سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فى تقرير اقتصادى متخصص.. دول الخليج تخفف اعتمادها على النفط بدون وجود برامج ناجحة لتنويع مصادر الدخل.. الاقتصاد المعتمد على الإيرادات النفطية فقط لن ينجح والسلعة الواحدة تعرضه للمخاطر
منذ قرابة أربعة أعوام، فى مايو 2010، كان متوسط سعر برميل النفط من دول منظمة أوبك يبلغ 70 دولارا. وبعد مرور عام، تضاعف السعر ليصل إلى 125 دولار، لينتج عن هذه الزيادة السريعة ارتفاع الدخل من الصادرات فى دول مجلس التعاون الخليجى، وارتفاع مساهمة النفط فى الناتج المحلى الإجمالى إلى مستوى قياسى بلغ 52.5%. وقال تقرير اقتصادى متخصص إنه وعلى أثر هذه الزيادة فى الأسعار أصبحت دولة الكويت أكثر الدول انكشافاً، حيث أصبح القطاع النفطى يسهم بنسبة 62% من الناتج المحلى الإجمالى، وعلى عكس الكويت، لم يسهم القطاع النفطى فى البحرين إلا بنسبة 27% من الناتج المحلى الإجمالى. وأشار تقرير الشركة الكويتية الصينية إلى أنه فى العامين الماضيين، ثبت حجم الصادرات وانخفض سعر النفط من دول منظمة أوبك تدريجياً من متوسط 110 دولارات فى عام 2012 إلى 105 دولارات فى عام 2013 وبذلك، انخفض تأثير النفط فى دول مجلس التعاون الخليجى، مما خفض مساهمة النفط فى الناتج المحلى الإجمالى لتصل إلى 49%. وانخفض الناتج المحلى الإجمالى الاسمى للنفط فى جميع دول مجلس التعاون الخليجى باستثناء عمان وقطر، بينما شهد الناتج المحلى الإجمالى غير النفطى ارتفاعاً يقارب 10% فى المتوسط. وكانت التوجهات الاقتصادية فى الكويت والسعودية متشابهة فى عام 2013، حيث أدى ثبات مستويات الإنتاج وانخفاض الأسعار إلى تقلص نمو الناتج المحلى الإجمالى الاسمى للنفط بما يقارب 5%، فيما أظهر قطاع البيع بالتجزئة والقطاع التجارى مرونة، حيث استفادت المبيعات من ارتفاع مستويات الدخل، والتركيبة السكانية الداعمة لذلك، وأيضاً زيادة التمدين. وفى الإمارات العربية المتحدة، لم تتغيّر حصة النفط من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2013، وكان إنتاج النفط مستقراً على مدار العام عند مستوى 2.7 مليون برميل يومياً، وفى الجانب غير النفطى، صاحب الأداء الجيد لقطاعات مثل العقار انخفاضاً كبيراً فى قطاع إعادة التصدير، وهو عنصر أساسى فى الاقتصاد فى دبى. وقال التقرير إن اعتماد الاقتصاد على سلعة واحدة فقط يعرضه للمخاطر التى تواجهها هذه السلعة من ناحية السعر والإنتاج. وأضاف، وفى حالة النفط الخليجى لا تختلف كثيراً، فقد عملت دول مجلس التعاون الخليجى منذ سبعينيات القرن الماضى على تخفيف اعتمادها على الصادرات النفطية، ولو نظرياً. وكانت الخطط الأولية تهدف إلى تطوير قطاع صناعات الطاقة الثقيلة، بالاستفادة من فوائض بيع الطاقة. كما توجهت بعض البرامج إلى تطوير قطاع الخدمات، فروّجت البحرين لنفسها كمركز مصرفى منذ السبعينات، بينما بدأت دبى فى منتصف الثمانينيات بخلق مناطقها التجارية الحرة. وكانت هذه التجارب ناجحة جزئياً لكنها عانت من بعض العيوب التى خلقت مشاكل فى قطاعات أخرى، أو ببساطة فشلت فى أن تصبح شركات مستدامة قادرة على المنافسة. وجاءت الأمثلة الناجحة فيما بعد، حيث تعزز دور القطاع الخاص فى الاقتصاد من خلال تحسين بيئة العمل (قوانين سوق العمل، فك القيود المالية) وعبر فتح الأبواب للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وقد تم بالفعل خلق قطاعات غير نفطية قادرة على