دبى والرفاهية يكادان أن يكونا مترادفين لمعنى واحد، فالإمارة بها أطول برج فى العالم، وجزر من صنع البشر على هيئة نخيل، وأسطول سيارات شرطة من فيرارى ولامبورغينى وبوغاتى فيرون التى يبلغ سعرها 2.5 مليون دولار. والآن لتعزيز اقتصادها وعنصر الإبهار بها، وضعت الإمارة نصب عينيها صناعة الموضة العالمية التى تقدر بعدة مليارات من الدولارات، والتى تهيمن عليها حاليا الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان.. ولكن فى الشرق الأوسط تتصدر دبى المشهد التجارى، حيث تبلغ حصتها نحو نصف سوق الإنفاق الاستهلاكى للتجزئة. وبينما تصارع شعوب أخرى بالمنطقة احتجاجات وعنفا واضطرابات تمنح ناطحات سحاب دبى وبريقها ورفاهيتها مدا لا ينتهى من اللهو والملذات. تضع مؤسسة "سى بى آر إى" العقارية دبى فى المرتبة الثانية عالميا بالنسبة لمتاجر التجزئة الدولية، بعد لندن.. فأكثر من نصف متاجر التجزئة الدولية الرئيسية لها فروع ومنافذ فى دبى، وثلث إنفاق الرفاهيات فى الشرق الأوسط يتم هناك، بحسب مكتب استشارات باين وشركاه. إلا أن مسئولى الإمارة يطمعون فى المزيد، فهم يريدون أن تتطور دبى لتصبح مركز الابتكار الجاذب لأفضل مصممى المنطقة. وقد بدأت أعمال تشييد مشروع ضخم باسم "حى دبى للتصميم"، وهو مخصص لصناعة الموضة، وسيضم استوديوهات للتصميم وفنادق وشقق سكنية فاخرة، وبالطبع مراكز للتسوق. وتقول أمينة الرستمانى، الرئيسة التنفيذية لشركة تيكوم للاستثمار المطورة للمشروع، إن تكلفة المرحلة الأولى تبلغ نحو مليار دولار، وتبلغ مساحتها 1.7 مليون متر مربع، ومن المقرر الانتهاء منها بحلول عام 2015.. وتضيف أن الفكرة هى جمع الأذهان الابتكارية المبدعة معا تحت مظلة واحدة، وفى موقع واحد تقام به فعاليات وأنشطة محددة، ويتم الترويج له بين السائحين لرؤية ما الذى يمكن أن تقدمه دبى لهم. ولأن الأجانب يشكلون معا نحو 90 بالمائة من عدد السكان يقول مصممو دبى، إن المدينة موقع مفضل لاستقبال العلامات التجارية الجديدة ورجال الأعمال الراغبين فى الاطلاع على الأحدث.. وبسبب موقعها المتميز تربط الإمارة طرق التجارة بين الشرق والغرب. تقول شيماء قرقاش، وهى واحدة من ثلاث أخوات إماراتيات يقفن وراء مشروع "هاوس أوف فطم" الذى بدأ منذ ثلاث سنوات "دبى وعاء تمتزج به الجنسيات، توجد أكثر من 200 جنسية هنا، لذا هناك دائما جمهور مختلف مستهدف لنخدمه دون الحاجة لمغادرة البلاد". من بين 7.6 مليارات دولار أنفقت فى الشرق الأوسط على الموضة فى 2012، كان نحو الثلث فى دبى وحدها، وفق باين وشركاه. ويقول مصممون محليون إن هناك سوء فهم بشأن المرأة العربية فى الخليج التى عادة ما ترتدى عباءة سوداء تقليدية فوق ملابسها وغطاء رأس أسود أيضا، وربما تغطى وجهها أيضا بنقاب أسود.. مفاد هذه النظرة الخاطئة أنهن تقليديات أيضا فيما يرتدينه تحت العباءة ووسط نساء أخريات. تقول لمياء قرقاش إحدى مؤسسات هاوس أوف فطم "هن بالفعل أكثر جرأة عما يعتقد الناس". وتقول مصممة الأزياء اللبنانية زيان غندور إن الموضة ليست رفاهية، بل ضرورة فى هذا الجزء من العالم. وهى