شركة رايثيون الأمريكية تفوز بتوريد أنظمة باتريوت بقيمة 1.7 مليار دولار لإسبانيا    مودرن سبورت يعلن فسخ التعاقد مع مجدي عبد العاطي    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارة ملاكي وربع نقل بقنا    حسام الحداد يُعيد فتح التساؤل في «هكذا تكلم فرج فودة».. حين يصبح الفكر قدرًا    أوضاع العالم في 2025.. توترات أوكرانيا، الملف الأميركي‐الروسي، والأزمات في غزة    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجربة إطلاق صاروخ "سطح-جو" بعيد المدى    بعد تصريح مدبولي: "لا أعباء جديدة حتى نهاية برنامج صندوق النقد الدولي".. كيف طمأنت الحكومة المواطنين؟    أمم إفريقيا، ترتيب المجموعة السادسة بعد ختام الجولة الأولى    أمم إفريقيا - أبو زهرة: مصطفى وحمدي يشاركان في المران.. والشناوي حقق بطولات أكثر من دول    العودة من جديد.. اتحاد طنجة يعلن ضم عبد الحميد معالي    حل اتحاد السباحة بسبب وفاة اللاعب يوسف محمد وتعين لجنة موقتة    اليوم، البنك المركزي يحدد أسعار الفائدة الجديدة    محافظ الدقهلية ونائبه يطمئنان على حالة المصابين بحادث العقار المنهار اجزاء منه بسبب انفجار غاز    لم يرحم إعاقته، القبض على مدرس لغة عربية هتك عرض تلميذ في الهرم    براءة المدعي عليه لانتفاء أركان الجريمة.. حيثيات رفض دعوى عفاف شعيب ضد محمد سامي    كارم محمود: لم أجد صحفيا مهنيا تورط يوما في انتهاكات أثناء تغطية العزاءات    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قريتي اللبن الشرقية ومادما جنوب نابلس    التعليم وتغير قيم الإنجاب لدى المرأة.. رسالة دكتوراه بآداب السويس    مجلس الوزراء: برنامج مصر مع صندوق النقد ينتهي في ديسمبر 2026.. ولا أعباء إضافية    قفزة تاريخية في أسعار الذهب بمصر اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    رئيس الوزراء: العاصمة الإدارية الجديدة تسجل أعلى معدل إشغال مقارنة بالمدن الجديدة السابقة    بالأسماء، أحكام الإدارية العليا في 49 طعنا على نتائج ال 30 دائرة الملغاة بانتخابات النواب    ترتيب أمم إفريقيا - رباعي عربي في الصدارة عقب الجولة الأولى    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: انتهاء برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي بعد عام    كيم جونج أون يشرف على اختبار صاروخ بعيد المدى وبناء غواصة نووية    فوز نصري عصفورة المدعوم من ترامب برئاسة هندوراس بعد تأخير إعلان النتائج    بسبب انفجار أنبوبة بوتاجاز.. انهيار جزئي بعقار سكني بحي شرق المنصورة| صور    لم تحدث منذ 70 عاما، محمد علي خير يكشف "قنبلة مدبولي" للمصريين في 2026    ربة منزل تُنهي حياة طليقها داخل محل عمله بشبرا الخيمة.. التفاصيل الكاملة    خبير مروري لتليفزيون اليوم السابع: تغليظ عقوبات المرور يعالج سلوكيات خطرة    الكرملين يؤكد تمسكه بالمفاوضات السرية لحل النزاع الأوكراني    رابطة العالم الإسلامي تدين الهجوم الذى استهدف أفرادًا من الشرطة الباكستانية    وزير الثقافة: الفنون الشعبية أداة لترسيخ الهوية الثقافية.. والتحطيب تراث إنساني يجسد قيم الشجاعة والاحترام    صاحب فيديو صناديق الاقتراع المفتوحة بعد خسارته: لم أستغل التريند وسأكرر التجربة    العالمي فيديريكو مارتيلو: الموسيقى توحد الشعوب ومصر وطني الثاني    صفاء أبو السعود: 22 دولة شاركت في حملة مانحي الأمل ومصر تلعب دور عظيم    سكرتير بني سويف يتابع أعمال تطوير مسجد السيدة حورية للحفاظ على هويته التاريخية    تحت عنوان: ديسمبر الحزين 2025.. الوسط الفني يتشح بسواد الفقدان    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    الوطنية للانتخابات: انتهاء اليوم الأول للإعادة ب19 دائرة في الخارج    محافظ القليوبية: انتهاء توريد الأجهزة الطبية لمستشفى طوخ المركزي    وسرحوهن سراحا جميلا.. صور مضيئة للتعامل مع النساء في ضوء الإسلام    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. تنظيم اليوم السنوي الأول لقسم الباطنة العامة بطب عين شمس    رئيس جامعة الأزهر: لدينا 107 كليات بجميع المحافظات و30 ألف طالب وافد من 120 دولة    رئيس جامعة المنصورة ونائب وزير الصحة يوقِّعان بروتوكولًا لتعزيز التطوير والابتكار    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    190 عامًا من التشريع لرعاية الأطفال.. كيف تصدرت مصر حماية الطفولة عالميا؟    