وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة    زراعة النواب توافق على مشروع موازنة ديوان عام وزارة الري    استمرار أعمال برنامج التوعية بدور الإدارة المتكاملة للمخلفات الصلبة بالدقهلية    بعد تعدد حالات التحرش والخطف.. طلب إحاطة لوقف نشاط شركة أوبر في مصر    اليوم... بدء التشغيل التجريبي ل"التاكسي الكهربائي" داخل العاصمة الإدارية الجديدة    رجال أعمال الإسكندرية تتفق مع وزارة الهجرة على إقامة شراكة لمواجهة الهجرة غير الشرعية    أوامر ملكية بإعفاءات وتعيينات جديدة بالسعودية    الحكومة الكويتية تؤدي القسم وأمير البلاد يوجه كلمة للوزراء الجدد    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    رياضة النواب: لقاء مع 5 وزراء بالحكومة لفض الاشتباك بشأن ولاية مراكز الشباب    الاتفاق السعودي يسعى لضم نجم الدوري الإنجليزي    إصلاح كسر خط وقود وبدء أعمال الضخ في المنيا    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    جلسة تصوير لطاقم عمل فيلم Le Deuxième Acte بمهرجان كان (صور)    رئيس رابطة الجامعات الإسلامية في جولة تفقدية بمكتبة الإسكندرية.. صور    اعرف قبل الحج.. حكم الاقتراض لتأدية فريضة الحج    صحة المرأة بأسيوط تعلن تركيب اللولب بالمجان أثناء الولادة القيصرية    محافظ جنوب سيناء: تنفيذ 10 محطات تحلية وأنظمة طاقة شمسية لخدمة التجمعات السكانية    عيد الأضحي 2024: متى يبدأ يوم عرفة ومتى ينتهي؟    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    المشرف على الحجر الزراعي المصري يتفقد المعامل المركزية بالمطار    ب عروض مسرحية وأغاني بلغة الإشارة.. افتتاح مركز خدمات ذوي الإعاقة بجامعة جنوب الوادي    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    «الأعلى للإعلام» يهنئ «القاهرة الإخبارية» على فوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    الفنانة سلمى أبو ضيف تعلن خطبتها    على أنغام "حادى بادى" .. المتحدة تحتفل بعيد ميلاد عادل إمام بمشاهد من أعماله    مساعد كلوب في ليفربول يتولى تدريب سالزبورج    وزير التعليم العالي ل النواب: السنة تمهيدية بعد الثانوية ستكون "اختيارية"    «الصحة» تقدم 5 نصائح لحماية صحتك خلال أداء مناسك الحج 2024    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    افتتاح مركز خدمات ذوي الإعاقة بجامعة جنوب الوادي    6 يوليو.. بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني بمركز التعلم المدمج ببني سويف    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الإفتاء توضح حكم الطواف على الكرسي المتحرك    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    تحرير (148) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    "التعاون الإسلامي" تؤكد دعمها الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    «حياة كريمة» تطلق قافلة تنموية شاملة إلى قرية شماس بمركز أبو النمرس    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    6 ميداليات لتعليم الإسكندرية في بطولة الجمهورية لألعاب القوى للتربية الفكرية والدمج    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    سؤال يُحير طلاب الشهادة الإعدادية في امتحان العربي.. ما معنى كلمة "أوبة"؟    الداخلية: سحب 1539 رخصة لعدم وجود الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    «إكسترا نيوز»: قصف مدفعي إسرائيلي عنيف على عدة مناطق في رفح الفلسطينية    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وادى الخيانة .. الحلقة الثانية ..عمر سليمان يكشف سر كراهية مبارك الشخصية لقيادات الإخوان ..الجماعة طلبت من هيكل التوسط لدى سليمان للجلوس معه أثناء محاكمة مبارك
نشر في اليوم السابع يوم 18 - 12 - 2013

قيادات الإخوان ورجال مبارك فى الداخلية والمخابرات والمجلس العسكرى.. شركاء فى الحكم والمصير
مات عمر سليمان مقهورا بعد أن أعلن ترشيح نفسه فى انتخابات الرئاسة 2012، وجد عاصفة من النقد والهجوم وتكسير العظام تقودها جماعة الإخوان ضده، قالوا إنه قاتل ودموى وخائن.
