نقلا عن اليومى: هل اكتسحت الثورة عصر الصالونات والمهرجانات الثقافية؟ وهل تراجعت مكانة المبدعين وتضاءلت الحاجة إليهم فى خضمها؟.. لقد رأينا اختفاء أو تعثر العديد من الملتقيات الدولية للفنون فى مصر خلال السنوات الماضية، مثل بينالى القاهرة وبينالى الإسكندرية «كل عامين»، وترينالى الخزف وترينالى الجرافيك «كل ثلاث سنوات»، بعد أن رصفت الطريق لأجيال من المبدعين وقدمتهم إلى الوطن وإلى العالم، وكانت فى يوم من الأيام تحظى بأعلى اهتمام من الدولة، حتى إن الرئيس عبد الناصر قام بافتتاح بينالى الإسكندرية لأول مرة عام 1956 وظل يرعاه طوال حياته، ومن هذه الملتقيات الدولية انطلقت نجوم لامعة فى سماء الفن حتى أصبحت لمصر مكانة سامقة على الصعيد العالمى. ليس صحيحاً أن الثورة مسؤولة عن هذا التراجع، وكان ينبغى أن يحدث العكس، لأن الجماهير المنعزلة تاريخيًا عن الفن صارت شريكًا مع المبدعين بعد الثورة، من خلال التفاعل الحميم مع جداريات الجرافيتى فى كل مكان، والإقبال على المعارض والمنتديات الفنية والتواصل النشيط عبر الإنترنت. المسألة ببساطة هى عدم توافر الرؤية والقرار لدى المسؤولين بوزارة الثقافة لاستثمار مناخ الثورة فى مجال الفنون، وللتفكير المفتوح خارج صندوق الأفكار التقليدية. أخيراً أفاق قطاع الفنون التشكيلية من غفوته فقدم حدثًا مهمًا خارج الصندوق المغلق، وهو صالون النسيج السنوى، فلأول مرة يلتفت إلى إبداع لا يقتصر على فنون التصوير والنحت والخزف والجرافيك والفيديو والكمبيوتر والأعمال المركبة، فيتجه إلى فنون أبدعتها الأنامل الذهبية لأبناء الشعب وفنانيه المسماة - استخفافًا - «الحرف التقليدية». وصحيح أن القطاع أقام دورات عديدة لمهرجان الحرف التقليدية بوكالة الغورى، لكنها كانت تقام روتينيًا بمعزل عن حركة التطور والحداثة والإبداع المعاصر وبعيدًا عن قلب الحركة الفنية، ما جعلها أعمالاً تنتمى إلى الماضى فحسب ولا تتفاعل مع الحاضر والمستقبل، خاصة مع التجريف المتواصل لتلك الحرف ونضوب منابعها وغياب الرعاة لها، وفوق ذلك مع اختفاء الوظائف العملية لمنتجات الحرف التراثية فى الحياة اليومية، على عكس ما كان فى عصورها الزاهرة. فكرة المعرض الجديد- الذى أطلق عليه صالون النسيج والنتيجة وافتتحه د. محمد صابر عرب، وزير الثقافة، بقصر الفنون بدار الأوبرا يوم الاثنين الماضى-هى الانتقال من تقنيات النسيج فى صناعة السجاد والكليم، إلى تقنيات اللوحة الفنية الحديثة من تصميم الفنان التشكيلى، وبعضها كان فى الأصل لوحات زيتية، ثم قام الفنان الحرفى بتحويلها إلى لوحة نسجية بالخيوط بنفس الألوان والتدرجات الظلية، وبعضها الآخر تم إنجازه وفق تصميم خاص للنسيج اليدوى، وذلك هو ما يعرف بفن «النسجيات المرسَّمة». وهناك فى حلوان مركز يحمل هذا الاسم تابع لقطاع الفنون التشكيلية منذ أول وزارة للثقافة أسسها الأب الروحى لهذه الوزارة ثروت عكاشة، وقد بادر بإرسال بعثات لشباب الخريجين من كليات الفنون لدراسة هذا الفن المسمى «تابسترى» أو «جوبلان» نسبة إلى اسم الشركة المتخصصة فيه، وذلك منذ إنشاء هذه الدار عام 1968 - إلى فرنسا وبعض الدول فى أوروبا