قرار جمهوري بتجديد ندب قضاة للجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية    «الصحة» تعلن تقديم أكثر من 1.4 مليون خدمة طبية بمحافظة البحر الأحمر خلال 11 شهرًا    محافظ الجيزة يتابع الاستعدادات النهائية لإطلاق القافلة الطبية المجانية إلى الواحات البحرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    مواجهة النار.. كوت ديفوار تصطدم بموزمبيق في مباراة حاسمة بأمم إفريقيا 2025    الأسود غير المروضة تواجه الفهود.. مباراة قوية بين الكاميرون والجابون في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارثة.. «اليوم السابع» تكشف: بكتيريا خطيرة بغرف العناية المركزة.. «الأسينتو باكتر» أشرس أنواع العدوى تنتقل عبر أجهزة التنفس الصناعى والقساطر.. و«الصحة»: لا نستطيع القضاء إلا على 40% من الجراثيم

◄◄«الأسينتو باكتر» أشرس أنواع العدوى ب«غرف الإنعاش» تنتقل عبر أجهزة التنفس الصناعى والقساطر
◄◄«الصحة» تعترف: لا نستطيع القضاء إلا على %40 من البكتيريا والجراثيم ولا نملك السيطرة على سلوك الأطباء
◄◄54 حالة إصابة العام الماضى.. ومسؤول بوزارة الصحة يجهلها ويؤكد: لم نعد تقارير مفصلة عنها من قبل
◄◄مديرو وحدات مكافحة العدوى يتهمون الطاقم الطبى بالتقصير رغم توفير المستلزمات.. والأطباء يتهمون الوزارة ب«النصب»
◄◄المضادات الحيوية غير متوفرة بالمستشفيات ووفاة %90 من المصابين بالبكتيريا بمجرد دخولها الدم
◄◄التحاليل تؤكد وفاة مريض ب«قصر العينى» بعد 3 أيام من التنفس الصناعى.. و«مكافحة العدوى»: لم يحدث
◄◄10 أطباء بالإدارة المركزية لمكافحة العدوى يشرفون على 650 من المستشفيات العامة
◄◄الأطباء يستغيثون: نتعرض لمخاطر الموت يومياً ومقابل بدل العدوى 19 جنيهاً لا غير شهرياً
◄◄ ممرات المنشآت العلاجية تعج بمختلف أنواع القاذروات ورائحة الرطوبة تملأ الأرجاء
◄◄ د. إيمان البحيرى: التأخر فى الوصول إلى التشخيص الصحيح للحالات المصابة بالعدوى يؤدى إلى وفاة العشرات سنوياً
◄◄4.9% من الميزانية فقط هى معدل الإنفاق على الخدمات الصحية فى مصر وهى أقل الدول إنفاقًا على الصحة، رغم أن المعدل الدولى الذى تم إقراره فى قمة الألفية بالأمم المتحدة هو %15، الذى أقرته قمة «أبوجا» التى وقعت عليها مصر عام 2001.
◄◄7000 سرير هو عدد أسرّة العناية المركزة فى مصر كلها، ويقل عدد المرضى الداخلين لغرف العناية المركزة فى المستشفيات الحكومية تدريجياً، من 2009 حيث دخلها 70.642 مريضا بينما فى 2011 دخلها 57.529.
◄◄90% من مستشفيات وزارة الصحة ناقلة للعدوى طبقا لتصريحات وزارة الصحة و%75 غير مطابق لمواصفات البناء. وهذا الاعتراف يلقى بظلال كثيفة من الخوف على مصير الذين تضطرهم ظروفهم إلى دخول مستشفيات الدولة
«أن يمكث فيها أحد أقربائك أو أصدقائك فترة طويلة، فأنت بذلك تزفه إلى الموت بيدك».. «من يدخل فيها مفقود ومن يخرج منها مولود».. عبارات قصيرة تصف الصورة القابعة فى ذهن كثير من المواطنين ممن قُدر لهم إسعاف أحد أفراد عائلاتهم فى وحدات العناية المركزة فى مستشفيات مصر المختلفة، فكانت النتيجة أنهم لفظوا أنفاسهم الأخيرة على أسرّتها، وغالبا لأسباب بعيدة عن إصابتهم الحقيقية، مثلما حدث فى شهر يناير الماضى مع الفتى محمد ياسر ربيع ابن الستة عشر عاما، والذى مكث بوحدة الرعاية «6» فى مستشفى قصر العينى القديم نتيجة نزف فى المخ، وانتهى به الحال للوفاة، بسبب التهاب رئوى حاد بعد إصابته ببكتيريا «الأسنيتو باكتر» ليكون بذلك رقما جديدا يضاف إلى قائمة تضم 54 مصابا بهذه البكتيريا وفقا للبحث الذى أصدرته الجمعية الدولية للأمراض المعدية العام الماضى.
فى هذا التحقيق الاستقصائى، الذى دام شهرا، تشخّص «اليوم السابع» الأسباب التى تقف وراء الإصابة ببكتيريا «الأسنيتو باكتر»، أحد أنواع العدوى التنفسية التى يصفها الأطباء ب«الأشرس» على الإطلاق، نظرا لمقاومتها للمضادات الحيوية ولما تسببه من أمراض مثل الالتهاب الرئوى الحاد والتسمم فى الدم، وتنتشر هذه البكتيريا داخل وحدات العناية المركزة فى المستشفيات العامة والجامعية وتتنوع أسباب انتشارها ما بين غياب المساءلة وضعف القوانين المتصلة بإهمال الأطقم الطبية، وعدم اتباعها للإرشادات الوقائية والاشتراطات الأساسية لطرق مكافحة العدوى، وتوصل التحقيق أيضا إلى نقص المستلزمات الواجب توافرها واكتفاء فريق مكافحة العدوى بلفت انتباه إدارات المستشفيات حول المخالفات الموجودة، وعادة لا يتم الأخذ بها وتفاديها.