قال عمر لمن حوله فى حيرة: عمن يتحدثون؟.. هل أنا هو هذا الرجل الذى يصفونه بأنه دموى وقاتل؟
كانت دهشة سليمان لأنه ربما كان الوحيد من بين رجال مبارك الذى كانت لديه رؤية واضحة ومحددة لإدماج الإخوان المسلمين فى الحياة السياسية المصرية، من خلال تمكينهم من تأسيس حزب سياسى، وكانت هذه فكرة مبكرة جدا، ربما قبل أن تفكر مجموعة حزب الوسط فى تأسيس حزبها، وقبل حتى أن تعلن الجماعة برنامجا لحزبها قبل ثورة يناير، وإن كانت تراجعت بعد إعلان البرنامج، فى إشارة إلى أنه برنامج عمل وإصلاح للجماعة وليس برنامج حزب.
عن قرب كان عمر سليمان يرصد علاقات قيادات جماعة الإخوان المسلمين مع جهاز أمن الدولة، وكان يعرف أن قيادات الجماعة يرتبطون بعلاقات مع قيادات فى جهاز أمن الدولة حسب الظرف السياسى الذى تمر به البلاد، فهى أحيانا علاقات توافق وتفاهم، وأحيانا أخرى علاقات تخاصم ومطاردة متبادلة، ففى الوقت الذى كان يعد فيه جهاز أمن الدولة تقاريره عن قيادات الجماعة، كان لدى الإخوان جهازهم الخاص الذى يجمع معلومات وافية عن قيادات أمن الدولة فى كل المحافظات، على الأقل لتعرف الجماعة مع من تتعامل.. وكيف لها أن تتفاهم فى الوقت المناسب.
رصد سليمان حالة التضييق الأمنى على جماعة الإخوان المسلمين فى فترات كثيرة، فقرر أن يجعل من جهاز المخابرات العامة ملجأ وملاذا للإخوان، حيث كان رجاله على اتصال بمجموعة من قيادات الجماعة ينصحونهم ويتشارون معهم ويناقشونهم حول بعض المبادرات السياسية التى كانت تطلقها الجماعة أحيانا، رغبة فى عدم الاختفاء التام من على المسرح السياسى، خاصة أن هدف أمن الدولة كان تحجيم الجماعة بشكل كامل.
راعى عمر سليمان فى علاقته بجماعة الإخوان المسلمين عدة أشياء:
أولا: لم يقابل بنفسه أحدا من قيادات جماعة الإخوان، بل كان يترك هذه المهمة لرجاله، الذين كانوا يلتقون ببعض البارزين من أعضاء الإخوان، لمعرفة آرائهم وأفكارهم، ربما فى محاولة لاستشراف ما يمكن أن يقبلوا عليه أو على الأقل ما يخططون له.
ثانيا: لم يتم الإعلان فى أى مرة من مرات اللقاء بين رجال عمر سليمان وقيادات جماعة الإخوان سواء فى مقر الجهاز أو خارجه، أن هذه اللقاءات رسمية، أو أن الضباط مكلفون بنقل رسائل معينة من القيادات، بل كان يتم التأكيد على أن هذه اللقاءات ودية للنقاش والتشاور فقط.
ثالثا: لم يكن عمر سليمان يميل مطلقا إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه كان يرغب فى لعب دور رافع الغطاء حتى لا ينفجر الإناء الذى يمكن أن يفتك به بخاره، كان يعرف أن التضييق الكبير على الجماعة يمكن أن يقودها إلى الانفجار، ولذلك كان يمسك بها قبل أن تصل إلى هذه المرحلة، فى محاولة للمحافظة على الاستقرار وعدم دخول المجتمع فى مواجهات عنيفة ودموية.
