اعتبر الكاتب الأمريكى توماس فريدمان أن الاحتفاء العالمى برحيل نيلسون مانديلا بمثابة دليل على أننا لسنا بصدد توديع رجل وافته المنية، وأن المسرح العالمى خسر قائدا من طراز فريد. وأكد فريدمان فى مقال له بعنوان "سر تفرد مانديلا" نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية على موقعها الإلكترونى، أن الزعيم الجنوب أفريقى كان يتمتع بقدر فائق من السلطة المعنوية، وتساءل الكاتب الأمريكى عن سر هذه السلطة وكيف اكتسبها مانديلا. وتصدى فريدمان نفسه للإجابة عن سؤاله قائلا إن هذا السر يمكن الوقوف عليه من قراءة موقف واحد من مواقف مانديلا إبان فترة رئاسته الوحيدة لجنوب أفريقيا "كما يروى الفيلم السينمائى إنفيكتوس" وهو مؤازرته لفريق بلاده فى رياضة الرجبى للفوز بكأس العالم 1995، فى ظل كراهية السود للفريق كرمز للفصل العنصرى "الأبارتهيد"، إلا أن مانديلا رأى فى مؤازرة فريق بلاده "سبرينجبوس" خطوة أولى لعلاج هذا الانقسام الذى تعانيه بلاده. وأشار فريدمان إلى رفض مانديلا بعد ذلك كان مقترحا تقدم به مسئولون بلجنة الرياضة بتغيير أسماء وألوان فرق الرجبى البيضاء على نحو يعكس الهوية الأفريقية السوداء بشكل أكبر، قائلا لمسئوليه إن جزءا أصيلا من طمأنة البيض فى جنوب أفريقيا تحت قيادة سوداء يتطلب عدم اقتلاع رموزهم التى يعتزون بها "وإلا كنا ننتهج تفكيرا أنانيا لا يخدم قضية الوطن وإنما علينا بدلا من ذلك أن ندهش البيض بكرمنا". وقال فريدمان إن ثمة دروسا فى فن القيادة يمكن استخراجها من هذا المشهد القصير، منها أن إحدى طرق بسط السلطة المعنوية تأتى أحيانا عن طريق الاستعداد لتحدى القاعدة الجماهيرية للقائد وليس الجانب الآخر من الجماهير فقط، فمن السهل القيادة عبر إسماع جماهيرك ما يريدون سماعه، ومن السهل كذلك القيادة عندما تسير الأمور على ما يرام، لكن صعوبة القيادة الحقيقية تكون عند توجيه المجتمع كله جنبا إلى جنب لعمل كبير وصعب وليست مطالبة الجانب الآخر من الجماهير بعمل الأمر الصعب هى الطريق الوحيد، كمطالبة البيض فى جنوب أفريقيا آنذاك بتسليم السلطة للأغلبية السوداء، وإنما قد يكون الطريق عبر مطالبة القاعدة الجماهيرية التى تستند إليها القيادة بالقيام بالأعمال الصعبة، وذلك بمطالبة السود وقتها بتجنب العنف والانتقام لسنوات طويلة من معاناتهم الوحشية والتمييز فى ظل حكم البيض. واقتبس فريدمان كلمات للكاتب دوف سيدمان مؤلف كتاب "كيف" حول مصادر مانديلا فى السلطة المعنوية، منها أنه فعل أمورا عظيمة عن طريق تواضعه، وأن القادة الذين يصدقون مع شعوبهم ويواجهونها بالحقائق الصعبة يكتسبون ثقة تلك الشعوب فى المقابل، وهذا ما فعله الزعيم الجنوب أفريقى عندما واجه شعبه بالحقيقة ولم يسمعه ما يريد سماعه، ولم يكن مانديلا من القادة الذين يبثون القلق والشكوك فى صدور أتباعهم عبر تجاهل الحقائق أو تزويرها.