من مهازل الفترة الرخوة التى تمر بها مصر منذ قيام ثورة 25 يناير مرورا بثورة 30 يونيو وحتى الآن، هو ظن بعض الناس فى أنفسهم - وبعض الظن السياسى إثم عظيم – أنهم من صنعوا مشهد الثورة، وأنهم رسموا خريطة هذا البلد لسنين طويلة قادمة، وأنهم ساهموا فى صعود هذا المرشح أو ذاك، وأنهم بمنتهى الغرور المغلف بتواضع زائف، اعتذروا عما فعلوا وأنهم أجبروا الناس على عصر ليمون على أنفسهم كما يقول المثل العامى. 1 كانت كل الدلائل فى الانتخابات الماضية تشير إلى أن هناك مرشحين أقوياء ستنحصر بينهم المنافسة فى الانتخابات الرئاسية، كان على رأسهم بالطبع محمد مرسى ليس لأنه الأكفأ والأجدر، لكن لأنه مرشح لتيار قوى موجود فى الشارع ولديه ماكينة انتخابية قادرة على الحشد والتعبئة، وكان هناك بالطبع آخرون لديهم قدرة تنافسية عالية مثل عمرو موسى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، وحمدين صباحى الذى حل ثالثا، مفجرا مفاجأة لمن لا يعرفونه، وجرى ما جرى وهو معروف للجميع، وتمت جولة الإعادة بين أحمد شفيق مرشح النظام القديم، ومحمد مرسى مرشح الجماعة التى حاولت عمل اصطفاف وطنى حول مرشحها، فكان اجتماع فيرمونت الشهير الذى خرج فيه مرشح الجماعة ليعلن وعودا للقوى الوطنية لم يحقق منها أى شئ وخرج بعدها المجتمعون لتسويق مرسى والجماعة، وهو ما فشلوا فيه بشدة والدليل هو الفارق الضئيل جدا بينه وبين منافسه فى جولة الإعادة، والوحيد الذى رفض الانحياز لهذا الحلف هو حمدين صباحى والتيار الشعبى، وأعلن ذلك صراحة فى مؤتمر صحفى، ما دعا بعض عاصرى الليمون إلى مهاجمته بدعوى شق الصف الوطنى. 2 كان طبيعيا أن تتصدر الجماعة المشهد السياسى، كما كان طبيعيا أيضا أن يكتشف الناس زيفها وخداع شعاراتها سريعا، وإدعاء البعض أن له فضلا فى ذلك مزايدة على الناس التى خرجت فى يناير لإشعال الثورة، ثم خرجت فى يونيو لإصلاح مسارها الذى انحرف، ولولا هؤلاء الناس لما استطاع واحد من هؤلاء أن يقيم رأسه فى مواجهة النظام، ولما استطاع أن يزحزحه عن مكانه قيد أنملة، فلا فضل لأحد على الشعب المصرى، ومن لم يدرك ذلك فمكانه معروف فى مزبلة التاريخ، خاصة وأن بعض هؤلاء تعاونوا مخلصين مع نظام الإخوان طمعا فى البقاء تحت دائرة الضوء وفى بؤرة صنع القرار، ولولا غباء الجماعة وتكويشها على كل شىء لظل هؤلاء على ولائهم حتى قامت ثورة يونيو ضدهم أيضا. 3 لم يتصور البعض أنه أصبح خارج المشهد السياسى، وأن ثورة يناير كما صنعت منه نجما ملء السمع والبصر، جاءت ثورة يونيو لتصنع نجوما آخرين، وظن أن الاستمرار فى دائرة يأتى بمحاولة الاعتذار عما لم يفعل ولم يكن سببا فيه، وهذا قمة الغرور المغلف بتواضع زائف، الغرض منه هو الاستمرار فى خداع الناس مرة أخرى، وتصوير أنهم ما زالوا يتحكمون فى المشهد السياسى، رغم أنهم ومنذ البداية كانوا نجوما فقط فى برامج «التوك شو» التى صنعتهم بلا امتداد حقيقى على الأرض، وهو الشىء الوحيد القادر على تحريك الناس لانتخاب مرشح بعينه. 4 خلاصة القول فى المثل العربى القائل.. إذا كنت كذوبا فكن ذكورا، لأن الناس لا ينسون، وهو ما لم يدركه هؤلاء الذين يعتمدون على مقولة آفة حارتنا النسيان، وتناسوا أنه بعد ثورتين عظيمتين سقطت كل الأوهام وسقطت معها أيضا الأقنعة.