واحدة من ثلاث نساء يملكن سلسلة متاجر صوص التى لها ستة فروع بالإمارات، وتقول إن غالبية عملائها نساء خليجيات لا يخشين ارتداء الألوان الفاقعة وأحدث الموضات. وتضيف "المرأة فى هذا الجزء من العالم تأخذ مسألة الموضة بجدية شديدة". أما لما طاهر، المصممة السعودية، فتقول إن علامتها التجارية "لومى" تباع فى أنحاء المنطقة لأن النساء العربيات أصبحن يدركن قيمة المنتجات المصنعة محليا، وليس فقط العلامات التجارية الدولية الفاخرة. وتقول طاهر "27 عاما" "إنهن يحببن استعراض جمالهن، لكن هناك طرق مختلفة لذلك، وسبل مختلفة، يمكن أن يتم ذلك علانية أو فى تجمعات وفعاليات وحفلات خاصة "بالنساء فقط". كما سيقوم حى التصميم على مدار العقد المقبل بدور البوابة للمصممين المحليين من شمال أفريقيا أو جنوب آسيا. وتقول الرستمانى "نحن نؤمن بأن حى التصميم سيكون مختلفا عما تسمعه عن باريس أو ميلانو.. نريد ابتكار هويتنا الخاصة". وترى مصممة المجوهرات المصرية عزة فهمى، أنه إذا أرادت دبى أن تقدم شيئا متميزا وأصيلا فعليها أن تجذب مصممين من خارج الإمارات. وتعد فهمى، التى تعمل مستشارة للمشروع، قدوة ومثلا أعلى للمصممين العرب بسبب مزجها بنجاح بين الفن المصرى والإسلامى فى حليها التى تقبل النساء على ارتدائها. وقد ابتكرت مجموعة من المجوهرات للمتحف البريطانى باستلهام من موسم الحج، وستعرض مجوهراتها الأحد المقبل خلال أسبوع الموضة بلندن، أثناء عرض لتصميمات ماثيو وليامسون. تقول فهمى إن حى التصميم يحتاج أكثر من مجرد مبانى، فالمدن القديمة كالقاهرة ودمشق تلهم الفنانين، بتاريخها وحضارتها الممتدة لآلاف السنين والتى تبدو فى الأسواق القديمة والمعمار والشعر وحتى المطبخ. وتضيف "عليك بالتعاون مع الدول المحيطة بك التى لديها حضارات وثقافة، ليساعد بعضكم بعضا". بالنسبة لدبى تعنى الموضة أعمالا ومشاريع. فصناعة التجزئة تشكل ثلث اقتصاد دبى، وفق مجموعة أوكسفورد للأعمال. فالتسوق معفى من الضرائب، والإمارات بها نحو 400 مركز تسوق. واستقبل مول دبى أكثر من 75 مليون زائر العام الماضى، نصفهم من السائحين، بحسب ما ذكرت شركة إعمار المطورة للمركز التجارى. ولمساندة سوق التجزئة الصاعدة تعتزم إعمار إضافة 304 آلاف متر مربع إلى مساحة مول دبى. مركز تسوق كبير آخر، هو مول الإمارات، يرغب فى مضاعفة مبيعاته واستثمار مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة لإضافة متاجر ومطاعم جديدة. وتتماشى تلك التوسعات مع خطط دبى لتنمية السياحة. وستستضيف الإمارة معرض ورلد إكسبو لعام 2020، ويتوقع مسئولون أن يجذب الحدث الذى يستمر ستة أشهر 17.5 مليون زائر من خارج الإمارات. وقال سيريل فابر، محلل سوق الموضة بمؤسسة باين وشركاه، إن السياحة والموضة تدعمان بعضهما فى الإمارات. فالتسوق هو ثالث الأسباب التى تدفع السائحين للقدوم إلى دبى، وذلك خلال فعاليات أقيمت العام الماضى باسم فاشون فورورد، جمعت مصممين محليين ومشترين وعاملين ومهتمين بالصناعة. وأضاف "الموضة عنصر جذب سياحى كبير، وبنمو صناعة الموضة تنمو السياحة، والعكس بالعكس".