الشرقية. وتملك الدار ثروة من إبداعات الفنانين المنفذة بالخيوط، قبل أن تذبل طاقاتها وتصيبها الشيخوخة، لتوقف مدها بدماء جديدة أو بفكر خلاق منذ عشرات السنين! إن العالم المتقدم ينظر إلى لوحة «التابسترى» نظرة تقدير واحترام لا تقل عن نظرته إلى لوحة الرسام، لما تحمله من حس إنسانى متفرد عبر معايشة تستغرق شهورًا طويلة خلال تنفيذها.. إلا فى مصر؛ حيث يُنظر إلى هذا النوع نظرة دونية طبقية من أنصاف المثقفين.. ولعلنا نذكر حكاية الرئيس الأسبق مبارك، والتى نقلت على الهواء مباشرة عبر التليفزيون لدى افتتاحه معرض القاهرة الدولى فى إحدى السنوات، حين قدمت له إحدى شركات النسيج لوحة نسجية كهدية، عبارة عن «بورتريه» له، وقيل له إنها نسجت بالنول اليدوى، فكان تعليقه أنه يأمل أن يتطور عمل الشركة حتى يرى إنتاجها فى العام المقبل بالنسيج الميكانيكى! كيف تحققت فكرة المعرض على أرض الواقع كما أبلغتنى بها الفنانة د. سهير عثمان، المسؤولة عن تنظيمه؟.. لقد بذلت مجهودًا واضحًا فى جمع مجموعة كبيرة من أعمال النسيج اليدوى بأنامل الحرفيين، وتصميم الفنانين فى جديلة واحدة، وهى مختارات من جهات مختلفة بين دار النسجيات المرسمة، وهيئة قصور الثقافة، وجمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة وغيرها من المؤسسات ومن ورش النساجين فى أماكن متفرقة من مصر، إلى جانب كميات أكثر عددًا احتلت المساحة الأكبر من المعرض للوحات الطباعة على الأقمشة بالشاشة الحريرية، وغيرها من الوسائط، بعيدًا عن فكرة النسيج بالخيوط، وغلبت على هذا النوع أعمال الشباب الذين شاركوا فى المسابقة التى أقامها القطاع بهذه المناسبة، ولم يراع أسلوب العرض الفصل بين هذه المنتجات، وأعمال المحترفين فى تصميمات وتطبيقات النسيج، فاختلط الحابل بالنابل، وجاء موقع الجمعيات صاحبة الخبرة والتاريخ فى فنون النسيج مهمشًا فى أطراف قاعات المعرض بعد استبعاد الكثير من منتجاتها الرفيعة المستوى، توفيرًا للمساحة لصالح عرض الأعمال الطباعية بمساحات هائلة، كما عرضت أعمال الجمعية أو الجهة الواحدة متفرقة ومختلطة بغيرها من المعروضات بغير تمييز، مما أفقد المعرض كثيرًا من وحدته ومن نقاء فكرته الأصلية، ولا أفهم مبررًا لذلك إلا انحياز الفنانة منظمة المعرض لمجال تخصصها كأستاذة لفنون الطباعة بكلية الفنون التطبيقية، ومجاملتها لزملائها من أساتذة الكلية بعرض أعمالهم الطباعية، وقد يضاف إلى ذلك عدم تبلور فكرة النسيج اليدوى بوضوح فى ذهن قطاع الفنون التشكيلية. ومع ذلك، فإن هذا الصالون يعيد فتح طاقة الأمل أمام النسيج المرسَّم، ويبث فيه حياة جديدة عبر اهتمام الدولة والمجتمع ورجال الأعمال الذين لم أشهد للأسف أيًا منهم فى حفل الافتتاح، بالرغم من أن هذا المجال الإبداعى قادر على فتح استثمارات عظيمة فى الاقتصاد الوطنى لو لقى ما يستحقه من رعاية، بوضعه على خريطة العمل الثقافى وخريطة المشروعات التنموية معًا، وهو قادر كذلك على تأكيد الهوية المصرية بعد أن شحبت فى فنوننا المعاصرة. وشكرًا لقطاع الفنون التشكيلية على هذا الصالون الذى نأمل أن يتجدد سنويًا، برؤى إبداعية لا تحيد عن فكرته الأساسية.