يعتبر المنهج العلمى هو أقصر الطرق وأكثرها رشدًا لبلوغ الأهداف وتحقيق الغايات والوصول إلى الحقيقة، ولعل تنقية العقل العربى من شوائب عصور الانحطاط والحقب الظلامية فى تاريخنا القومى هى المبادرة الأولى التى يجب أن نسعى لطرحها فى هذه الظروف الصعبة التى نمر بها، حيث تسود فى أرجاء الأمة سحب سوداء تغلف الأجواء وتدعو إلى القلق على مستقبل المكان والإنسان وتبدو غير مسبوقة فى هذا الزمان، إذ إن هناك حالة ارتدادٍ واضحة فى القيم الأخلاقية وحالة انتهاكٍ فاضحة فى حقوق الإنسان مع عودةٍ ملحوظة إلى أسوأ فترات العصور الوسطى وأكثرها دموية، إن ذلك كله يدعونا إلى إعمال الفكر واحترام العقل والمضى فى طريق العصرنة وتحديث الرؤى والأفكار والآراء وإعطاء الجانب الشخصى فى حياتنا ما يستحقه فقط، حتى لا يطغى على الشأن العام والمصلحة العليا، لأن محاولة إلباس الدوافع الذاتية ثوب عام هى نوع من الخداع الذى لم يعد له مجال فى مستقبل حياتنا. كما أن الصوت العالى لا يعنى بالضرورة سلامة الرأى ولا حسن القصد، فالعبرة دائمًا فيمن يدرك أهمية التجرد فى المواقف التى تحتاج من كل عربى أن يرتفع إلى مستوى المسؤولية، وأن يكون مواطنًا واعيًا بما يدور حوله مدركًا قيمة ما نسعى إليه، لأننا كلما نظرنا إلى أجيالنا القادمة، فإننا ندرك على الفور عظم المسؤولية التى نتحملها أمامهم فى المستقبل. إن الدماء التى تسيل والأحزان التى تسود والمخاوف التى تسيطر هى عوامل معطلة لحركة التقدم ودورة الانتصار للعقل وإعلاء المصلحة العليا على الدوافع الشخصية والنوازع الذاتية.