اتسمت جلسة القصة القصيرة وقضايا النشر فى رأبع أيام مؤتمر القصة القصيرة بإثارة العديد من المشكلات التى يتعرض لها المبدعون مع دور النشر الحكومية والخاصة. ورغم أن موضوع الندوة كان يركز فى الأساس على نشر القصة القصيرة، إلا أن الكثير من المبدعين والكتاب الصحفيين قد تطرقوا إلى اتجاه دور النشر الخاصة للحصول على أموال من المبدعين مقابل نشر أعمالهم. أدارت الندوة الناشرة فاطمة البودى، وحضرها من الصحفيين مصطفى عبد الله، إخلاص عطا الله، يسرى السيد، ومن المبدعين رحاب كساب، ومنى ماهر وآخرون، ومن الناشرين كرم يوسف صاحبة الكتب خان للنشر وإلياس فركوح صاحب دار أزمنة. وأشارت إخلاص عطا الله إلى أن الصحافة وسيلة أساسية من وسائل المعرفة لدى كاتب القصة القصيرة، وهو اللون الذى تزايد الإقبال على قراءته لصغر مساحتها فى وقت تزايد فيه اللهاث وهى لحظة إنسانية مكثفة. وتطرقت إخلاص إلى أن هناك نوعين من النشر، أولهما الحكومى وهو المسلك الطبيعى الذى يجب أن يتبعه الكاتب على حد قولها فى بداية رحلته الإبداعية، لكن هناك بعض التضحيات التى يجب أن يقدمها المبدع منها الوقوف فى الطوابير الحكومية. وأكدت إخلاص على أن النشر الخاص يواجه مشكلة، وهى أن الناشر يفضل الربح المادى ويعرض على الكاتب 3 بدائل إما أن يتحمل التكاليف كاملة للكتاب، أو نصفها، أو تتحمل الدار كل شىء، وفى هذه الحالة لن يعرف الكاتب أشياء كثيرة منها أرقام التوزيع وخلافه. الكاتب يسرى السيد المشرف على صفحة نادى أدباء الأقاليم بالجمهورية أوضح أن يعانى من ضيق سقف الحرية فى النشر، وقال إن هناك أنواعا من الجهل يتعرض لها عند نشر إبداع فى الصفحة، وأكد أنه كثيرا ما يصطدم بمسئولى التحرير داخل المؤسسة عند نشره نصا فيه مس مباشر بالجنس أو بالسياسة، وغالبا ما ينقلب عليه الجرنال. وحكى يسرى السيد حكاية تتعلق بالشاعر الراحل أمل دنقل، عندما أراد أن ينشر مجموعة من قصائده غير المنشورة، فوجئ باعتراض عدد من المسئولين، وأحدهم سأله "مين أمل دنقل دى؟" ومسئول آخر قال "تلاقيها واحدة صاحبته". وأكد يسرى السيد أن القصة القصيرة أسعد حالا من الرواية فى النشر الصحفى، وأنه عندما تصدى لنشر روايات مسلسلة، فوجئ بأحد المسئولين أيضا يعاتبه على أن أعداد التوزيع لم ترتفع بعد أن نشر أسامة أنور عكاشة وإدوار الخراط. ووجه السيد لومه لدور النشر التى تقوم بالحصول على أموال من الكتاب والمبدعين، وهى ظاهرة طالت أيضا دور النشر الحكومية، وفوجئ بعدد من الكتاب الكبار ينشرون فى السلاسل المحترمة بالحكومة، ويدفعون أموالا مقابل ذلك فى حفلات توقيع وبوسترات. واقترح يسرى السيد فى ختام حديثه بأن يتم عمل طبعات فاخرة لمن يستطيع أن يدفع فى دور النشر الحكومية، والمحافظة على الطبعات الشعبية بجانبها. وهاجم السيد إحدى دور النشر الخاصة الكبرى التى روجت لنشر