المنافسة، وخصوصاً فى دبى. ووفقا للتقرير فإن هذا الانخفاض فى الاعتماد على النفط يأتى استجابة لتغييرات مؤقتة فى أسعار النفط، بدلاً من التغييرات الهيكلية فى اقتصادات مجلس التعاون الخليجى. ويبيّن الرسم البيانى المرفق نسبة الناتج المحلى الإجمالى الذى تنتجه الأنشطة النفطية فى دول الخليج والمنطقة ككل، حيث ازداد اعتماد الدول على النفط من 40% فى عام 2000 إلى ما يقارب 50% اليوم. وقالت الشركة فى تقريرها، إن الأثر يتضح بشكل أكبر إذا ما نظرنا إلى فترة أطول، حيث نما الاعتماد على النفط من 35% إلى 50% من الناتج المحلى الإجمالى خلال العشرين عاماً الماضية. كما نما الناتج المحلى الإجمالى النفطى أسرع من الناتج المحلى الإجمالى غير النفطى. وفى حالة الكويت وقطر، الاعتماد النفطى تضاعف تقريباً، حيث ارتفع من 30% إلى ما يقارب 60%. المثال الوحيد على نموذج التنويع الناجح الذى حافظ على مستوى اعتماد نفطى واحد ولم يقلله هو النموذج الإماراتى. وتملك دول الخليج كثافة سكانية تبلغ 47 مليون نسمة وناتج محلى إجمالى سنوى يقارب 1.5 تريليون دولار أمريكى، أى مماثل لحجم كندا. وينشأ التأثير الجيوسياسى لدول الخليج من كونها تملك ما يقارب نصف احتياطى النفط العالمى المؤكد. وقد يحمل عدم استقرار المنطقة عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمى. وقد اختارت هذه الدول نماذج اقتصادية واجتماعية تمنح المواطنين جزءًا من الثروة الناتجة عن تصدير النفط من خلال رواتب القطاع العام والدعم المالى. وقد فشلت هذه النماذج فى خلق أى قطاع منافس قادر على قيادة النمو فى غياب الإيرادات النقدية المستقرة الناتجة من النفط. وعلى المدى الطويل، لا تمكن استدامة هذا النموذج لعدة أسباب: أولاً، مع زيادة الرواتب يتزايد مستوى المصروفات الحكومية باستمرار بينما تواجه الإيرادات تذبذباً، فالصادرات النفطية تشكل ما يقارب ثلاثة أرباع الدخل الحكومى، بينما تكاد الضرائب أن تكون معدومة. ثانياً، جميع مصادر النمو الأخرى (الاستهلاك، الإنفاق الحكومى، وإلى حد ما الاستثمار الخاص) تعتمد على الإيرادات النفطية. فالانخفاض الممتد لهذه الإيرادات قد يؤدى إلى انهيار الاقتصاد بأكمله. ثالثاً، ينتج القطاع النفطى مستويات منخفضة من التوظيف، فيما تملك دول الخليج مجموعة كبيرة ومتزايدة من الشباب العاطلين عن العمل، مما سيشكل ضغوطاً مالية واجتماعية. رابعاً، يعيق نموذج النمو المعتمد على تصدير الموارد الطبيعية تطوير قطاع صناعى محلى قادر على المنافسة، وهو ما يعرف اقتصادياً بال"مرض الهولندى". الطلب القوى على العملة المحلية يخفض قيمة الواردات ويرفع قيمة الصادرات، مما يضعف كل من الطلب المحلى والخارجى على الصناعات المحلية. باختصار، لن يتمكن النظام الاقتصادى المعتمد على إيرادات الصادرات النفطية فقط باستدامة مستوى دخل عال مع مرور الوقت. ومن المثير للقلق أن قلة التنويع تنطبق على جوانب أخرى فى المنطقة كنوع من التأمين، تتجه المحافظ السيادية الخليجية والمستثمرين إلى استثمار جزء من دخلهم فى الخارج لحماية أنفسهم من الانخفاض المتوقع فى الإيرادات النفطية. ومع الأسف، لا تتوجه هذه الاستثمارات إلا إلى مجموعة صغيرة من الدول، غالباً الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة، وفى أنواع محددة من الاستثمارات فقط، مثل الشركات الكبيرة والقطاع العقارى، ولذلك يجب أن يكون التنويع فى مركز استراتيجيات التنمية والاستثمار الخليجية.