لذا كان طبيعيا صدور تقرير عن وزارة الصحة أواخر عام 2009 تؤكد فيه أن %80 من غرف العناية المركزة ناقلة للعدوى وغير مطابقة للمواصفات العالمية، ورغم مرور خمس سنوات فإن الوضع لم يتغير كثيرا الآن.
وتم رصد طرق الإهمال من خلال اختيار نموذج عشوائى لأربعة مستشفيات عامة وجامعية، بالإضافة إلى الوحدة التى توفى فيها الفتى لمعرفة ما تغير فيها بعد إصابته بالبكتيريا، بعد اختراق غرف العناية المركزة فى الموعد المحدد لزيارة أهالى المرضى ومقارنة ما يحدث على أرض الواقع بما نص عليه دليل وزارة الصحة لسنة 2003 بشأن مكافحة العدوى والاشتراطات الواجب تطبيقها داخل غرف العناية المركزة تحديدا والتى تبدأ من توفير أحواض الغسيل والمطهرات واستخدامها قبل دخول الوحدة انتهاء بارتداء الملابس الواقية من قفازات وماسكات.
قصة محمد
«ورقة صغيرة تطايرت من مذكرات (محمد ياسر ربيع) المدرسية، أثناء وقوفه برفقة زملائه على حافة رصيف مترو الأنفاق تزامنا مع قدومه، حاول الإمساك بها فكانت النتيجة ارتطام رأسه وسقوطه، فسارع أصدقاؤه والمارة لإنقاذه»، بهذه الكلمات بدأ المهندس ياسر ربيع قصة إصابة نجله الوحيد وبداية رحلة علاجه فى يناير الماضى، ويضيف: بعد ساعتين فقط تمكن الأطباء من إجراء الإسعافات الأولية له فى معهد ناصر، ولكنهم نصحوا والده بضرورة إبقائه فى وحدة عناية مركزة خارجية، نظرا لتكدس المرضى فى وحدات المعهد، حاول الأب توفير السرير المطلوب فى مستشفى قصر العينى القديم، ونجح فى ذلك، وبالفعل مكث فى وحدته 12 يوما بدأت بتحسن حالته وتأكيد الأطباء على عدم الحاجة للتدخل الجراحى.
ويتابع الوالد: بعد ذلك ساءت حالته سريعا وتحول العلاج الذى كان يتناوله لتهدئة التشنجات، إلى مجموعة مضادات حيوية بسبب مشاكل فى الصدر لم تسهم العقاقير الأخيرة فى علاجها، حتى أكد الطبيب المعالج له على ضرورة إجراء تحليل لعينة من بصاقه، التحليل بمعمل آخر- فى مستشفى قصر العينى الفرنساوى- أظهر إصابة الطفل بالتهاب رئوى حاد نتيجة انتقال بكتيريا «الأسنيتو باكتر» إليه بعد وضعه على جهاز التنفس الصناعى.
إطار
تعيش بكتيريا «الأسنيتو باكتر» وهى من النوع الساكن غير المتحرك فى التربة والمياه وفوق جلد الأفراد الأصحاء الذين يقدمون الخدمات الطبية، وتسبب أمراضا مختلفة بمجرد دخولها جسم الإنسان تتراوح بين التهاب الرئة الحاد أو التسمم فى الدم، وتزداد نسبة الإصابة بها لدى المرضى ضعيفى الجهاز المناعى وأمراض الرئة المزمنة ومرضى السكرى، أما أعلى نسبة للإصابة فهى للمرضى الماكثين فى غرف العناية المركزة، وتحديدا على جهاز التنفس الصناعى، هكذا تحدثت الدكتورة إيمان البحيرى، أستاذ الباثولوجى واستشارى مكافحة العدوى عن طبيعة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، لافتة إلى أن طرق انتقال البكتيريا تتمثل فى التلامس من شخص لآخر أو عن طريق التلامس مع سطح ملوث، وتعرض الجروح للبيئة الخارجية، مشيرة إلى أنها تنتقل إلى المريض إما بسبب عدم الفصل الكامل داخل غرف العناية المركزة، وإما من البيئة المحيطة للمريض، أو عن طريق التعرض المباشر للأدوات الطبية غير المطهرة بالشكل الصحيح، ووفقا لآخر الإحصائيات الصادرة عن المركز الأمريكى لمكافحة العدوى والوقاية من الأمراض CDC فإن واحدا من بين كل عشرين مريضا يصاب بعدوى المستشفيات، نتيجة سلوك أعضاء هيئات التمريض ومقدمى الخدمة الصحية، وأقنعة الوجه وأغطية الفراش، كما تشير الإحصائيات ذاتها إلى أن وجود بكتيريا «الأسنيتو باكتر» فى الدم أثناء عدوى المستشفيات يرجع بنسبة %71 إلى عدوى الجهاز التنفسى، وبنسبة %19 إلى عدوى الجهاز الهضمى، و%8 إلى استخدام القساطر الوريدية، بينما ال%2 الباقية ترجع لأسباب مختلفة.
