د. عمرو خالد أخلاق الرحماء نعرفها جميعاً، ونعرف معناها، ولكن للأسف أصبحت نادرة بيننا، لقد غابت هذه الأخلاق عن البشرية وصارت الأرض مفتقدة لها، العالم كله في أشد الاحتياج لهذه الأخلاق، فبغيابها انتشرت الجريمة، وصارت القنابل تدوي هنا وهناك، الملايين يقتلون في لحظة. إنها أخلاق الرحماء التي أصبح وجودها نادراً في دنيا البشر، ألست معي في ذلك..!؟ ولذلك فهذه الأخلاق ليس المطلوب معرفتها فقط، بل إجادتها وتطبيقها في الحياة؛ لأننا لو أوجدناها وطبّقناها كما ينبغي سنضمن الرحمة يوم القيامة بمشيئة الله. يقول النبي صلي الله عليه وسلم: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" رواه البخاري. أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم أن نبكي عند قراءتنا للقرآن الكريم، فإن لم نستطع البكاء فلنتباك..!! كذلك أخلاق الرحماء.. المطلوب أن نفتعلها افتعالاً، فالراحمون يرحمهم الله.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ألا تحب أن ترحم يوم القيامة..!!؟ إن الترغيب في الإتصاف بأخلاق الرحماء لم يعد هدفاً، بل إن الهدف الأساسي أن تستشعر مدي أهمية هذه الأخلاق.. إنها أخلاق النجاة يوم القيامة، ولا بد أن تعرف الآن إن كنت سترحم يوم القيامة أم لا! وقبل هذا السؤال سل نفسك هل ترحم الناس؟ إنها علاقة قوية بين معاملتك للناس في الدنيا، ورحمتك يوم القيامة، فمن عامل الناس بالرحمة في الدنيا، فماذا ينتظر يوم القيامة؟ والآن هل يا تري عرفت من المستحق لرحمة الله يوم القيامة!؟ شعارنا في هذا المقال: الرحماء يرحمهم الرحمن قال صلي الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه أبو داود، والأصل في المؤمنين أنهم رحماء فيما بينهم، كما وصفهم الله بذلك، حين قال: »محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم« (الفتح). عن الحسن أن رسول الله صلي اللَّه عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة إلا رحيم قالوا: يا رسول اللَّه كلنا رحيم قال ليس رحمة أحدكم نفسه خاصة ولكن حتي يرحم الناس عامة ولا يرحمهم إلا اللَّه تعالي". الرحمة يمنينا بها الله في كل صلاة وفي كل قراءة قرآن وفي كل قراءة لسورة الفاتحة في كل لحظة في كل حركة في كل سكنة طوال اليوم أنت تستمطر رحمة الله.. تريد أن تغمرك رحمة الله.. تريد أن تستظل بهذه الرحمة. نفذ خلق اليوم وهو خلق الشفقة بالأهل. الشفقة بالأهل.. ليست برا فقط لا هذا المعني سلبي كما يفهمها البعض إن هناك رجلا محتاجا لشفقة أو حنان فقط ولا بر بمعني حقي وحقك ولكن معني الشفقة أوسع من كل ذلك. الشفقة في اللغة هي حب مغلف بخوف علي من تحب بمعني: حب + خوف عليه = شفقة. ونبينا صلي الله عليه وسلم، له النصيب الأوفر من هذا الخلق العظيم، ويظهر ذلك واضحاً جلياً في مواقفه مع الجميع، من صغير، أو كبير، ومن قريب، أو بعيد، فكان يحمل تلك الرحمة والشفقة لولده، ابتداء من ولادته إلي وفاته، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دعا النبي صلي الله عليه وسلم بالصبي، فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول، قال أنس: لقد رأيته وهو يكيد بنفسه - أي يجود بها في النزع الأخير للموت- بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فدمعت عينا رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون) رواه مسلم. وكان صلي الله عليه وسلم، يحمل الرحمة والشفقة لأحفاده، ففي الصحيحين أنه (كان يصلي، وهو حامل أمامه بنت زينب بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها). ولما أرسلت إليه إحدي بناته صلي الله عليه وسلم، عند وفاة صبي لها، ودفعت به إليه، وهو يلفظ أنفاسه، وضعه الرسول صلي الله عليه وسلم في حجره، وأشفق عليه، (ففاضت عيناه، فقال له سعد: يا رسول الله ما هذا؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) رواه البخاري. ومن مظاهر شفقته ورحمته صلي الله عليه وسلم، أنه كان يخفف في صلاته ولا يطيلها عند سماع بكاء صبي، فعن أبي قتادة عن النبي صلي الله عليه وسلم، قال: (إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، كراهية أن أشق علي أمه) رواه البخاري. ومن مظاهر رحمته وشفقته كذلك، أنه يحمل الأطفال، ويصبر عليهم، ويتحمل الأذي الناتج عنهم، ويعلم الأمة دروساً عظيمة في هذا الجانب المهم، فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: (أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم بصبي، فبال علي ثوبه ، فدعا بماء، فأتبعه إياه) رواه البخاري. وقد عرف الصحابة الكرام هذا الخلق من النبي صلي الله عليه وسلم، ولمسوه، وأحسوا به في تعاملهم معه، فعن مالك بن الحويرث قال: (أتيت النبي صلي الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا، فلما رأي شوقنا إلي أهالينا، قال: ارجعوا، فكونوا فيهم، وعلموهم، وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم) رواه البخاري. هذه بعض شمائله صلي الله عليه وسلم العظيمة، وخلقه الكريمة، وصفاته الجليلة، والتي ينبغي علي أتباعه الاقتداء به فيها، والسير علي طريقه، والتخلق بأخلاقه. وسورة الطور جسدت هذه الشفقة وأثرها في رحمة الله والفوز بالجنة.. حيث عرضت السورة كل أنواع النعيم في الجنة ثم فجأه قالت في نهاية وصف الجنة بعدما دخلوها.. (فأقبل بعضهم علي بعض يتساءلون) ما الذي أدخلنا الجنة؟ (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ) الشفقة بالأهل طريقك إلي الجنة.