كنت من أشد المتحمسين لاتخاذ موقف جاد تجاه الجزائر بعد الأحداث التى شهدتها الجزائر والسودان من جمهور جزائرى متعصب ضد المصريين، على خلفية مباراة كرة القدم التى جمعت منتخب البلدين فى تصفيات كأس العالم، فقد كنت شاهداً على التعصب الجزائرى فى السودان بعد انتهاء المباراة الفاصلة بإستاد أم درمان، وكنت شاهداً أيضا على الحركة الدبلوماسية المصرية النشطة التى تفاعلت مع الأزمة بتتابع الوقت، ووفقاً للتداعيات بشكل أرضى المصريين التى وصلت إلى درجة استدعاء وزارة الخارجية لسفير الجزائر لدى القاهرة مرتين للاحتجاج على حالة الاعتداء التى تمت على مصريين فى الجزائر، وللمطالبة بأن تتحمل السلطات الجزائرية مسئولياتها تجاه فرض الأمن للمصريين المقيمين بالجزائر ممن يصل عددهم إلى عشرة آلاف مصرى، وانتهاء باستدعاء وزارة الخارجية لسفيرنا لدى الجزائر للتشاور. وللمطلع على الأعراف الدبلوماسية يعلم أن استدعاء السفير المصرى من الجزائر حتى وإن كان للتشاور، فهو درجة من درجات التصعيد الدبلوماسى لم تتخذها مصر طيلة السنوات الماضية ضد أى دولة عربية أو أجنبية إلا إسرائيل عام 2000، فى أعقاب الانتفاضة الفلسطينية عندما استدعت القاهرة السفير محمد بسيونى من تل أبيب، واستدعاء السفير المصرى من الجزائر، كما قال السفير حسام زكى، المتحدث باسم وزارة الخارجية، مسألة مفتوحة المدة، والمدة قد تستمر عدة أيام أو تطول إلى عدة أسابيع أو أشهر، لأن انتهاء الاستدعاء ينتهى بزوال أسبابه ويعتمد على التقدير السياسى لإمكانية عودة السفير مرة أخرى. إذن كان هناك رد فعل دبلوماسى مصرى مواجه وبقوة لحالات التعصب الجزائرية، لكن فى المقابل فإن السؤال الحائر الذى ظل يراودنى طيلة الأيام الماضية، "وماذا بعد"، هل وقفت التحركات المصرية عند حد استدعاء السفراء أم أن هناك خطوات أخرى تالية، وما هذه الخطوة، هل تصل إلى درجة قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الدولتين، أم يجب أن نتعامل مع الموقف بشىء من الحكمة. دعونا ننظر للأمر بعقلانية وبعيداً عن حالة الغضب التى أصابتنا جميعاً، وهو غضب مشروع ومبرر، لأنه جاء كرد فعل لحالة التعصب الأعمى الجزائرى ضدنا، لكن هل نحن بالفعل نسعى لخسارة بلد شقيق اسمه الجزائر، لدينا معه رصيد كبير من العوامل المشتركة، قد يرى البعض أن المباراة وتداعياتها أظهرت مدى الحقد الجزائرى على كل ما هو مصرى، هذا صحيح، لكن فى المقابل هل يجب أن نواجه الحقد بانفصال عن الواقع المحيط بنا، الواقع الذى يقول لنا إن هناك دولا محيطة بنا كانت ومازالت تسعى إلى تغذية الفتنة بين مصر ومحيطها العربى. وأذكر هنا بالتحديد إيران وقطر لأسباب نعلمها جميعاً، فتلك الدولتان استغلت الأزمة ونفخت فيها إلى أن وصلت لدرجة الانفجار، الانفجار الذى لعب له إعلام الدولتين والإعلام الموالى لهم. ولم تقتصر اللعبة على دول إقليمية وإنما امتدت لدول أفريقية لعبت على وتر الأزمة، وإن كان بطريقة غير مباشرة لتحقق مصالح خاصة بها، ولا ننسى أن دولة مثل جنوب أفريقيا التى تدخل معنا فى منافسة سياسية، ليس آخرها التنافس على المقعد الدائم فى مجلس الأمن حال الاتفاق على توسيع عضوية المجلس، فهذه الدولة حاولت الصيد فى الماء العكر، وأصدرت قراراً بالسماح للجماهير الجزائرية بدخولها لتشجيع منتخبها فى نهائيات كأس العالم بدون تأشيرة، وكأنها تعلن مساندتها ووقوفها بجانب الجزائريين ضد مصر. أعتقد أن الأزمة بحاجة إلى التعقل أكثر من التعصب، والإحاطة بكل الدول التى أرادت اللعب على وتر الأزمة، والوصول إلى مرحلة من المكاشفة مع النفس قبل الآخرين، فالأزمة رغم أنها أصابتنا فى مقتل، إلا أنها كشفت لنا عن عدة سلبيات داخلية، لعل أهمها حالة الإعلام الرسمى المصرى الذى أصبح بلا تأثير، فلا يعقل أن جريدة مثل الشروق الجزائرية التى لا تتعدى فى توزيعها نطاق الجزائر أصبحت أكثر تأثيراً من صحافتنا القومية التى يمتد تاريخ بعضها لأكثر من مائة عام.. أرجوكم الأزمة فى سبيلها للانتهاء، لكن لا يجب أن ننسى أن لدينا سلبيات داخلية إن لم نصححها ونحولها لإيجابيات، فإننا سنكون عرضة للانتهاك والاعتداء من الكل.