رابعا: كان عمر سليمان يسعى جاهدا إلى إقناع الإخوان المسلمين بتأسيس حزب سياسى، لأنه كان يعرف جيدا أن قوة الجماعة فى سريتها وعدم قانونيتها، فأعضاؤها يتحركون بحرية دون التزام بأى إطار قانونى، لا أحد يعرف بدقة مصادر تمويلهم ولا ما يخططون له، لكن عندما نضعهم فى إطار واضح فإنهم يمكن أن يضعفوا بشكل كبير، بل سيكونون مثلهم مثل بقية الأحزاب الهشة التى تعمل على الساحة السياسية.
خامسا: وضع عمر سليمان أمام مبارك تقارير كاملة بلقاءات رجاله مع الإخوان المسلمين، وكشف له عن أهدافه من تقريبهم والاستماع إليهم، لأن سليمان كان يدرك مدى كراهية مبارك للإخوان المسلمين.
كان هذا هو الواقع فعلا، فمبارك لم يكن مختلفا مع الإخوان المسلمين سياسيا أو فكريا، ولكنه كان يكرههم كراهية شخصية، ومن بين القليل الذى كشفه عمر سليمان فى الحوارات القليلة التى أجريت معه على هامش ترشحه فى الانتخابات الرئاسية 2012، كان إعلانه عن السبب الرئيسى فى كراهية مبارك للجماعة.
فطبقا لما رواه سليمان كانت لمبارك وجهة نظره السياسية، كان ينظر إلى الإخوان المسلمين بكثير من الشكوك، وكان يرى أنهم تآمروا على قتل كل رؤساء مصر، فخططوا لقتل عبدالناصر، وشاركوا فى قتل السادات، ثم خططوا لقتل مبارك نفسه ثلاث مرات، ولم يكن سهلا على رئيس أن يعرف أن تيارا بعينه لن يتردد فى حمل السلاح أو قتله هو شخصيا إن استطاع الوصول إلى الحكم، ولذلك كانت سياسة مبارك مع الإخوان تقوم على المواجهة.
لكن ولأن الإخوان المسلمين كانوا يريدون أن يصلوا إلى مبارك بشكل مباشر، يجلسون إليه ويتحدثون معه، فقد طمعوا أن يجلسوا مع عمر سليمان أولا، حتى يكون الرجل معبرهم الكبير إلى الرئيس، ومن بين ما يرويه محمد حسنين هيكل، أن الدكتور عصام العريان والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح عندما جلسا إليه للنقاش وتبادل وجهات النظر - هيكل يفعل ذلك دائما مع خصومه قبل أصدقائه، فهو لا يزال يعمل بروح الصحفى الذى يدرك أن شرعيته الوحيدة هى جمع المعلومات - كانا يطلبان منه دائما أن يتوسط لدى السيد عمر سليمان ليجلسا معه مباشرة.
كان هيكل يتعجب من حرصهم ودأبهم على طلبهم هذا، لكن لم يكن الطلب عجيبا ولا الإصرار غريبا، كان العريان وأبوالفتوح يدركان أن عمر سليمان قريب من مبارك إلى الدرجة التى يمكن أن تسمح له أن يتوسط ليلتقى الرئيس بقيادات الجماعة ليسمع منهم، ثم إن سليمان هو تقريبا الذى يتحدث إلى مبارك بما يجب، لا بما يحب أن يسمعه.. لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، فلا هيكل توسط ولا الإخوان جلسوا مع سليمان مباشرة.
عمر سليمان يظهر مرة أخرى على سطح الإخوان، لكن هذه المرة على صفحة صفقة واضحة ومباشرة، فما بين عامى 1995 و1996 ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عدد كبير من أعضاء وقيادات جماعة الإخوان، وكان من بين من دخلوا السجون عصام العريان وخيرت الشاطر وعبدالمنعم أبوالفتوح وعبدالحميد الغزالى ولاشين أبوشنب وجمعة أمين ورشاد البيومى ومحمد حبيب ومحمود عزت ومهدى عاكف وإبراهيم الزعفرانى وسعد الحسينى وحسن الجمل والسيد النزيلى ومحسن راضى ومحيى الزايط وحلمى الجزار وأبوالعلا ماضى.
عرفت قضية هؤلاء باسم «قضية النقابيين» وكان ثروت الخرباوى المحامى وعضو الجماعة السابق أحد المحامين الذين عملوا فى هذه القضية، وقد أشار إلى تفاصيل ما جرى فى كتابه المهم «سر المعبد».