54 مصاباً فى 2013
الغريب فى الأمر أنه على الرغم من صدور بحث الجمعية الدولية للأمراض المعدية العام الماضى على يد فريق من الأطباء فى مجال مكافحة العدوى، وهم: محمد فؤاد، أحمد شريف، وائل توكل، وعبدالجواد هاشم، وتوصلوا فيه لإصابة 54 مريضا بالبكتيريا من إجمالى 547 مريضا بوحدات الرعاية فى مستشفيات مصر المختلفة واعتبارهم أن ذلك مؤشر يدق ناقوس الخطر لانتشار سلالات من «الأسنيتو باكتر» المقاومة للمضادات الحيوية داخل أروقة المستشفيات المصرية، وبالتالى يجب تطبيق سياسات أكثر صرامة للحد من انتشار العدوى بهذه البكتيريا، إلا أن وزارة الصحة تتجاهلها ولم تصدر تقريرا مفصلا عن هذه البكتيريا أو يتم تسجيل أعداد المصابين بها خلال الفترة الماضية، وهذا ما كشف عنه التحقيق.
الدكتورة مهجة سعيد، مقررة مكافحة العدوى بوحدة شريف مختار للحالات الحرجة فى مستشفى قصر العينى، تقول إن %90 من معدلات الوفاة تحدث بمجرد وصول هذه البكتيريا إلى دم الإنسان، فيصبح من الصعب السيطرة عليها، وتشير إلى أن وحدتها شهدت خلال عام 2012 إصابة 85 حالة وصلت إلى 30 حالة فقط فى 2013 بعد التشديد على اتباع طرق مكافحة العدوى.
وأوضحت مقررة مكافحة العدوى، أن الأساليب المغلوطة التى يكثر اتباعها فى بعض المستشفيات وتسهم فى انتشار مثل هذا النوع من البكتيريا، هى عدم التزام معظم الأطباء بغسل وتطهير الأيدى قبل الكشف والاقتراب من المريض، بالإضافة إلى عدم ارتداء كل ما يلزم من وسائل الحماية الشخصية عند تركيب قسطرة مركزية، فضلا عن عدم الالتزام بالاستخدام الواحد لبعض المعدات الطبية، ومنها «قساطر التشفيط» بسبب نقص التمويل، مما يزيد من معدل حدوث العدوى خاصة مع استمرار بقاء المريض بالوحدة.
الملاحظات السابقة كانت ضيفا حاضرا فى نموذج المستشفيات الجامعية والعامة بمحافظتى القاهرة والجيزة والتى قمنا باختراق وحدات الرعاية المركزة فيها بسهولة تامة، خاصة بعدما صدر تقرير عن وزارة الصحة فى 2012 عن ترتيب المستشفيات من حيث اتباعها لمكافحة العدوى، وكشف عن انهيار معايير مكافحة العدوى فى مستشفيات القاهرة والجيزة، وأن تلك المستشفيات أصبحت مصدرا أساسيا لنقل الأمراض، بالإضافة إلى تقرير المجلس الأعلى للجامعات العام الماضى حول حاجة المستشفيات الجامعية لأكثر من 180 مليون جنيه لتطويرها.
محمد مات ولا جديد
بمجرد وصولك للباب الحديدى الذى يفصلك عن رعاية «6» بقصر العينى القديم، حيث كان يمكث محمد ياسر ربيع الذى توفى جراء إصابته ببكتيريا «الأسنيتو باكتر»، تلمح لافتة من الاشتراطات الموقع عليها من قبل الطبيب مدير القسم، تمنع اصطحاب الأطعمة من الخارج للمريض، وعدم زيادة عدد أفراد الزيارة عن 3 لكل مريض، مع مراعاة أن يدخل كل زائر على حدة، وله خمس دقائق فقط، وألا ينتظر أهالى المرضى أمام باب الرعاية أو فى الطرقات، ولكن كل هذه الاشتراطات لم تلق صدى على أرض الواقع، فقبل موعد الزيارة بنصف ساعة اصطف عشرات الأهالى انتظارا للدخول، كل منهم يحمل أكياس الطعام والشراب، وبمجرد أن سمح فرد الأمن لهم بالدخول دخلوا جميعا، واكتفى كل منهم بإخباره باسم المريض الذى يود رؤيته، فى الداخل تولى بعض الأهالى مسؤولية مساعدة ذويهم المرضى فى تحريكهم من على الفراش وملامستهم والاقتراب منهم، دون ارتداء الماسكات، كما نص دليل مكافحة العدوى أو التأكد من خلوهم من أى فيروسات أو أمراض معدية قبل دخول الوحدة، كما نصت الاشتراطات الصحية لمنظمة الصحة العالمية فى التعامل مع غرف العناية المركزة، وجاء فيها أن مسؤولية الزوار تتمثل فى الحفاظ على صحة المريض وصحتهم بتجنب مصافحته أو تقبيله والتزامهم بغسل اليدين قبل زيارة مريض آخر لتجنب نقل العدوى بين المرضى.
وكان الطاقم الطبى يتجول دون ارتداء الملابس الواقية، وقام أهالى إحدى المرضى بتركيب موصل الأكسجين فى أصبعها دون إخبار الطبيب، كما قام آخرون بإحضار «أوانى» الطعام لمريضتهم، وشاركوها تناول الوجبة على فراش الوحدة، دون أن يلفت ذلك انتباه القائمين على الوحدة.
مشهد آخر حدث داخل الوحدة التى تحتوى على 20 سريرا وخمسة أجهزة تنفس صناعى وطبيبة واحدة فقط، وهو قيام ممرضتين بتبديل ملاءة السرير لأحد المرضى الراقدين على جهاز تنفس صناعى، مكتفيتين بارتداء القفازات فقط وليس الماسكات، كما نص الدليل فى التعامل مع هذا النوع من الحالات.
