فى برنامجه الشهير وقع الأستاذ (إبراهيم حجازى) المتألق والمتجدد دائماً تحت وطأه الانبهار الشديد بالطفل العبقرى (عمر) ذى الثلاثة عشر عاماً والذى أصبح قاب قوسين أو أدنى من إتمام دراسته فى كل من الجامعة الأمريكية التى احتضنته وكلية العلوم بعد هضمه لكل ما وقعت عليه يده من دارسات خاصة بالرياضيات وتكنولوجيا المعلومات فى مرحلة مبكرة للغاية.. بينما أصرت وزارة التعليم على اعتباره طالباً فى الصف الثانى الإعدادى (طبقا لقانون الوزارة)، كى يلهو ويعبث مع أقرانه أثناء الفسح والطابور حتى لا يحمل نفسه ما لا يطيق، فيحمل الدنيا فوق رأسه!! ويكبر بدرى!! أساتذته الجامعيون قالوا عنه إنه مشروع عالم فذ وإنه وخلال ثلاث سنوات قد يكون مؤهلا لوضع نظريات قد تغير كثيراً فى أسس الرياضيات الحديثة وما يتبعها من علوم!! انبهر الأستاذ إبراهيم بلباقة الطفل (طبقاً لقانون السن) وطريقته فى الاتصال والتحاور والتواصل والتحليل والترتيب الذهنى مع الثقة المشبوبة بتواضع وإن لم تخل من عينية البريئتين لمحة حزن ومسحة تشاؤم وقلق من المستقبل القريب، وضغطت عجلة الزمن المتسارعه وقت البرنامج دون أن تعطى الأستاذ فرصة كى يضع يده على الأسباب الحقيقية لتأخر البحث العلمى لدينا. واقترح مع ضيوفه عمل مراكز للرعاية واكتشاف الموهوبين والعباقرة من أبنائنا فى مصر... وذلك مبدئياً ولو بمليون جنيه وهو مبلغ يقل كثيراً عما يتقاضاه كابتن(وزة) أ والفنانة (مزة) أو حتى الراقصة (هزة)!!! وباستعراض الجذور الحقيقية للمشكلة البحثية فى مصر فإنه لا يمكن أبداً اختصارها فى عدم استكشاف للعقول الخصبة والمواهب الدفينة!! حيث إن مصر ثرية دائماً بنماذج العبقرية، فالتنقيب عن العباقرة فى مصر أسهل كثيراً من التنقيب عن قطعة أثرية فى قرية (القرنة) بالأقصر!! والخامة الفكرية للعلماء والعباقرة متوفرة بغزارة... ولكن السؤال الآن هو كيف يتم صهرها فى مرجل الاحترافية البحثية لترتقى للتنافس مع دول العالم المتقدم (بنظام المساومة البحثية) فتدخل معها فى طريق تبادل الأبحاث السرية الشائع بين جموع العالم المتقدم، بينما تحرم منه الدول النامية الفقيرة (بنظام اعرض بضاعتك)!! المشكلة ليست فى الاستكشاف ولكن فى تهيئة مناخ البحث العلمى الحقيقى فمصر بها مليون (عمر) ولكن ليس بها (زويل) واحد!! لأن التربة البحثية المصرية لم تعد صالحة لإنبات عبقرية (زويل)!! ولم تحنُ على (يعقوب) عندما كان طالباً بجامعة أسيوط ولكنها استقبلته أستاذا زائراً!! لأن ترس البحث العلمى قد أصابه الصدأ وأصبح يتحرك ببطء أيها السادة!!! لأن الجانب البحثى لدينا تحول إلى عمل وظيفى وليس توظيفيا!!.. لأن مناهجنا الدراسية أصبحت من قبيل الحفظ والتلقين وليست للفكر والتحليل!!.. لأن رسائل الماجستير والدكتورة أصبحت نسخاً لرسائل وأبحاث خارجية حديثة النشر عن طريق الإنترنت دون أى ملمح ابتكارى بل بطريقة النسخ وتغيير العناوين!!... لأن الدرجة العلمية أصبح الحصول عليها يتم من طريق آخر غير الجد والتعب!! من قبيل الوساطة والمحسوبية والهدايا أو أى أشياء أخرى!!.. لأن البحث عن القدوة العلمية داخل مصر صار كالبحث عن (الرخ والعنقاء والخل الوفى)!!.. لأن إعلامنا ما زال يصور العالم والمفكر على أنه إنسان معقد ومشوه فكرياً ومريض عقلى و(عبيط) يتعامل مع المفرقعات فى منزله ويصنع الفنكوش!!! بينما تنحنى الأعناق لنجوم الفن، وبينما سيطر أصحاب الكورة على كل شىء حتى الإعلام، فاللاعب بعد الاعتزال يتحول إلى إعلامى يحمل قضايا الوطن!!!.. لأننا نبخل فى الإنفاق على البحث العلمى ولو بثقافة استثمارية بينما نجد (كرماً حاتمياً) فى صناعة الكليبات والأفلام السبكية!! لأننا أيها السادة نصدر العقول ونستورد اللحوم!!! ولا إيه يا أستاذ إبراهيم؟؟!