كان ثروت وقتها لا يزال فى المرحلة الرومانسية من عمره داخل الجماعة، ينظر إلى هؤلاء المعتقلين كأبطال، دخلوا السجون لأنهم يقفون بالمرصاد أمام نظام مبارك المستبد، لكنه وجد عجبا عندما اقترب من كهنة المعبد، الذين يديرون العلاقة مع نظام مبارك بعيدا عن أعضاء الجماعة الحالمين بالخلافة وأستاذية العالم.
فى واحدة من جلسات هذه المحاكمة أثنى محمد بديع على ثروت الخرباوى وعلى جهوده فى القضية، لكن المفاجأة أن بديع قال لثروت: أنا من سجنى أساعدك قدر المستطاع، وقد أرسلت إلى إخوانك فى مكتب الإرشاد كى يكتبوا مقالة باسم الحاج مصطفى مشهور وينشروها فى جريد الشعب عن زيارة الرئيس مبارك إلى بيروت ودعمه لها ولإميل لحود بعد الاعتداءات الإسرائيلية عليها.
كان الإخوانى السابق وصديق الخرباوى عاطف عواد موجودا إلى جوار القفص، فقال لبديع: «ياريت تطلب منهم يا دكتور يكتبوها كويس ربنا يكرمك، أنا خايف يشتموا فى لبنان أو إميل لحود ويقولوا عليه شيعى أو درزى»، ابتسم بديع ربما فى ثقة وقال: «لا أنا طلبت منهم يمدحوا مبارك جدا، فهذه فرصة لنا كى نثبت أننا لا نعارض من أجل المعارضة».
كان مصطفى مشهور نائب المرشد العام فى هذا الوقت والقابض عليها من كل جانب يكتب مقالا أسبوعيا فى جريدة الشعب التى كان يرأس تحريرها وقتها عادل حسين، ومن ظاهر كلام بديع أن مشهور لم يكن يكتب المقال بنفسه، ولكن كان هناك من يكتبونه له، لكن ليست هذه هى القضية، فقد أراد بديع أن يمدح مشهور مبارك علانية، بل ويبالغ فى المديح له، حتى ينظر مبارك لهم بعين العطف.
فى هذه القضية كان الدكتور محمد سليم العوا هو رئيس هيئة الدفاع ومعه مختار نوح الذى كان منسقا لهيئة الدفاع، ووقتها قام الإخوان باستقدام عدد من المحامين الإنجليز لحضور المحاكمات بصفتهم مراقبين، وكان من حظ ثروت الخرباوى أنه كان مكلفا مع بعض المحامين الإخوان بمرافقة هذا الوفد، وكان العوا هو الشخص الوحيد المؤهل للتعامل مع المحامين الإنجليز، محامى الإخوان، فقد كانوا مجرد رفقاء طريق، أما العوا فكانت لديه كل تفصيلات القضايا بحسب موقعه فى رئاسة فريق الدفاع، كما أنه يجيد الإنجليزية إجادته للعربية.
عرف الخرباوى من خلال بعض الإخوان المقربين من الدكتور العوا أنه تدخل سياسيا للصلح بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام، وكان هدفه من الوساطة أن يتيح للحركة الإسلامية مساحة كبيرة من الحركة الدعوية.
طلب العوا مقابلة اللواء عمر سليمان مدير المخابرات، فحدد له موعدا، وفى الاجتماع عرض العوا الوساطة فى الصلح، فوافق عمر سليمان إلا أنه اشترط عدة شروط، منها أن يمتنع الإخوان عن خوض أى انتخابات نقابية أو برلمانية لمدة خمس سنوات، على أن يتيح لهم النظام حرية الحركة من خلال المساجد، فإذا وافق الإخوان على هذا الشرط يتم الإفراج عن كل المحبوسين من الإخوان.
رضى سليم العوا بما قاله عمر سليمان ووافق عليه، فقد ظن وقتها أن قيادات الجماعة سيوافقون على هذا العرض بل وسيرحبون به، فهى فرصة لا تتكرر، لكنه قبل أن يغادر مكتب عمر سليمان قال له مدير المخابرات الذى يعرف الجماعة جيدا: مأمون الهضيبى سيرفض بشدة.