«الطبيعى، أنه فى حالة ظهور مثل هذا النوع من البكتيريا أن يتم غلق الوحدة وتعقيمها جيدا وتلافى السلوكيات الخاطئة، حتى لا تتكرر العدوى مرة أخرى مثلما يحدث فى المستشفيات بالخارج»، هكذا يعلق الدكتور محمد سليمان، الأستاذ بوحدة شريف مختار، للحالات الحرجة، موضحا الإجراءات التى يجب أن تتبع فى حالة ظهور بكتيريا «الأسنيتو باكتر» أو غيرها من العدوى التنفسية فى غرف العناية المركزة، ولكن العكس حدث مع رعاية «6» فى قصر العينى التى تنفى مدير وحدة مكافحة العدوى بمستشفيات قصر العينى، جيهان الخولى، حدوث إصابة بعدوى مكتسبة داخل الوحدة مؤخرا، على الرغم من أن نتيجة التحاليل للفتى، التى حصلت «اليوم السابع» على نسخة منها، وتفيد بإصابته بهذه البكتيريا كانت فى شهر يناير الماضى.
وتضيف «الخولى»، أن انتشار العدوى أو البكتيريا لا ينتج عن تقصير أو إهمال بدليل وجودها، حتى فى المستشفيات التى تحتل الترتيب العالمى فى «إنجلترا، وفرنسا، والولايات المتحدة» مؤكدة أن معدلات إصابة العدوى فى تناقص مستمر، بسبب الجهود المبذولة، متابعة: تطبيق القواعد على أهالى المرضى الزائرين أمر غاية فى الصعوبة لأن الأطباء وأفراد الأمن يخشون على أنفسهم من الاحتكاك بأهالى المرضى أو منعهم من الزيارة، خاصة فى ظل الانفلات الأمنى الذى نعيشه الآن والاعتداء من قبل على أفراد الأمن الإدارى الخاص بالمستشفيات.
الفيوم بلا وقاية
وفى مستشفى الفيوم العام، لم يختلف الأمر كثيرا فى غرفة العناية المركزة التى تنقسم إلى قسمين، صدرية، وفى الجهة المقابلة عناية مركزة للمخ والأعصاب، فى القسم الأول الذى يحتوى على 5 أسرّة لم تتوافر أجهزة التنفس الصناعى لكل سرير، ولم يرتد الطاقم الطبى الملابس الواقية، على الرغم من خطورة الحالات التى يتم التعامل معها، فضلا عن السماح للأهالى بمخالطة أقاربهم والاقتراب منهم واحتضانهم، كما شوهد أحد المرضى يعبث فى الأسلاك التى تصل بين ذراعه والعديد من الأجهزة المحيطة به بالإضافة إلى أن مفروشات المرضى كانت ملقاة على الأرض وكان اللافت للنظر هو حرص إحدى العاملات التى لم تلتزم بالتعليمات الخاصة بالوقاية من العدوى، فيما يتعلق بغسل يديها بالمطهرات والماء والصابون من فترة لأخرى والتى توجد على مدخل غرفة العناية على عكس الوحدة السابقة.
«أم المصريين» بدون مطهرات
فى نهاية ممر طويل مقابل للباب الرئيسى بالدور الثانى من مستشفى «أم المصريين»، تلمح لافتة كبيرة مدونا عليها عبارة «العناية المركزة» ولكن لا تلحق بها قائمة التعليمات قبل دخولها لتفادى نقل العدوى، الوحدة تحتوى على 9 أسرة يقوم برعاية المرضى طبيب واحد وثلاث ممرضات، فى الداخل اختلط الزائرون بالمرضى، بل وتكدس ما يقرب من 5 أشخاص حول مريض واحد فى حضور الطبيب المعالج، وبخلاف عدم ارتداء الطاقم الطبى للملابس الواقية فغابت أيضا الأحواض والمطهرات التى اشترط الدليل أن تكون مرافقة للغرفة لمواصلة عملية تنظيف الأيدى سواء للعاملين أو الزائرين قبل دخول الغرفة وأثناء التنقل من مريض لآخر.
القاذورات فى الصف
وفى مستشفى «الصف» كان الوضع مشابها إلى حد كبير، فبداخل مبنى متهالك يخيل للناظرين من الوهلة الأولى بأنه مدرسة مهجورة أو منزل تركه أصحابه من زمن بعيد تقع غرفة العناية المركزة فى الدور الثانى، حيث يمكث عدد محدود من المرضى الذين ساقهم حظهم العثور، لهذا المكان بسبب قلة إمكانياتهم المادية، أما فى الدور الأول فتوجد غرفة صغيرة تحتفظ بلافتة خشبية مهترئة مدون عليها عبارة «غرفة عمليات صغرى» تدلك عليها الرائحة الكريهة المنبعثة منها، يرقد فيها أحد المرضى فى انتظار قدوم الممرضة.
