نقلا عن اليومى.. فى أحد أيام شهر مارس من عام 1923 رُفع الستار عن أول عروض فرقة رمسيس لمؤسسها وصاحبها يوسف وهبى، حيث قدم مسرحية «المجنون» بمشاركة نجمة الفن آنذاك روز اليوسف، فابتدأ بذلك عهد جديد فى دنيا المسرح. لقد عرف المصريون فن المسرح بمعناه الحديث مع عصر الخديو إسماعيل «1863/ 1879»، حيث أنشأ يعقوب صنوع الممثل المصرى اليهودى فرقة مسرحية تقدم عروضا ساخرة تنتقد فيها النظام بشكل أو بآخر، فلم تحتمل سلطة القرن التاسع عشر الغمز واللمز، فأغلقت المسرح، بعد ذلك ومع نهاية القرن التاسع عشر انتشرت الفرق التى تتخذ من فكرة «الفرجة» متكأ لها، فشهدت القاهرة فرقة أبوخليل القبانى القادم من الشام حاملا أوبريتاته وأغنياته وعروضه، ثم ظهر على سطح هذا الفن فرقة سلامة حجازى «رحل عام 1917»، ليمزج النص المسرحى بالموسيقى والغناء ويحقق نجاحًا لافتا، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى انتشرت الفرق المسرحية التى تقدم عروضا مبتذلة لتسلية أغنياء الحرب من جهة والجنود الذين هبطوا مصر من كل بلدان العالم من جهة أخرى، وكانت أشهر هذه الفرق على الإطلاق فرقة نجيب الريحانى وشخصيته الشهيرة «كشكش بيه». صحيح أن جورج أبيض «1880/ 1959» أسس فرقته المسرحية عام 1910، وانهمك فى تقديم عروض فنية جادة إلا أن الحرب الأولى والأزمة الاقتصادية، فضلا على الذوق العام للجماهير فى ذلك الوقت.. كل ذلك لم يسهم فى تعزيز فرقته وتوطين أركانها على خريطة الفن فى مصر، فلما أنشأ يوسف وهبى فرقة رمسيس حرص أشد الحرص على أن يوفر لها نظامًا إداريًا حديثا مثلما شاهد بنفسه كيف تؤسس وتدار الفرق المسرحية فى إيطاليا، حيث ذهب إلى هناك ليدرس ويتعلم فى نهايات العقد الثانى من القرن الفائت. هكذا إذن عرف المصريون فنون المسرح الحديث، وتقاليده وآدابه، ودوره فى توعية الناس وإمتاعهم على يد يوسف وهبى. فى كتابها المهم «يوسف وهبى.. السيرة الأخرى لأسطورة المسرح» تحكى لنا الكاتبة المتميزة الدكتورة لوتس عبد الكريم أسرار هذا العملاق، وكيف أنه استلم ميراثه من أبيه «عشرة آلاف جنيه» وأسس بها فرقته المسرحية التى أطلق عليها اسم «فرقة رمسيس». لقد أقامت الدكتورة لوتس علاقة صداقة مع عميد المسرح العربى وزوجته السيدة سعيدة منصور، وكانت تخاطبهما «بابا يوسف، وماما سعيدة»، كما ظلت تحرص على زيارتهما باستمرار فى فيلته بالهرم، أو حين يلتقيان فى لندن بأوروبا فى ستينيات القرن الماضى، وها هو كتابها المدهش يضم أسرارًا وحكايات عن رجل نادر المثال، أسعدنا بفنه، لكن كعادتنا المرذولة لم نقدره كما ينبغى. طالع معى ما كتبته الدكتورة لوتس: «فى أيامه الأخيرة كان يردد دائما أن هناك أمورا تقلقنى، فأنا بين الحين والحين أذهب إلى مخازنى، وأستعرض مسرحياتى ومناظرى، وكل ما أنتجه مسرح رمسيس، فتراودنى فكرة كتابة وصية أحدد فيها لمن أترك هذه الثروة حتى لا تندثر أو تباع بالميزان كورق الدشت». ثم تضيف لوتس بحزن على مصير تراث عميد المسرح: «ترى أين هذه المسرحيات الآن؟ وهل يقدر لتراث يوسف وهبى أن يعاد عرضه؟ لقد سمعت أنهم فى التلفزيون يسجلون على أفلام مسرحياته مباريات كرة القدم! فى الختام أقول ليت وزارة الثقافة تعمل بجدية لنعيد البهاء المفقود لمسرح رمسيس ولمؤسسه الرائد يوسف وهبى.