كان مأمون الهضيبى فى هذا التوقيت المسؤول عن الملف السياسى فى الجماعة - نفس الملف الذى باشره محمد مرسى بعد ذلك - وكانت مفاجأة بالفعل لسليم العوا عندما وجد رد الهضيبى على عرض عمر سليمان بالرفض القاطع، بل إنه لم يمنح نفسه فرصة لمناقشة العرض مع قيادات الجماعة الآخرين.
تدور الأيام وبدلا من أن يلح الإخوان على عمر سليمان من أجل لقائه منفردا، يسعى هو إلى طلب اللقاء بهم، كان عمر قد ترك جهاز المخابرات وأصبح نائبا لحسنى مبارك، وعليه مهمة أساسية وهى أن يجرى حوارا مع القوى السياسية المختلفة من أجل الخروج من المأزق، ويعترف عمر أنه من دعا الإخوان إلى مائدة الحوار، رغم أن نظام مبارك ولأيام قليلة سبقت هذه الدعوة كان ينظر للجماعة على أنها محظورة.
برر سليمان دعوته الإخوان إلى الحوار لأنه - كما قال - كان يعرف أن الجماعة هى التى تحرك الميدان فى هذا الوقت، ورغم أن معلومات مدير المخابرات لم تكن دقيقة فإنه تعامل مع ما اعتقده على أنه أمر واقع، وكان أن دعا إليه محمد مرسى وسعد الكتاتنى للتفاهم والوصول إلى حل.
لم يكن محمد مرسى وسعد الكتاتنى هما أول من دخلوا إلى قصر الاتحادية من الإخوان المسلمين «الكتاتنى فعلها قبل ذلك مرة واحدة»، كان هناك من سبقوهما إلى ذلك، حيث التقى عدد من نواب الإخوان فى مجلسى الشعب والشورى مبارك فى القصر الجمهورى أكثر من مرة.
المرة الأولى كانت فى العام 2005 عندما عقد مبارك اجتماعا فى القصر الجمهورى فى نهاية الدورة البرلمانية بمناسبة إصدار قانون الضرائب، حضره وفد من نواب مجلسى الشعب والشورى، وكان من بين أعضاء الوفد الإخوانيان مصطفى عوض الله وصابر عبدالصادق.
المرة الثانية كانت فى العام نفسه 2005، عندما دعا مبارك عددا من أعضاء مجلسى الشعب والشورى بمناسبة إقرار التعديلات الدستورية، وفى نفس الاجتماع قام بالتوقيع على قانون كادر المعلمين، وحضر من نواب الإخوان أربعة هم سعد الكتاتنى وصبحى صالح ومحمود مجاهد ومحمد الجزار.
انتقدت قواعد جماعة الإخوان المسلمين هذه المشاركة، خاصة أن بعضا من نواب الجماعة خرج ليشيد بالإفطار فى القصر الجمهورى، وكيف كان مبارك ودودا مع الجميع.. لكن فى العام 2009 وعندما دعا مجموعة من نواب اللجنتين العامتين لمجلسى الشعب والشورى لم يحضر الإخوان، لأنهم ببساطة لم يكونوا ممثلين فى اللجنتين، بما جعل الإخوان يعتقدون أن الأمر كان مقصودا تماما.. ووقتها كان التفسير الأقرب إلى الصحة هو أن الإخوان بالغوا فى نقد الموقف المصرى من الحرب على غزة، فعاقبهم مبارك بعدم دعوتهم إلى القصر الجمهورى.
دخول الإخوان قصر الاتحادية فى 2011 كان مختلفا، فى المرات التى دخلوه قبلها لم يكن مبارك يتحدث معهم من الأساس، بل لم يكن يعترف لهم بأنهم نواب للجماعة، كانوا بالنسبة له مجرد نواب مستقلين لا أكثر ولا أقل، لم يكن يتحدث معهم ولا غيرهم، وكان يكتفى بالسلام على الجميع فقط.
