، بهدف استخدام الجينات الخاصة لزيادة إدرار الحليب أو تكوين اللحوم، ليعالج الأزمة الغذائية لفقراء مصر، لكن رئيس الوزراء آنذاك رفض بدعوى أن الهندسة الوراثية حرام، فاضطر لطلب المبلغ من تلميذه سلطان القاسمى أمير الشارقة، ورحب الرجل بالاقتراح، إلا أن مجلس جامعة القاهرة اجتمع وشكل لجنة كالعادة للإشراف على صرف المبلغ، وفوجئ الدكتور مستجير بأن أكثر من 60% من المبلغ سيصل إلى جيوب اللجنة، فأرسل للدكتور القاسمى راجياً منه تجميد المبلغ.. رحم الله العالم الكبير ورحم الله مصر من الفاسدين.