هل تقوم ثورة علمية فى العالم العربى؟

الثورة العلمية التى يراد قيامها العالم العربى تتجاوز وتتعدى كل هذه الظواهر المتمثلة فى الممارسات والإجراءات المتعلقة بدراسة وتدريس العلم بل وأيضًا القيام ببحوث وتجارب علمية فى المعامل والمختبرات واستخدام أحدث الأجهزة وأكثرها تقدمًا وتعقيدًا على الرغم من أهمية هذه العناصر وعدم إمكان الاستغناء عنها, لقيام مجتمع علمى تسود فيه ثقافة علمية حديثة ومتطورة.
إنما تقتضى الثورة العلمية حدوث انقلاب شامل وتغيير جذرى فى أساليب التفكير وأنماط الحياة وانسياق القيم وطرائق التعامل مع وقائع الحياة, بحيث تتوارى الخرافات والأوهام التى تملأ عقول الناس وتوجه سلوكهم اليومى وتقدم لهم تفسيرات جاهزة وخاطئة لكثير من الأمور, التى تحتاج إلى التفكير العقلانى العميق, الذى يستند إلى أدلة وشواهد محسوسة أو مقبولة عقلًا. وبقبول آخر, فإن الثورة العلمية لن تتحقق على الوجه الأكمل إلا حين يصبح التفكير العلمى "ثقافة" سائدة فى المجتمع العربى بكل فئاته وقطاعاته.
ولكى يصبح العلم والتفكير العلمى ثقافة, فإن الأمر يتطلب تغيير مفاهيم وأساليب التنشئة الاجتماعية منذ المراحل المبكرة فى حياة الإنسان(الطفل) العربى, بما فى ذلك نوع القصص والحكايات و(الحواديت) التى تسر له فى سنين حياته الأولى, التى تمتلئ فى معظم الأحيان بأحداث العفاريت والجن والسحر وغير ذلك من الأوهام والتخيلات عن عالم وهمى, ينشأ الطفل على الإيمان بوجوده وبالدور الذى يلعبه سكان ذلك العالم فى حياة البشر.
وليس ثمة شك فى أن هذه الأفكار التى تغرس فى تلك السن المبكرة تلازمه طيلة حياته ويصعب انتزاعها من عقله ومخيلته فيما بعد، فتجد بعض أساتذة الجامعات- ومنهم المتخصصون فى فروع مختلفة من العلوم الطبيعية- بتحضير الأرواح، يحدث ذلك فى عالمنا العربى, فى الوقت الذى تعنى فيه المجتمعات الغربية بتعريف أطفالها بقصص الخيال العلمى الراقى, الذى يقص عليهم فى أسلوب بسيط ومشوق كثيرًا.
وقد يحتاج الأمر إلى إعادة النظر فى السياسة الإعلامية حول البرامج العلمية وتقنية هذه البرامج مما يداخلها من آراء وأوهام وخرافات, بل قد يحتاج الأمر إلى إصدار مجلات عامة عن الثقافة العلمية، ولكن فى كل الأحوال يجب توجيه العناية بتربية عقل الطفل تربية علمية تحترم التفكير المنطقى, وترفض كل ما يتعارض مع ما لا يمكن إثباته بالدليل القاطع والبرهنة عليه.