المدونات فى سلسلة، وقامت بقتل القصة القصيرة دون أن تقصد. وأشارت البودى إلى أن كتاب المدونة قد أثبت فشله، وأن القارئ يستطيع أن ينتقى. ثم تطرقت إلى أن مشروع مكتبة الأسرة المدعوم يخرج إلى المعارض الخارجية وتضعنا نحن كناشرين فى حرج، عندما يجد القارئ كتابين فى طبعتين بسعر زهيد وسعر مرتفع، مؤكدة على أن هذا المشروع كان يتوجه فى الأساس إلى القارئ المصرى. وتحدث الكاتب مصطفى عبد الله، مشيرا إلى أنه لن يفشى أسرارا مثل يسرى السيد، لكنه سيتحدث عن مشكلة الكتاب المدعوم فى مكتبة الأسرة، مشيرا إلى أن هيئة الكتاب لم تعد كسابق عهدها، وأن أداءها اختلف، حتى عناوين الكتب صارت تشبه بعضها، بجانب إعادة نشر كتب كثيرة بدعوة أهميتها، لكن الظاهر أنه لا توجد خطة واضحة لذلك. وأشار عبد الله إلى أن الصفحة الثقافية التى يشرف عليها فى الأخبار لم تعد تنشر إبداعا لظهور أخبار الأدب، لكنها فقط تتابع الظواهر والحركة الإبداعية، واستطاعت أن ترسخ ذكر اسم الناشر الذى كان سابقا ممنوعا. وأشار عبد الله إلى مشكلة ابتعاد الناشر عن نشر القصص القصيرة والدواوين الشعرية، والمشكلة أن الناقد قد يكتب ويقول "ردىء"، لكنه قد يتعرض للإساءة من كتاب غير محترمين، وللأسف هم ليسوا مبدعين، لأن المبدع الحقيقى يتقبل النقد. وقال مصطفى عبد الله إن الكاتب الردىء يطارد الصحفى، ويطارد الإعلامى، ويطارد الناقد، لأنه يريد أن يصبح نجما بأى وسيلة. الناشرة كرم يوسف صاحبة الكتب خان للنشر تناولت فى مداخلتها تكلفة الطباعة والنوعيات المختلفة للورق، بحيث يصل الكتاب للقارئ بشكل جيد، وتناولت أيضا مشكلة التوزيع خارج القاهرة، كما أكدت على أهمية استخدام الباركود كنظام لحصر أعداد الطبعات، وركزت فى كلمتها على مساعدة الكتاب، وعدم أخذ أموال منهم لنشر إبداعهم، وهو ما أشارت فيه إلى أن الكاتب هو الذى يختار أن يدفع لنشر إبداعه. إبراهيم الحسينى أشار إلى أن القصة القصيرة أبلغ من الرواية الفضفاضة، وأكد أن أهم أسباب أزمة الرواية هو حصول نجيب محفوظ على نوبل فى الثمانينات، مما جعل كتاب الرواية يطمعون فى الحصول عليها أيضا، وكذلك مقولة جابر عصفور، عن زمن الرواية، والظرف الاجتماعى القاهر. وأشار الحسينى إلى أن المبدع الحقيقى يجب أن يكون مسئولا عن إبداعه، لكن فى مصر يتحمل أيضا مسئولية تمويل نشره، كأنه عامل لا يحصل على أجر بل يدفعه ليعمل. القاصة رباب كساب قالت إنها انتظرت كثيرا قبل النشر، وعندما صدر عملها الذى تحملت كل تكاليفه، بما فيها أجر المصحح، وجدت الكثير من الأخطاء اللغوية فيه، وأشارت إلى أنها لم تعد تستطيع الانتظار أكثر من ذلك لنشر إبداعها، فاضطرت أن تدفع لتنشر. القاصة منى ماهر قالت إنها لا تدفع لنشر إبداعها، وإنما تدفع لكسب الوقت وتعجيل ظهور الكتاب، بدلا من أن ينتظر فى طابور طويل مثل طوابير المؤسسات الحكومية.