علق خالد صلاح شارة سوداء ذات يوم على ذراعه.. وعلقها أكرم القصاص وسعيد الشحات وعادل السنهورى وعماد حسين.. ووائل قنديل وحمدى عبد الرحيم وطلعت إسماعيل وحمادة إمام، وبكى سعيد شعيب ليلة كاملة وهو يضع كارنيه نقابة الصحفيين أمامه. أنت الآن فى منتصف التسعينات، مقر صحيفة العربى بشارع ضريح سعد زغلول، وفى المدخل كنت ترى الشارات السوداء اعتراضا على تأخير تعيين كل هؤلاء الموهوبين.. التقليد جديد ويليق بموهوبين أقاموا صحفا وصنعوا تجارب، طافت بهم مدن وبلدان وتجارب صغيرة وفاشلة.. اعتلت صحة بعضهم وأنجب آخرون بناتاً وأولاد، وغاب بعضهم سنوات طويلة. ولكل هؤلاء قصص وحكايات مع بعضهم البعض، وفى شقة سعيد شعيب بالعمرانية، لم تكن تدخلها الشمس فى أى فصل من فصول العام وكانت مأوانا وملجأنا دائما، كان من الممكن أن تجد نصف هؤلاء تقريبا يضحكون ويبثون الشكوى ويأكلون طبخة معتبرة من اختراعات أكرم القصاص الذى ساعدته هذه الرحلة الطويلة لدرجة أنه كان يكتب بابا فى صحيفة الجيل باسم "أكرم قصاصينو" يسخر فيه من كتب وبرامج الطبيخ. لم يكن بمصر صحف، فقط، الأهالى والعربى والأحرار، بخلاف صحف الدولة طبعا، ولم يكن العالم الفضائى قد اتسع أو حتى ظهر أصلاً، وجيل كامل ينحت فى الصخر ويقاتل ويكتب أكرم القصاص مقالا لا ينسى عن يقين "النمل"، كان يرانا جميعا ونحن نسير فى طوابير بطيئة بحثا عن الرزق والتحقق والوجود. وفى احتفال اليوم السابع تجسد كل ذلك أمامى.. ياااه.. كم أنت عظيم يا رب.. لقد منحت الموهوبين مكانا يليق بهم،كافأتهم بعد صبر ويقين بأن القادم أفضل. رأيت بريقاً مختلفاً له طعم الشقاء والتعب وقلق السنوات وغباء رؤساء تحرير اضطهدوا بعضنا كثيراً، رأيت لحظة انتصار على تجارب مريرة وقاسية.. كان بعضنا لا يجد ما يكفى لسد الرمق ونستلف من بعضنا البعض بالخمسة جنيه والأربعة والتلاتة، وكانت كل هذه الأرقام تكفى لسندوتش ومواصلات.. وهل يريد البنى آدم أكثر ؟!.. كان الجميع يضحك ويتحرك بثقة، هنا رئيس تحرير مّنا، يشبهنا، شاركنا معاناة التاريخ ومآسيه، نلف أيادينا حول كتفه ونحن نحدثه، وأحيانا ننتقده ونستفزه هنا تجربة بطعم الحياة. لم يقل أحدهم ذلك.. لكننى سمعته ورأيته فى تحركاتهم حوله ومعه، يستقبلون ضيوفهم الذين هم أصدقائهم فى فرحة وبهجة وروح تتسرب من طاقات سعيد شعيب، الذى كان يكتب فى التسعينات ثمانية موضوعات فى اليوم الواحد، إلى الموهوبين محمد الدسوقى وووائل السمرى ومحمد صلاح العزب. بجوارى الشاعر الموهوب إبراهيم داود ووجوده على تلك الترابيزة كان يكفى لتجد عليها عددا مرعبا من الموهوبين: صديقنا حمدى رزق الذى أحيا "المصور" وهى رميم، وطارق حسن الذى فعل نفس الشىء فى "الأهرام المسائى" بعد كانت خاوية على عروشها، وياسر أيوب وجمال العاصى.. وحكايات تتناثر وقصص وتاريخ من التعب آن له أن يستريح ولو قليلا، وشاشة تعرض أعدادا من اليوم السابع وتسجيل للاحتفال بصدور الصحيفة، وأمامنا شموع جميلة تحمل "لوجو" اليوم السابع. وتربيزتنا تتحول إلى ضحكة مجلجلة، يقوم أكرم ويعود سعيد شعيب ويشعل وائل السمرى سيجارة، وتتجدد الضحكات فى يوم بديع رأيت فيه كل أصدقائى حتى الذين غابوا.. وعدت منه مبسوطا مرتاحا.