من المبادئ التى استقر عليها الفقه، أنه إذا صدر الحكم القضائى بجلسة علنية وعلم به الكافة لا يجوز بأى حال من الأحوال التعرض له أو تجريحه أو التعليق عليه إلا من خلال القنوات القضائية الأعلى إعمالًا لمبدأ التقاضى على درجات المطبق فى معظم دول العالم ومنها الدول العربية. إلا أنه تلاحظ فى الآونة الأخيرة أن الأحكام القضائية التى تصدر من المحاكم المصرية يعترض عليها القاصى والدانى، وممن هو يعلم وممن هو أجهل من الدابة ويعزونها إلى أمور سياسية وهم لا يعلمون أن القضية بمثابة حالة مرضية فلا يعقل أن يشخص الطبيب الداء ثم يصف الدواء وهو لم يقم بفحص المريض سريريًا هكذا تكون القضية فهى مستندات وأدلة وتحريات يطالعها القاضى مليًا ويفحصها ويربط بينها وبين الاعتراف أو الإنكار ربطًا منطقيًا، ويعلم أن هناك رقابة لاحقة من محاكم أعلى على حكمه وهناك تفتيش قضائى دورى يعطيه الصلاحية أو يفقدها إياه والأهم من هذا وذاك هو ضمير القاضى الذى يراقبه المولى عز وجل، لأن العدل صفة من صفات الله وجزء من هذه الصفة منحها لبعض من البشر ليقيموا العدل فى الأرض ومن ثم فلا يجوز لمن لم يقرأ أو يطالع أو يبحث أوراق القضية ثم يجلس فى بيته أو مكتبه يشاهد التلفاز، وحينما يصدر حكمًا يبدى اعتراضاته ويفند أدلة من وحى خياله على حكم صدر من قاضٍ محص ودرس ثم استخار الله فحكم. وهذا ما رأيناه فى القضية المعروفة إعلاميًا باسم "خلية الماريوت"، والتى تراوحت أحكامها بالسجن المشدد من سبع إلى عشر سنوات لاتهام النيابة العامة الأعضاء الخلية بأنهم نشروا أكاذيب أضرت بأمن البلاد وسلموا مصريين آخرين معدات وأمدوهم بأموال ليساعدوهم وقاموا باستخدام معدات بث دون تصريح وأنهم دخلوا الأراضى المصرية عبر تأشيرات سياحية ونزلوا بفندق الماريوت ثم أقاموا شبكتين من داخل الفندق للبث الإعلامى وعقب صدور الحكم قامت الدنيا ولم تقعد ما بين شجب المنظمات الحقوقية واعتراض رئيس وزراء بريطانيا ورئيس وزراء استراليا وهولندا وأمريكا وتباكت الصحافة البريطانية والأمريكية على الحريات بمصر، علمًا بأن القضية لا علاقة لها بحرية الصحافة والعجيب أن المعترضين هم فى الأساس يتشدقون بأنهم رعاة الديمقراطية فى العالم وأن دساتيرهم نموذجًا حيًا لمبدأ الفصل بين السلطات ولا تبغ إحداهم على الأخرى ويطالبوننا أن نسير على ركبهم الحضارى المتقدم ومع ذلك ينسون فى لحظة ما يدعوننا إليه حينما يدركون أن مخططاتهم تم فضحها وأن مؤامراتهم وأدت فى مهدها فيطلبون من السلطة التنفيذية أن تتدخل لوقف الأحكام القضائية ولو حدث ذلك عندهم لكان ذلك بمثابة ردة وانتكاسة لما يزعمونها ديمقراطية. وحسنًا فعل السيد رئيس الجمهورية حينما أعلن أنه لن يتدخل فى الأحكام القضائية لأن القضاء المصرى قضاءً شامخًا وأن أحكامه واجبة الاحترام وبالتالى قطع الرئيس الطريق على كل من يتطاول أو يتناول حكمًا قضائيًا بالقدح سواء فى الداخل أو الخارج وأن مجال الطعن على الأحكام محدد ومعروف ومن خلال درجات التقاضى لا من خلال الفوضى والغوغائية مهما كان مكانة ذلك المعترض أشخاصًا أو منظمات يتاجرون بحقوق الإنسان ثم يكيلون بمكاييل البخس والخسران.