المخرج السينمائى السورى محمد ملص يعد واحدا من ألمع الأسماء العربية فى مجال الإخراج السينمائى، ومن أهم المبدعين الحقيقيين، المهمومين بالوطن، لم يبحث عن وطن بديل مثل البعض، رغم تدهور الأوضاع فى سوريا، وظل يتنسم رائحة الشام، رغم البارود الذى يغطيها، والدماء التى تملأها مؤكدا أن الوطن هو سوريا ولا بديل عن حلم عودته كارها المنفى سواء كان منفى اختياريا أو إجباريا خصوصا وأنه معتاد على صلف النظام وغروره، وقهره للإبداع والمبدعين، فمعاركه مع النظام تمتد لزمن بعد وقبل تدهور الأوضاع، حيث دائماً كان يُصنف فى خانة المبدع المزعج والذى يرفض الصمت على القهر أيا كانت أشكاله، ولذلك منعت بعض أعماله من العرض، وكانت مؤسسة السينما السورية سابقا ترفض إنتاج أفلامه، بحجج واهية، ولم ييأس ملص، أو يسكت، بل كان يصر على محاولة، إنجاز أعماله السينمائية. نتفق أو نختلف حول إبداع ملص أو شخصه، ولكنه يظل واحدا من المخرجين الرواد فى السينما السورية والعربية، لذلك كان خبر اعتقاله من قبل المخابرات السورية لمدة 5 ساعات قبل أن يتم الإفراج عنه، مثار حديث الوسط السينمائى مؤخرا وأثار قلق المبدعين، حيث تم القبض عليه وهو فى طريقه لمطار بيروت متوجها إلى سويسرا ليعرض فيلمه "سلم إلى دمشق هناك". اختفى ملص لمدة 5 ساعات لم يكن أحد خلالها يعرف مصيره، حيث تظن الأجهزة القمعية أنها تستطيع تكميم الأفواه، واغتيال الإبداع، بالقبض على المبدعين، ولكن أجهزة القمع والقتل تلك تجهل ببساطة أن الأفكار حرة والإبداع يبقى ويعيش، رغم فناء أصحابه، فكم من مبدع اغتالته الأجهزة القمعية، أو أيد التطرف والجهل، ولكنه بقى فى الوجدان، وتناقلت إبداعه الأجيال. ومهما تكررت اعتقالات ملص داخل الزنازين سيظل فيلماه "أحلام مدينة" و"الليل" بمثابة وثيقة تدين الأنظمة القمعية وقهرها لمواطنيها، وهما الفيلمان اللذان وصفتهما صحيفة الجارديان البيريطانية بأنهما من أفضل 10 أفلام عربية أنتجت. ويحكى فيلم "الليل" قصة مواطنين من بلدة القنيطرة السورية فى هضبة الجولان التى تحتلها إسرائيل، وظل الفيلم ممنوعا من العرض فى سوريا لأكثر من 4 سنوات، رغم الحفاوة التى قوبل بها فى مختلف المهرجانات العربية والدولية التى شارك فيها، وقد لا يكون فيلم "ملص" الأخير، والذى عرض بمهرجان دبى السينمائى. أما فيلم "سلم إلى دمشق" لا يعد من أهم أو أفضل أفلامه، حيث تدور أحداثه عن الوضع السورى الراهن، وهو تحد كبير كان من نتائجه أن المخرج لم يستطع التصوير فى الشارع، كما أن الفيلم لا يحمل سردا تقليديا بل هو أميل إلى الشعرية فى رصده لتأثير الوضع الراهن بسوريا على شخصيات الفيلم والمحبوسة داخل جدران، ومنزل بساحته، تم توظيفها بشكل مسرحى لترصد تطورات الشخصيات النفسية. يبدأ الفيلم بأسلوب مسرحى حيث يتكلم فؤاد (قام بدوره بلال مارتينى) مباشرة إلى المشاهدين وخلفه ستارة يستخدمها ليعرض الأفلام عليها بأنه يهرب من الواقع للسينما، تستمر تلك الحالة المسرحية فى الحوارات والأداءات طوال الفيلم والتى تتداخل مع صور ولقطات سينمائية جداً ومعبرة، ويبدو أن معظم الشخصيات تعجز عن إيجاد حل واقعى للأزمة فيلجأون إلى سلم أعلى السطوح يصعدون عليه متوجهين إلى السماء فقد يأتِى الخلاص من هناك. ولا أعرف هل اللجوء إلى السماء بات أمرا يزعج السلطات السورية، لتقوم بإلقاء القبض على المخرج المبدع والذى ظل يعمل خلال 40 سنة قضاها فى صناعة الأفلام مستقلاً عن أى جهة حكومية للتمويل. ومن أهم أعمال ملص "حلم مدينة صغيرة" و"القنيطرة74" و"أحلام المدينة" و"المنام" و"الليل" و"باب المقام" و"سلم إلى دمشق"، وحصل ملص على جوائز عديدة وقد تم تكريمه أيضا فى عدة مهرجانات منها مهرجان قرطاج الدولى ومهرجان بيروت السينمائى الدولى ومهرجان دمشق السينمائى الدولى.