عبر ممرات تعج بمختلف أنواع القاذورات وبالصعود والهبوط على درجات مهشمة وجدران تشع منها الرطوبة تجد غرفة لا تصلح للتعامل الآدمى تنفتح أبوابها على مصراعيها بخلاف كل وحدات الرعاية المركزة، بها سريران بفراش متآكل أحدهما مهشم تماما والآخر تمدد عليه شاب كان يعانى من غيبوبة «كبدية» حسبما أكدت المشرفة لنا، تحتوى على ثلاثة أجهزة للتنفس أوضحت المرافقة أن اثنين منها لا يعملان، الغرفة كانت خالية من مستحضرات طبية ولا مجال للسؤال عن مكافحة العدوى، فالغرفة تعتبر مأوى للأوبئة وأمام حالة الشاب المريض وتألمه قالت الممرضة «ده لازم يتنقل حالا لمستشفى المعادى إحنا هنا معندناش إمكانيات لأى حاجة»، وأضافت «اللى ييجى هنا سليم بيموت يبقى حال العيان هيبقى إيه؟».
فى الخارج جلس رجل خمسينى بملابس رثة قدم نفسه بأنه «طباخ المستشفى» هيئته تختلف تماما عما نصت عليه التوصيات الدولية فيما يتعلق بالعاملين داخل المستشفى تحديدا من يقومون بإعداد وجبات الطعام، من حيث نظافة الملابس وارتداء القفازات والماسك حتى لا تنتقل أى عدوى تنفسية للطعام، ومن بينها الأسينتو باكتر ومنها إلى المرضى وتعقيم المكان بالكامل.
الدمرداش بحاجة للصيانة
أما عن مستشفى «الدمرداش» فكان الوضع فيه مختلفا بعض الشىء، ففى الدور الثانى من المبنى تقع غرفة الرعاية المركزة ذات أبواب حديدية، بداخلها توجد المطهرات اللازمة لمكافحة العدوى، بالإضافة إلى وجود «أكياس مخصصة لوضع السرنجات وسلتين للمهملات بجوار كل سرير وحوض للمياه تراصت عليه مختلف المطهرات، وعلى الرغم من محاولة العاملين فى الوحدة الحرص فإنها تواجه بعض المشكلات مثلما قال أحد الأطباء المعالجين فيها، طلب عدم ذكر اسمه، إن الغرفة تتكون من 13 سريرا ملحقا بها 8 أجهزة تنفس صناعى 6 منها خارج الخدمة منذ أكثر من شهر، وتحتاج إلى 160 ألف جنيه طبقا للمقايسة التى أجرتها المستشفى لإجراء أعمال الصيانة اللازمة، ومن المرجح أن تستمر بها تلك الأعطال عدة شهور أخرى لعدم توافر الأموال، فهذه الوحدة قائمة بالكامل على التبرعات».
وعن العدوى التى يتعرض لها الأطباء والمرضى داخل غرفة العناية يقول أحدهم إن هناك العديد من البكتيريا التى تنتشر داخل العناية المركزة تأتى على رأسها وأكثرها شراسة بكتيريا «الأسنيتو باكتر» موضحا أنها لا تستجيب للمضادات الحيوية فى المراحل المتأخرة من الإصابة بها، بالإضافة إلى أنها حال الفشل فى السيطرة عليها فإنها تسبب الوفاة، مضيفا: المستشفى كان يعانى من نقص بعض الإمكانيات المساعدة فى الوقاية منها، ومنها الماسكات «الأقنعة الواقية» والعوازل اليدوية، وهو ما تمت معالجته بشكل كبير بفضل وحدة مكافحة العدوى التى تقوم بدور إيجابى فى المستشفى التى حذرت إدارة المستشفى من استمرار تدهور الأوضاع، وهو ما أدى بالإدارة إلى أن تجتهد لعلاج تلك السلبيات.
فى 2011 أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا بمناسبة اليوم العالمى لها، الذى جاء تحت عنوان «مكافحة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية» أوصت فيه باتباع الدول لمجموعة معايير فى منظومتها الصحية للحد من انتشار تلك البكتيريا، وكان من بين تلك المعايير الالتزام بخطة وطنية شاملة ممولة ذات مسؤولية وإشراك المجتمع المدنى لتقوية الترصد والإمكانيات المخبرية، وضمان الإتاحة المستمرة للأدوية الأساسية مضمونة الجودة، وتنظيم وتعزيز الاستخدام الرشيد للأدوية، وضمان الرعاية المناسبة للمرضى.
واللافت للانتباه فيما يتعلق بالوحدات السابقة التى تم رصد مظاهر الإهمال فيها كوسيلة للإصابة بالبكتيريا، أن المسؤولين عن تلك الوحدات لم يقوموا بإعداد تقارير مفصلة عن معدلات الإصابة بهذا النوع من البكتيريا كحال باقى المستشفيات العامة والجامعية، وإنما تصدر تقارير شاملة إجمالى معدلات الإصابة بالعدوى البكتيرية بشكل عام، كما ذكر لنا مسؤولون بوزارة الصحة، مثل الدكتور إيهاب عطية، مدير إدارة مكافحة العدوى بوزارة الصحة، والدكتور محمد فتح الله، مسؤول الأمانة العامة للمراكز المتخصصة بوزارة الصحة، وبالتالى من الممكن أن تحدث حالة الوفاة دون العلم بالسبب الحقيقى ودون توخى الحذر فى حالة الإصابة من انتقال البكتيريا بين المرضى داخل غرفة العناية المركزة.
الأطباء: أين الإمكانيات؟
اتهامات متبادلة تتجدد بين الحين والآخر كلما ظهر الحديث حول الإهمال فى المستشفيات وغياب أساليب مكافحة العدوى، ففى الوقت الذى يتهم فيه فريق مكافحة العدوى الطاقم الطبى بالتقصير وعدم الالتزام بالاشتراطات الوقائية نظرا لقلة وعيهم بها، يرد الأطباء بأن إمكانيات وزارة الصحة محدودة للغاية، وأنهم معرضون للخطر أكثر من غيرهم ورغم ذلك لا يتم النظر إليهم بعين الرحمة بل بالعكس تقدر الحكومة حياتهم ب19 جنيها فقط هى قيمة بدل العدوى للمعرضين للإصابة بها.
