نحن وبلا شك تنقصنا الإنسانية! وبالمناسبة هى ليست كلمة تحمل معان مستحدثة.. فهى الرحمة التى وصى بها أنبياء الله أجمعين.. وهى التى كتبها خالق الكون على نفسه.. وهى التى تأتى متجردة من كل لون وجنس وعمر وخلفية ثقافية. والراحمون الذين يرحمهم الله يرحمون حتى الدواب والزرع والشجر! بل إنهم يرحمون الجماد إن استطاعوا. والإنسانية هى غرس نورانى لطيف.. تهنأ بها قلوبا وأرواحا وتشقى أخرى لأنها لا تعرف لها طريقا. ورغم ما ندعيه أو يدعيه معظمنا من إنسانيات فإن نظرة سريعة لتفاعلاتنا تجاه القضايا الإنسانية والتى تطلب الرحمة والعطف كفيلة بأن تفضحنا جميعا! فنحن نملك رحمة انتقائية نضعها تحت التحكم العرقى حينا والدينى حينا آخر.. ونفعلها مع أجناس وأعمار فى مرات ومن ثم نوقفها بل لربما قتلناها عند التعامل مع أجناس أخرى. وسأفاجئك الآن ويال العجب! هذه ليست إنسانية وتلك ليست برحمة... فمنا من لا يحرك ساكنا على قتلى سوريا والعراق وكأنهم أوهام وقصص أسطورية بينما ينتفض قلبا وقالبا لمن يقتل فى مصر أو فلسطين أو السودان مثلا ! ومنا من يزأر وينادى بإنقاذ المسلمين الذين يقتلون فى بورما ويبكى بحرقة حتى يفقد وعيه من الشفقة عليهم ولكنه لا ينفعل ولو للحظة لقتل مئات المسيحيين هنا وهناك على الهوية وعلى الديانة وكأنهم ليسوا ببشر! بل ما يدعو للشفقة على حالنا أن منا من يبكى لألم طفل أو امرأة أو شيخا مسلما سنيا ولكن ذات الألم لا يحركه إذا كان لشيعى! وهذا ليس هجوما على المسلمين فيمكن لك أن تعكس كلماتى السابقة لتبدأها بالمسيحيين وتنهيها بالمسلمين أو أن تبتدأها حتى بالبوذيين وتختمها بمن يلحد ولا يؤمن بشىء. وتمتد إنسانيتنا المزيفة وتستمر فى انتقائيتها.. فنستدعيها لمن يوافقنا اللون أو الأرض أو القناعة ونطردها لمن يخالف ذلك ..ومن ثم نستعملها لكل ما تجمعنا به رابطة (وهو ليس بأمر سيئ) ولكن ما يثير الشفقة أننا ننساها لمن تفككت معه الروابط وننظر لألمه ومعاناته حينها ببلاهة وبلادة وكأننا مسوخ! راجع نفسك.. وأعد ضبط إنسانيتك والرحمة فى قلبك.. فإذا وجدتها يوما تفيض لكل ألم ومصاب لا تفرق فيه بجاهلية مقيته وإذا شعرت أنها تمتد بك إلى أن ترحم الحيوان والشجر وتحثك حثا على العطاء من أجل الرحمة.. حينها فقط اعلم أنك إنسان !