كنت صبياً فى الصف الثانى الثانوى، شغوفاً بالقراءة والإطلاع أشترى الصحف من مصروفى القليل الذى بالكاد يكفينى مرة أو مرتين فى الأسبوع، محباً للشعر، متذوقاً له، أكتب خواطرى أملأ كراستى بكلام من نظمى أظنه شعراً، وأدون فيها ما تقابلنى من كلمات لعلماء أو كتاب أو شيوخ. التقيته زميلاً لى، يأخذنى كل يوم لأصلى الظهر فى مصلى المدرسة وأحضر الدرس الذى يلقيه علينا مدرس التربية الإسلامية الأستاذ ماهر الله أسره وأخرجه من محبسه وهداه. وكانت تلك المرة الأولى التى أجتمع مع إخوة فى المسجد لا أسمع إلا ما يهدى ولا أرى إلا مكارم الأخلاق، أحببت هذا الرجل وذاك الزميل وكل يوم فى صلاة الظهر نلتقى ونستمع ونتحاور ونسأل وأستاذنا يجيب. لا شىء عن السياسة، لا شىء عن الدولة، هى الأخلاق والتربية فقط لا غير، ولكن كان هناك صراع لا أعلمه وعداء لا أفهمه بين زميلى ورفيقى إلى المسجد وزميل آخر ربما أكثر تديناً. وأكثر تجهماً ،، كنت أسأل نفسى ،، المفروض أن يجمعنا الدين لا أن يفرقنا ،،، أن يحتوينا القرآن ،، لا أن نتناحر بتفسير آياته لكى نثبت صحة رأينا و ترويج لأفكارنا ،ووجدت التحذير منهما ضد الآخر ،، كلاهما يحذرنى أن أتأثر بما أسمعه من كليهما، وكأن عقلى هذا لا أملكه ،ولا أستطيع أن أميز وأختار، والغريب أن طريقى كان مختلفاً ،فلا أنا إخوانيا ولا جهاديا، فأنا أحب مصطفى محمود وكلاهما يكرهانه وأنا مستمع جيد للشيخ الشعراوى وكلاهما ينقضانه ،وعندما أمسكنى كبير الجهاديين من يدى وسار بى طول شارع التحرير بمدينتى بدا وكأنه جيئ لى خصيصاً بعدما فشل مندوبه داخل المدرسة أن يأخذنى من الزميل الإخوانى الذى بدماثة خلقه وأدبه لم أستطع أن أرفض له طلباً خصوصا، وأنه لم يكن تصادميا مثل الجهادى أو مثل ما نلقاهم اليوم. فى عملنا أو فوق صفحاتنا يسبون ويشتمون ويكفرون وينشرون الإشاعات ،، كان شخصاً آخر ،، عساه هكذا حتى اليوم ،،،، قال لى ،، أتحب الشعراوى قلت نعم ،، قال يا أخى إنه يشاهد عادل إمام وهذا حرام، من تسمع من الشيوخ ،، قلت الشيخ عطية صقر والدكتور عبدالله شحاته ،، قال أخى إنه حليق اللحية وشحاته درعمى ( نسبة لكلية دار العلوم ) وشيوخ السلطان ،، لقد فهت الآن أنه لا تلاقى ،، فلا يمكن أن أضع عقلى تحت سياط الآخرين ،، إنهم مختلفون عنا ،،، فقلت ربما مدرسة الإخوان أقرب ،، فهم وسطيون معتدلون ،،، لا يسبون شيخاً أمامك ( هكذا كانوا ) يمارسون المداراة والتقية ،،، يبدأون معك درجة درجة ،، ولكنى لم أستمر طويلا ربما عام ونصف أو عامين لم أشارك فى تنظيم أو أتحمل مسئولية ولم أعرف إلا كيف تربى الفرد ثم الأسرة كى يصير المجتمع كله معنا وتحت رايتنا ومؤمن بمبادئنا، ولكن عقلى المتمرد المنفتح الذى يقرأ للجميع لرجاء النقاش وسعد الدين وهبة وجلال أمين وفهمى هويدى ومحمد الغزالى ومصطفى محمود ولنجيب محفوظ وفاروق جويدة وغيرهم لا يستطيع أن يكون مجرد سلة يلقى فيها الآخرون أفكارهم وآراءهم والمطلوب منك أن تسمع وتطيع دون نقاش أو فهم. وهذا ما نعانيه اليوم ،،، لأن عقولهم تحت السياط إن تمردت ضربت ،، وإن فكرت تلفت ،،، فهى تتلقى لتنقل لا فرق بين طبيب أو مهندس أو مدرس جميعهم واحد مجرد سلال يلقى فيها القادة بأفكارهم وهم ينفذون الأوامر ، وعندما أقول ألا لعنة الله على الأغبياء فإنى أقصد تلك العقول المتحجرة التى هجرت التفكير، وكرهت التنوير ولا تعرف من الكتب إلا كتبهم فلا تستطيع أن تحاور أحدهم، لأنه سيتهمك بعدم فهم الدين وأنك غير متمكن من الفقه وأنك تنشر الضلال وتقرأ للمضلين الضالين ،،، هم العلماء لا غيرهم ،، هم الأتقياء وحدهم ،،، يملكون مفاتيح الجنة والرحمة. رجالهم ثقات ورجالك كذبة، إن سألتهم عن تولستوى أو موتسارت أو برناردشو أو حتى عن إبن حزم هاجموك ورجموك وتعالوا عليك، فهم ملتحون وأنت لا فأنت عاصى ،هم لايجلسون على المقاهى وأنت تجلس، فهم ضمنوا الله معهم أما أنت فلا أنت قلق. هذه العقول كانت تحكم مصر عام كامل، أضروا الدين والمشروع الإسلامى أكثر مما نفعوه، اعتبروا أنفسهم خلفاء الله فى الأرض هم فقط يعلمون صلاح الدين لا الأزهر ولا غيره ،،، هم حراس الشريعة ،،، ،، وإلتقى تلامذة الإمام الألبانى مع تلامذة الشيخ القرضاوى وإجتمعوا على عداء القضاء والشرطة والنصارى والإعلام وهم لا يعرفون أو ربما يعرفون أن الإمام الألبانى رحمه الله وجه نقداً لاذعا ومرا وأكثر، أعف أن أذكره للشيخ القرضاوى رداً على رأيه فى الغناء والموسيقى اقرأ رسالة الألبانى فى الغناء ،،، وكان لا بد أن يفترقوا فهم أكثر عداء لبعضهم البعض من عدائهم للآخرين فكان النور خير مثال لأنه يعرف ما لا يعرفه المغيبون ،،،،،،