الدكتور إيهاب عطية، مدير الإدارة العامة لمكافحة العدوى التابعة لوزارة الصحة يقول، إن هناك فريقا لمكافحة العدوى فى كل مديريات الصحة فى محافظات مصر المختلفة، يتكون الفريق من طبيب وممرضتين يقوم بتقييم مدى اتباع الطاقم الطبى وإدارة المستشفى للاشتراطات القياسية لمكافحة العدوى، ويقوم بإرسال تقارير شهرية للإدارة المركزية فى القاهرة، ويضيف: من ضمن المعايير أيضا التى تؤخذ فى الاعتبار ويتم تقييم أداء المستشفى عليها هو التدريب الذى يتلقاه العاملون فيها على اتباع اشتراطات مكافحة العدوى وتوفير المستلزمات الكافية لمدة ثلاثة أشهر مقبلة.
ويتابع: المشكلة الحقيقية التى تواجهنا هى أننا نقوم بتوفير المستلزمات المطلوبة، ولكن لا يتم اتباع الإجراءات الواجبة من قبل العاملين والملاحظات التى عادة نوجهها لإدارة المستشفيات لا يتم تنفيذها خاصة بعد الثورة، كما أن الإقبال على المستلزمات أقل بكثير من المتوقع بمعنى أن مخازن المستشفيات تمتلئ بالأدوات الواقية ولا يتم استخدامها.
ويشير إلى أن هناك تعليمات وشروطا يجب أن تتبع على رأسها منع الزيارة عن المرضى الماكثين فى غرف الرعاية المركزة لتقليل إصابتهم بأى بكتيريا أو فيروسات، ولكنه فى الوقت نفسه يؤكد صعوبة تحقيق هذا، لأنه يتعلق بنفسية المريض، وقد يؤثر بشكل سلبى عليه وما نحتاجه هو تطوير آليات ترصد العدوى لتصبح أكثر فاعلية.
واتفق معه الدكتور خالد حسين، مسؤول التدريب بإدارة مكافحة العدوى بوزارة الصحة، قائلا: إن العاملين فى الإدارة المركزية للوزارة وعددهم 10 أطباء فقط يمرون على ما يقرب من 650 مستشفى عاما، بالإضافة إلى 80 طبيباً فى كل مديرية، ونقوم بإصدار التوصيات الخاصة بتدريب العاملين ووضع سياسات مكافحة العدوى والأدلة التى يمكن الرجوع إليها.
ويضيف: تواجهنا صعوبة أن البنية الأساسية للمستشفيات فى كثير من المحافظات لا تساعد الناس على الالتزام، وليس بمقدورنا السيطرة على سلوكيات بعض الأطباء والتمريض، ونحاول وضع بعض العقوبات فى حالة وجود نوع من التقصير، ولكنهم لا يلتزمون، وإمكانيات إداراتنا بكل التسهيلات والمستلزمات التى نوفرها لا تقضى سوى على %40 فقط على البكتيريا والجراثيم والإجراءات التى نتخذها فى حالة الإبلاغ عن وجود أى نوع من البكتيريا فى غرف العناية المركزة هو إغلاق الوحدة وتطهيرها لحين التأكد من خلوها من أى بكتيريا.
وطالبت الدكتورة إيمان البحيرى، أستاذ الباثولوجى واستشارى مكافحة العدوى بوضع تشريع قانونى يمنع الطبيب من ممارسة المهنة، إلا بعد الحصول على شهادة معتمدة تفيد دراسته لاشتراطات مكافحة العدوى بشكل معمق، خاصة أن مناهج كلية الطب طوال سنوات الدراسة تحتوى على مجرد قشور عن بعض التعليمات الواجب اتباعها.
على الجانب الآخر يقول الطبيب أحمد نجيب الدق، طبيب رعاية مركزة، إن ما يردده فريق مكافحة العدوى حول توفير المستلزمات اللازمة «كدب فى كدب»، ومجرد كلام على ورق، لأننا نقوم بشراء القفازات والقطن والشاش على حسابنا الخاص حتى فريق مكافحة العدوى الذى من المفترض أن يوجد داخل كل مستشفى لا نراه على الإطلاق وبدل من ادعاء الوزارة توفير الإمكانيات لنا عليها أن تنظر فى المبلغ الزهيد الذى تعطيه للأطباء، ولا يتناسب مع حجم المخاطر المعرضين لها.
واتفق معه الدكتور أسامة عبدالحى، وكيل النقابة العامة للأطباء، قائلاً: لو الوزارة ادعت توفيرها لكل شىء، فهذا «نصب»، فلا يوجد انتظام فى الدورة المخزنية لتلك المستلزمات، وهناك نقص واضح فى الإمكانيات والأدوات الواجب توافرها من حيث القفازات ذات المقاسات المختلفة والملابس الواقية وغيرها، وأكد عبدالحى، أن المنظومة الصحية فى مصر الآن باتت تعانى من ترهل أوضاعها محملا مسؤولية إصلاح ما يحدث للمسؤولين الحاليين.
