أنا يا آنسة أعمل محاميا تحت التمرين. أو تحت الصفر، أو فوق الصفر، لا يهم أعتقد أنك تعرفين ذلك جيدا، والرجل الذى أعمل عنده – وليس معه – يحترمنى جدا وأنا أحتقره جدا، هل تعرفى لماذا يحترمنى أود أن أخبرك، لأنى وباختصار شديد وبطريقة لست أعرف متى تعلمتها؟ أعطى للباش مُحضر خمس جنيهات لإنهاء مصالح المكتب فى يده كل صباح، هل تعرفى الباش محضر؟ إنه رجل جنتلمان، رجل نزيه جدا وفخم جدا، ومتكبر وأنفه فى السماء السابعة، ولا يقبل أقل من عشرة جنيهات أبدا، لكن حين يرفع رأسه رغم ذلك، وينظر على ملابسى ثم يقول كلاما ليس قليلا عن الجيران وخواطر الجيران وأحوال أبناء الجيران أشكره بأدب جم وأكون سعيدا لأننا جيران، ولأنى أعرفه منذ الصبا، وهو يحمل شنطته الكبيرة ويتمشى فى الحارة مفتخرا بنفسه، هذا هو الباش محضر يا آنسة وهذا هو عملى، ومع ذلك فأنا أعذرك. هل ابتعدتى عن صمتك هذا قليلا، قولى أى شىء؟ لا تنظرى إلىّ هكذا.. تكلمى لا تقولى مرتبى / مرتبى يا آنسة لا يكفى ثمنا لغذاء بسيط فى هذا المكان الذى نضطر للجلوس فيه، كى تمنحينى قليلا من جمال عينيك، الهادئتين وكلمة أو كلمتين أتذكرهما عند النوم، أو تلمسى يدى بأطراف أصابعك الباردة وتنظرين إلى باسمة، بخجل مصنوع... لا يا آنسة أعرف أن هذا كلام معاد..... لا تعترضى ... اسمعينى للنهاية إنهم ستون جنيها مصريا لا غير تضيع هباء منثورا، منثورا، مرات، ومرات فى المواصلات بين قريتى المظلمة الدافئة التى أنام فيها مساء، وبين مدينتك الباهتة الشاحبة، حين أجوب شوارعها نهارا، باحثا عن لقمة العيش ستون جنيها غير كافية لسد رمقى طوال الشهر، أنت تعرفين أننى أريد أن أتزوجك حالا، وأنى شغوف جدا لملامسة جسدك هذا الجميل....... لا تدارى ابتسامتك، ابتسمى كما تشائين هذا سيكون طبيعيا جدا بعد زواجنا، إننى أحلم كثيرا بمناوشة واحدة مثلك... اضحكى / لا يهمك يا آنسة كلنا نضحك وكلنا نبكى لا فرق بين الضحك والبكاء - ماذا؟ -أبوك..؟ -ومالى أنا ومال أبوك، فليروح ليتزوج واحدة غير أمك............... لا تغضبى يا آنسة لا أقصد تماما كل ما قلت، أنت جرحتنى ألف مرة من قبل وأنت العارفة بالحال وبالمحال والواثقة مائة فى المائة أنى أحبك، وأنى أرعاك داخلى زهرة وحيدة فى حياتى كلها، أنت مقتنعة تماما بهذا الكلام الذى قلناه، الذى أصبح بلا معنى مثلى ومثلك لا داعى لأن أكرر ما قلته، ليس هناك ما يستوجب أن نضع كفوفنا على الخدود ونبحلق ونلعن الزمان الأغبر الذى نعيش فيه ونقول كلاما فارغا عن الواقع والأحوال وأسلوب المعيشة ومتوسط الدخل، والمشكلة السكانية، كل ذلك صار طبيعيا....... (الفارق الطبقى والقانون الإلهى) هذه مصطلحات يا آنسة، هل تعرفى؟ أنا لا أفهم فى القانون بقدر فهمى العميق لعيون الباش محضر حين ينظر فى الورق، أعرف تماما كيف يخرج الختم من درج مكتبه؟ هذا كل ما فى الأمر........... الحل؟ لست أدرى يا آنسة، لا أعرف ما هو الحل، ربما سوف أعرفه فيما بعد ............ يمر الزمن أو لا يمر وما ذنبى أنا، فليأتى المأذون ويشطب كل ما كتب وننسى نحن كل ما سبق..... نعم ..... وهو كذلك يا آنسة. هو لك/ أنا لا أحبك وكفى، واحد غيرى هو الذى كان يقرأ لك الشعر فى الطرقات، أمام المدرج، على النجيل الأخضر يرفع الوطن كنشيد أغنية، وحين يلمح فى عينيك انتصاره، ينتصر، ويرى بياض العالم ويقول حتما سأصل، هذا الواحد الغيرى كان يدخل لك دون معرفة، دونما حتى إشارة، يعرفك وتعرفيه كان يمتلك فى قبضته العالم، إنه غيرى تماما، طيب ورائع مثلك، ليس مخادعا ولا انتهازيا، ولا يعرف الباش محضر وليس جاره كان فىّ ثم خرج، أو مات لا يهم............ انتهينا يا آنسة مع السلامة وأرجو أن تدفعى الحساب، وسوف أرسل لك الورقة عن طريق الباش محضر ملاحظة:- (تم الطلاق وديا دون اللجوء للباشا محضر)