كانت الثورة قائمة ونظام مبارك يتهاوى، لكن الإخوان لم يدخلوا القصر إلا من أجل الصفقات، وهنا أستشهد بما ذكره الإخوانى هيثم أبوخليل الذى خرج عن الجماعة عندما وصلت إلى السلطة - وعاد إليها فيما يبدو بعد أن تركتها - فى كتابه «إخوان إصلاحيون».. وهو الكتاب الذى ضمنه دراسة شاملة عن طموح وجموح خيرت الشاطر.
يقول هيثم: قامت الثورة المصرية المباركة فى 25 يناير، أصدر الطاغية المخلوع مبارك تكليفا لعمر سليمان بأن يتفاوض مع القوى الوطنية يوم 31 يناير، وبالفعل بدأ سليمان سريعا، وكان أول لقاء سرى مع الإخوان شارك فى التحضير له أفراد من المخابرات والجماعة الإسلامية.
يكشف أبوخليل فى شهادته تفاصيل ما جرى فى الغرف المغلقة، يقول: فى يوم 1 فبراير ذهب سعد الكتاتنى ومحمد مرسى للقاء عمر سليمان فى اجتماع مغلق ضم ثلاثتهم، وكان الحديث عندها عن سحب الإخوان لشبابهم من التحرير وتهدئة الأمور، كان فى المقابل هو حصول الإخوان على الشرعية الفعلية عن طريق ترخيص حزب وجمعية والإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك.
بعد هذه الجلسة عاد الكتاتنى ومرسى إلى مكتب الإرشاد بنتيجة المفاوضات، واجتمع أعضاء المكتب وخشى الكثيرون منهم من استكمال الاتفاق، وأقسموا ألا يخرج هذا الكلام مطلقا للنور، ولا يعرف به أحد من مجلس الشورى العام حتى لا يثوروا عليهم.
جاءت موقعة الجمل لا لتنقذ الثورة فقط - كما يرى أبوخليل - ولكن لتنقذ الإخوان أيضا، ليس من السقوط فى بئر خيانة الثورة فقط، ولكن من السقوط العام، فلو أن الجماعة تحالفت مع نظام مبارك وخرجت لتطالب المتظاهرين بالعودة إلى بيوتهم لكان سقوطها مدويا فى الميدان وفى الحياة السياسية.
واصل عمر سليمان اجتماعاته مع القوى الوطنية، وعندما سئل فى أحد المؤتمرات الصحفية عن سبب عدم حضور جماعة الإخوان المفاوضات، قال بثقة إنهم يفكرون وسيلحقون بنا، ولم يكن أحد يعرف مصدر الثقة التى يتحدث بها عمر سليمان عن مشاركة الإخوان فى الحوار، إلا هؤلاء الذين عرفوا الجلسة السرية التى جمعته بالكتاتنى ومحمد مرسى.
فى 6 فبراير- أى بعد موقعة الجمل بأربعة أيام فقط- ظهر الكتاتنى ومرسى على مائدة مفاوضات واحدة مع عمر سليمان، ويومها خرج عبدالمنعم أبوالفتوح فى فيديو مسجل بثه عبر اليوتيوب، هاجم فيه ما فعله مندوبا الجماعة فى القصر الجمهورى، ووصف قيادات الإخوان بأنهم يعيشون فى دور المضطهد الذى لم يعلم أن هناك ثورة قامت، وأن الدنيا تغيرت بالفعل.
فى 10 فبراير اجتمع مجلس شورى الجماعة، وأثناء حديث محمد مرسى - وكعادته - زل لسانه، طالبه أعضاء مجلس شورى الجماعة بمعرفة ما حدث دون الرجوع إليهم فى لقاء 6 فبراير، فقال مرسى إننا لم نتطرق لما كنا توصلنا إليه فى الاجتماع الأول.
انتفض عبدالمنعم أبوالفتوح - والعهدة على الراوى هيثم أبوخليل - وقال: هو كان فيه لقاء أول يا بديع؟ انتوا بتعملوا إيه فى تاريخ الجماعة دى؟ حرام عليكم إنتو لازم تتحولوا للتحقيق، وغادر الاجتماع غاضبا.
