ثورة 25 يناير كان مطلبها الرئيسى التغيير، فقد أسنت وركدت الأفكار والأفعال، وسيطر العواجيز مغلقو التفكير، وانتشى الحكام بأنهم وحدهم يستطيعون أن يقرروا بدون الجماهير والناس فكانت انتخابات 2010 المزورة، وضاقت الثروة والسلطة على قلة محدودة وظفت إمكانات الدولة لمصالحها الشخصية والذاتية، وحين تكون السياسة عنوانا للمنافع الخاصة، وتكون الدولة مجرد واجهة لاستخدام شرعيتها لمصلحة قلة محدودة فنحن أمام خطر كبير. الشباب والناس الذين التفوا حولهم فى يناير بالملايين كانوا يريدون التغيير بمعنى مشاركة أوسع لقطاعات أوسع من المهمشين والمحرومين والمستبعدين ليكون النظام السياسى أكثر عدلاً وأكثر حرية وأكثر انفتاحاً واحتراماً للإنسان وأكثر فهما للعصر والعالم، ورغم أن القوى الأكثر تنظيما ومحافظة وأقل ثورية وفهما لدوافع الشباب ومطالبهم هى التى ركبت الثورة ووجهتها بعيدا عن أهدافها، فإن مطلب التغيير بالمعنى الذى طرحته جماهير 25 يناير لا يزال هدفا مطلوبا لمصر وضروريا لكى تبقى وتعيش وتقوى. كانت موجة 30 يونيو كموجة ثورية تطالب بالتغيير أيضا، فقد كانت تريد أن تؤكد أن مصر لكل أبنائها، وأنه لا يجوز أن يستحوذ فصيل وحده على الدولة ليغير هويتها وروحها القائمة على التنوع والتعدد والتسامح، وقبول الآخرين، ومن ثم عدم الانخراط فى حملات للكراهية والتقسيم والتصنيف للمصريين الذين هم أكثر شعوب العالم انسجاما فى النسيج الاجتماعى، فهناك شعب واحد يذهب للصلاة فى المسجد يوم الجمعة وفى الكنيسة يوم الأحد. مصر أغلبيتها الديموجرافية من الشباب، وهؤلاء الشباب على تواصل مع متطلبات العصر عبر شيوع وسائل التواصل الاجتماعى التى تتيح نقاشا واسعا خارج السيطرة الرسمية، وتبنى إعلامها الخاص ورؤيتها الذاتية، ومن هنا فإن أفكار محاولة وقف التواصل الاجتماعى لقطاعات الشباب عبر القبضة الإلكترونية لوزارة الداخلية لن تكون مجدية، نحن فى عصر، الشعوب هى التى لها الكلمة الأولى فى تقرير مصائر أمتها، ولن تستطيع الدولة مهما حاولت بسط سيطرتها عبر القوانين أن تحتكر العنف المشروع دون توافق مجتمعى وتراضى عام وإدراك بالحقائق الجديدة التى تمر بها مصر والمنطقة والعالم، إدراك أن الشعب والشباب والحالمين والمهمشين يريدون أن يكون لهم نصيب فى ثروة بلادهم وسلطتها لكى يشعروا تجاهها بالولاء ويمنحوا نظامها الشرعية، فبدون توزيع واسع للثروة والسلطة بين كل أبنائها ستواجه الدولة مأزق الشرعية، كما ستواجه مأزق الهوية والانتماء، ومن هنا ضرورة التغيير بتوسيع المشاركة المجتمعية والسياسية للشباب والمرأة والمسيحيين وذوى الحاجات الخاصة، ولكن ليس بمنحهم نسبا أو كوتة على القوائم، وإنما بمنحهم فرصة لمشاركة أوسع فى الحياة السياسية عبر الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى والأهلى. مصر بحاجة إلى الديمقراطية التى تعنى مشاركة أوسع للجماهير والشعب، وأن تكون الدولة خادمة لمجتمعها وليست سيدة فوقه، وأن تكون قوانينها مع تطوير نظامها السياسى ليستوعب ولا يستبعد، كما أن الديمقراطية تعنى أحزابا سياسية فبدون أحزاب سياسية لا توجد ديمقراطية. مصر بحاجة إلى إعلام مهنى يوقف ظاهرة الناشط الإعلامى الذى يعتبر نفسه جزءًا من موقف سياسى تعبوى يتجه بعقول الجماهير نحو موقف سياسى معين بينما يصم المواقف الأخرى بكل الآثام، الإعلام يعبر عن كل الاتجاهات السياسية فى المجتمع، ولا يحقر الاتجاهات التى يختلف معها، كما أنه جزء من الظاهرة الديمقراطية التى نسعى إليها التى تعنى حق الجماهير فى أن تعرف وتعلم بحياد ومهنية وأن تقرر هى ما تريد لا ما يريده لها الإعلام الذى يحتاج للتغيير.