فى المدخل الضيق لأحد المخابز فى ضاحية إمبابة بالقاهرة التى تسكنها شرائح الدخل المحدود، تزاحم الواقفون فى الطابور وتعالت أصواتهم عند رؤية أحد عمال المخبز يأتى بطاولة الخبز المدعم، والذى صرخ فيهم معلناً أنه لن يعطى للفرد الواحد خبزاً بأكثر من جنيه واحد. أما فى الخارج، فيصطف طابور طويل من الرجال والنساء ينتظرون دورهم فى الحصول على ما تيسر من الخبز، فيما أصبح من الطقوس اليومية المعتادة، ويستهلكون الوقت فى تبادل الأحاديث. ويقول حسن سعد، وهو موظف بوزارة الثقافة وأب لأربعة أطفال يعولهم بمرتب شهرى 250 جنيهاً (40 دولاراً أمريكياً): "أذهب فى الصباح إلى عملى للتوقيع فى كشف الحضور، ثم آتى كل صباح لأخذ دورى فى طابور الخبز". أما الحكومة المصرية فقد اضطرها ارتفاع الأسعار العالمية لزيادة دعم الدقيق بواقع 85 مليون دولار، ليصبح إجمالى فاتورة دعم الدقيق 2.67 مليار دولار فى عام 2007-2008. كما اضطرت الحكومة لزيادة الدعم المخصص للطاقة والمواد الغذائية بواقع 3.7 مليار دولار فى الشهر الماضى، ليبلغ إجمالى دعم هذه البنود 14 مليار دولار، وهو ما يفوق مبلغ عجز الميزانية. ويذهب الجزء الأكبر من الزيادة فى الدعم إلى الطاقة، والجزء الأقل سوف يستخدم لتغطية تكاليف إضافة 15 مليون فرد جديد إلى بطاقات التموين. وقد أعلنت الحكومة أنها ستعيد هيكلة الدعم بسبب فاتورته الباهظة التى تمتص الموارد وتحرم منها قطاعات أخرى حيوية مثل الصحة والتعليم، حيث إن دعم الطاقة وحده يفوق الإنفاق على الصحة والتعليم والشرطة. ويقول د. على مصيلحى وزير التضامن الاجتماعى: "نحن مضطرون لإيجاد وسيلة أفضل لإدارة هذا الكم الهائل من الأموال" إلا أن السلطات تعى تماماً مخاطر اتخاذ أى تغييرات مفاجئة على الاستقرار، ولها فى أحداث عام 1977 أسوة، عندما خرجت المظاهرات الحاشدة إلى الشوارع بعد الإعلان عن رفع الأسعار. وقد علت الأصوات تتهم الحكومة بالتفكير فى تقليص الدعم المحلى والتخلى عن مسئوليتها تجاه محدودى الدخل بمجرد الإعلان، فى شهر نوفمبر، عن التفكير فى استبدال الدعم النقدى بالدعم العينى. وفى دولة يعيش خمس سكانها تحت خط الفقر، و13 مليوناً من السكان يصنفون ضمن شريحة الفقراء، فإن الملايين يعتمدون فى حياتهم على دعم الطعام، خاصة الخبز، الذى يباع الرغيف منه بأقل من 1 سنت أمريكى. إلا أن د. مصيلحى يقول إن 20% من دعم الخبز يذهب هباء. فالمخابز تبيع الدقيق المدعم فى السوق السوداء، أو توجد عمداً إنتاجاً تالفاً من الخبز حتى تبيعه كعلف للحيوان. لذلك يعمل د. مصيلحى على فصل إنتاج الخبز عن توزيعه. غير أن مثل هذه الحلول الجزئية لن تضع نهاية للمشكلة التى تستلزم إعادة النظر فى نظام الدعم بأكمله لرفع كفاءته ووصوله إلى مستحقيه، فبعض السلع المدعمة مثل الخبز وأنابيب الغاز والبنزين تذهب للأغنياء والفقراء على حد سواء، حتى إن المطاعم والفنادق الفاخرة تستخدم أنابيب الغاز المدعمة التى يبلغ سعر بيعها واحداً على عشرة من تكلفتها الفعلية. وقد جاء فى دراسة للبنك الدولى فى عام 2005 أن حصة الأسر الغنية من الدعم أكبر من حصة الفقراء، لذا فإن وزارة التضامن الاجتماعى تقوم بدراسة الفئات المستحقة للدعم لوضع آليات فاعلة لتوزيعه، إما فى شكل عينى أو نقدى أو كوبونات. هذا وسيتم إلغاء الدعم للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة تدريجياً، لترتفع بذلك أسعار الوقود. ولكن حين يتعلق الأمر بالسلع التى تمس عموم الشعب، فإن الحكومة تتوخى الحذر الشديد. ويقول د. مصيلحى: "إن آلية جديدة خاصة بالدعم يجب أن تخضع للاختبار لمعرفة مدى فعاليتها، ويضيف: "سنشهد بعض التطبيقات على أرض الواقع فى العام المالى الجديد".