أعدت المصالح الحكومية تقارير وإحصائيات مفصلة عن الأوضاع فى مصر، وتلقى الأعيان أسئلة حول أسباب قيام ثورة 1919. انشغلت الحكومة البريطانية بالبحث عن حل لهذا "الزلزال" المفاجئ الذى أحدثه الشعب المصرى من أجل الاستقلال، لم يتوقع الاستعمار الانجليزى الحدث، وتحت وقع المفاجأة تعامل بنفس أسلوبه منذ بدء احتلاله لمصر عام 1882، وذلك بمزيد من مناورات التفاوض التى تنتهى بخطوات شكلية لا تنفذ إلى مطلب الاستقلال. كانت التقارير والإحصائيات الحكومية، والأسئلة الموجهة إلى الأعيان، هى بمثابة العمود الذى تصورت الحكومة البريطانية،أنه سيهديها مفتاح إنهاء الثورة، والعودة إلى الأوضاع كما كانت، وتأسيسا على هذا التصور قررت إيفاد لجنة إلى مصر برئاسة اللورد "الفريد ملنر" وزير المستعمرات، وتعرف هذه اللجنة تاريخيا باسم "لجنة ملنر". حضرت اللجنة إلى القاهرة، وقضت نحو ثلاثة شهور متواصلة، تدرس أسباب الثورة،وتبحث عن علاج لها، وغادرتها فى مثل هذا اليوم (6 مارس 1920)، ومن لندن دعا " ملنر" الوفد المصرى المتواجد فى باريس للذهاب إلى لندن للتفاوض معه حول ما توصلت إليه لجنته، وأسفرت هذه المفاوضات على تقديم " ملنر " مشروع للمعاهدة بين مصر وبريطانيا لا يحقق الاستقلال، وهو ما رفضه الوفد المكون من محمد محمود وعبد العزيز فهمى وعلى ماهر. فى مسألة الرفض ورد فعل الاحتلال البريطانى تفاصيل كثيرة، غير أن مشهد نضال المصريين أثناء وجود "اللجنة" فى مصر يعد مصدر فخرا للمصريين فى تصميمهم على الحرية والاستقلال، ففى 24 أكتوبر 1919 وفور قدوم "ملنر" إلى القاهرة اندلعت المظاهرات احتجاجا عليها، وفى الإسكندرية خرج المصلون من مسجد "المرسى أبو العباس" فى مظاهرات ضخمة، وانتهت إلى مقتل 5 وجرح نحو 40 شخصا، وفى 31 أكتوبر تكرر نفس الأمر. وفى يومى 15 و16 نوفمبر خرجت مظاهرات فى الإسكندرية، وفى القاهرة توجهت مظاهرة ضخمة إلى ميدان عابدين تهتف بالاستقلال وسقوط لجنة ملنر، وحاولت قوة من الجيش تفريق المتظاهرين، فهاجم المتظاهرون قسم شرطة عابدين والموسكى، فاستدعت الحكومة قوة من الجيش البريطانى، ووقعت معركة دامية راح ضحيتها 13 قتيلا و79 مصابا. امتدت المظاهرات إلى طنطا والمنصورة وشبين الكوم، وقدم محمد سعيد رئيس الوزراء استقالته، بسبب عدم موافقته على حضور اللجنة، وفى يوم 12 نوفمبر شكلت وزارة برئاسة يوسف باشا وهبة _ مسيحى الديانة)، وتوجه آلاف المسيحيون إلى الكنيسة المرقسية الكبرى للإعلان عن سخطهم على "يوسف وهبة باشا"، وعقدت الجمعية العمومية للمحامين إضرابا احتجاجا على اللجنة. فى 11 ديسمبر تظاهر طلاب الأزهر، وهاجمتهم قوة إنجليزية فتفرق الطلاب وعادوا إلى ميدان الأزهر، لكن بعضهم دخل المسجد فدخل الجنود الإنجليز ورائهم بالأسلحة، واعتدوا على المتظاهرين، وأمام هذه التطورات وقع علماء الأزهر على رسائل احتجاجية،تم إرسالها إلى السلطان فؤاد، ويوسف وهبة، واللورد اللمبى. وفى 15 ديسمبر فشلت محاولة لاغتيال رئيس الوزراء "يوسف وهبة"، كانت هذه التحركات تعبيرا عن رفض قاطع لما يحدث فى مصر.