تحصل وزارة الصحة على %4 من الموازنة العامة وفقا للتعديلات الأخيرة، وبالرغم من ذلك مازال الأطباء يشكون من سوء أوضاعهم ويعانى فيها المرضى الذين تزداد أوجاعهم يوما بعد يوم، لذا طالب الدكتور علاء غنام، رئيس لجنة الحق فى الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بزيادتها إلى %9، قائلاً: فى حالة زيادة المخصصات المالية لوزارة الصحة بالتأكيد سينعكس هذا إيجابيا على حجم الإنفاق المالى المخصص لتطبيق سياسات مكافحة العدوى بدلا من 1000 جنيه، وهو مبلغ زهيد يخصصه كل مستشفى لتوفير المستلزمات الخاصة بها والأدوات اللازمة لمكافحة العدوى، ويتابع مدير برنامج الحق فى الصحة: المستشفيات العامة تقوم بفرض رسوم على الخدمات التى تقدمها لتوفير مبالغ مالية تقضى بها احتياجاتها، وشىء كارثى أن يكون هناك مستشفيان فقط حصلا على شهادة الجودة الأيزو فى تطبيق معايير الجودة من بين أكثر من 600 مستشفى.
اختفاء المضادات الحيوية
معاناة أخرى يعيشها أهالى المرضى المصابين بهذا النوع من البكتيريا، وهو عدم توافر المضادات الحيوية المعالجة للمراحل الأولى منها فى المستشفيات بشكل دائم مثلما حدث مع الطفل محمد ربيع الذى أظهرت نتائج التحاليل الخاصة به، نوعين من المضادات الحيوية القادرة على التعامل مع البكتيريا وهما polymyxin وtigycycline ولكنهما لم يتوفرا فى المستشفى لذا كان عليه توفيرهما من كبرى الصيدليات بأسعار عالية وحتى بعد حدوث هذا لم يكن لهما تأثير، فحالته تدهورت بسبب تأخر الطبيب فى تشخيصها مثلما جاء على لسان والده، تقول الدكتورة «إيمان البحيرى»: كثيرا ما يتأخر الأطباء فى تشخيص حالة المريض فبمجرد ظهور أعراض الإصابة بالبكتيريا وأهمها الالتهاب الرئوى الحاد يقوم الطبيب بإعطائه عددا كبيرا من المضادات الحيوية العادية، دون أن يدرك حقيقة إصابته، وعندما يرى عدم تحسن الحالة يقوم بإرسال عينة تحليل «بصاق، دم، بول» للكشف عليها، وتظهر النتيجة مرفقا بها نوعية المضادات الحيوية التى يمكنها التعامل مع هذه البكتيريا، وبالتالى فمشكلة التعرف المبكر على هذه البكتيريا حتى يمكن التعامل معها يرجع إلى تأخر الأطباء فى إدراكها فتكون النتيجة أن عشرات الحالات تتوفى بها، ولكن لا يعلم أحد السبب الحقيقى.
والدليل على ذلك أيضا، ما قاله الدكتور محمد فتح الله، مسؤول الأمانة العامة للمراكز المتخصصة لوزارة الصحة، حيث نفى لنا سماعه عن هذه البكتيريا من قبل أو مصادفته لأى حالة مصابة بها طوال فترة عمله فيما يقرب من 10 مستشفيات، كما نفى أيضا فتح الله قيام وزارة الصحة بإعداد تقارير مفصلة عن هذا النوع من البكتيريا تحديدا، ولكنها تقوم برصد العدوى البكتيرية بشكل عام بأنواعها المختلفة «التنفسية والجراحية».
الدكتور أحمد خير الله، المدرس بقسم الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة- جامعة بنى سويف، قال إن فريقا من الباحثين بجامعة تكساس الأمريكية توصل إلى وسيلة جديدة للقضاء على سلالات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، «الأسنيتو باكتر» التى تزايدت معدلات انتشارها بشكل خطير فى الآونة الأخيرة، حيث استطاع الباحثون ابتكار مضاد حيوى جديد، أطلقوا عليه اسم PPMO، وهو اختصار لمصطلحpeptide conjugated phosphorodiamidate morpholino oligomer، من شأنه إيقاف الجينات الضرورية المسؤولة عن عملية انقسام وتزايد أعداد الخلايا البكتيرية، وهو ما يؤدى إلى منع تكاثر هذه الجراثيم، وطالب خير الله وزارة الصحة بضرورة التعاقد مع الشركات التى تنتج هذا العقار لتسهيل دخوله واستخدامه فى مصر، وأضاف خير الله: ولحين تحقيق ذلك على وزارة الصحة توفير المضادات الحيوية التى يمكنها القضاء على سلالات البكتيريا الأولى الأقل خطورة للقضاء عليها إلى جانب سرعة التشخيص من قبل الأطباء حتى يمكن إنقاذ المرضى.
وما بين تبادل الاتهامات بين الفريق الطبى ومسؤولى مكافحة العدوى بوزارة الصحة حول تقصير كل منهما ومطالبات الأطباء بتطوير أساليب ترصد العدوى وتوفير الإمكانيات اللازمة والتوعية بالاشتراطات الوقائية لمحاربة العدوى المكتسبة، يبقى المريض هو العنصر الوحيد الذى يدفع الفاتورة على أسرة غرف العناية المركزة فى مصر.
أحد المرضى على أجهزة التنفس الصناعى
الصدأ يغطى هيكل الماكينات
الأهالى يختلطون بالمرضى فى غرف الرعاية المركزة
أجهزة التنفس الصناعى بعد تعقيمها فى وحدة شريف مختار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.