لم تكن شهادة هيثم أبوخليل وحدها هى التى أشارت إلى اجتماع الإخوان السرى مع عمر سليمان، تحدث عن ذلك أيضا الدكتور محمد حبيب الذى كان نائبا أول لمرشد الجماعة قبل أن تطيح به قوى الشر داخلها.
حبيب كان يتحدث فى حوار مطول مع «اليوم السابع»، وجرى الحوار هكذا:
كنت ما زلت عضوا بمجلس شورى الإخوان عند صدور قرار الجماعة بعدم الدفع بعضو لمنصب الرئاسة فى اجتماع بتاريخ 10 فبراير، ماذا حدث فى هذا الاجتماع؟
أنا رفضت حضور هذا الاجتماع وكان من المفترض أن يعقد اجتماع بينى وبين الدكتور بديع، ولم أكن مشاركا فيه، لكن الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح حكى لى ما حدث، وهو أن عددا من الأعضاء اعترضوا على لقاء الدكتور محمد مرسى والدكتور سعد الكتاتنى مع عمر سليمان بهدف الحوار مع القوى السياسية، وكنت رافضا لهذه المقابلة لأنى أعلم أن عمر سليمان كان يريد شق صف القوى الموجودة فى الميدان، بما يؤثر على وحدة هذه القوى.
هل تمت استشارة مجلس شورى الجماعة بشأن هذا اللقاء؟
كان هناك أمر آخر وهو حدوث لقاء بين قيادات الجماعة منفردين مع عمر سليمان قبل هذا اللقاء دون الرجوع لمجلس شورى الجماعة، وهو ما أثار غضب أعضاء الشورى، وكان ذلك قبل فبراير الذى شهد موقعة الجمل.
وما فحوى هذا اللقاء؟
كان محاولة لصرف الإخوان عن الميدان مقابل الإفراج عن بعض القيادات من الجماعة مثل خيرت الشاطر، لكن الشباب رفضوا وهذا ما بلغنى.
كانت الجماعة ترى الثورة قائمة أمامها، لكنها لم تتخل عن الخروج بمكاسب ولو صغيرة مما يجرى، ذهبت بمفردها، وكانت مستعدة لإجهاض الثورة لصالح نظام مبارك، من أجل تأسيس حزب سياسى والإفراج عن بعض القيادات فقط.. دون أن تدرى أن الأقدار تخبئ لها ما هو أكبر، تخبئ لها مصر كلها، لكنها عندما حصلت عليها لم تستطع الحفاظ عليها أكثر من عام واحد فقط.
لقد ظل عمر سليمان يتابع ملف جماعة الإخوان المسلمين، وفى العام 2010 أصبح على قناعة تامة أن الجماعة ستكون هى العصا التى ستدخل بها أمريكا إلى المنطقة، وضع أمام مبارك ما لديه من تقارير، وتسجيلات للإخوان، تفاصيل ما جرى فى اجتماعات رجال المخابرات الأمريكية مع قيادات الجماعة فى أنقرة، برعاية مباشرة من المخابرات القطرية.. حذر من أن المسألة جد هذه المرة، وأن الإخوان لا يساومون للحصول على مكاسب صغيرة، فهم يريدون السلطة كلها، لكن مبارك لم يقتنع بما قاله مدير مخابرات، واتهمه بالمبالغة.
قال مبارك لسليمان: لا نريد إغضاب الأمريكان منا.. وكشف معلوماتك عن اجتماعات الإخوان فى تركيا سيعتبر تجسسا على دولة مجاورة، أما قطر فهى أصغر من أن يكون لها دور فى مصر.
ظل مبارك يتجاهل الإخوان، ولم يصدق أنهم يمكن أن يشكلوا خطرا كاملا على حكمه إلا بعد أن أصبح سجينا، يتابع ببطء شديد جحافل الإخوان وهى تأتى على كل ما كان لديه.
موضوعات متعلقة :
وادى الخيانة .. الحلقة الأولى .. مبارك لم يذكر الإخوان صراحة إلا مرتين فقط.. الأولى فى 89 عندما قال للهضيبى: ما الإخوان بيتكلموا كويس أهه والثانية عندما كشف علاقتهم بالأمريكان فى 2005


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.