فى عامى الأول بصحيفة الشعب عام 1988، طلبت إجازة فى العيد لرؤية العائلة فى المحلة الكبرى، فرد على مسئول التحرير بأن الصحافة لا تعرف الإجازات.. وأضاف: هل رأيت قسم شرطة يغلق فى العيد؟.. نحن مثل البوليس لا نحصل على إجازات أبدا! صدقت ما قيل، وخلال 21 عاما فى الصحافة عملت مرات عدة أول وثانى أيام العيد، وكان آخرها الأحد الماضى يوم عيد الفطر المبارك، وظللت فى الأهرام حتى انتهى دوامى فى التاسعة مساء وعدت لأرى أولادى واحتفل معهم بالعيد المسائى. الغريب أنه بعد ذلك بسنوات قليلة التحقت بجريدة القبس الكويتية، ولاحظت أن الصحف الكويتية ومعظم الصحف الخليجية تتعطل فى العيد، وحين انتقلت للعمل بالأهرام الدولى اكتشفت أيضا أننا نتوقف عن الصدور فى رأس السنة الميلادية، وعيد الميلاد أو الكريسماس لأن الصحف الأمريكية والأوروبية تتعطل فى الأعياد والمناسبات. وهكذا اكتشفت أننا لسنا مثل أقسام الشرطة، وأن استمرار عمل الصحافة فى الأعياد ليس أكثر من أسطورة صنعتها الصحافة المصرية، بينما يؤمن الآخرون بأهمية الحصول على إجازات والتمتع بالحياة بعيدا عن كل ما هو مألوف ومعتاد حتى قراءة الصحيفة اليومية. بالطبع لا تتعطل محطات التليفزيون، وهى تستمر ومن يريد متابعة ما يحدث حوله عليه بالتليفزون، لكن غالبا لا يشاهده الناس فى الإجازات، ويفضلون قضاء الإجازة خارج المدن التى يعيشون فيها طوال العام. وجريا على أحد أساطير الصحافة المصرية فقد استمررت فى كتابة مقالى اليومى فى اليوم السابع، وأثقلت على القراء بكتاباتى حتى فى إجازاتهم، واحتفالاتهم.. وهو أمر أرجو أن يتقبلوا اعتذارى عنه، حتى تتخذ الصحافة المصرية قرارات جريئة بالتوقف عن الصدور فى الأعياد.. فلعلنا نستريح ونريح الناس منا لبعض الوقت! وبالطبع حكاية الصحافة التى لا تتعطل فى الأعياد ليست هى الأسطورة الوحيدة، لكن الأسطورة الأكبر والأهم هى ذاك المصطلح الشائع جدا هذه الأيام عن الصحافة المستقلة، وهو أيضا مصطلح غريب وغير مسبوق فى أى مكان فى العالم، وقد سبق لى العمل فى صحف كويتية وسعودية وبريطانية علاوة على محطات تلفزيون وإذاعة متعددة ولم أسمع هذا المصطلح من قبل. ولعل أصحاب هذا المصطلح فى مصر يقصدون أنها مستقلة عن الأحزاب والصحف القومية، أما الاستقلال بمعنى الاستقلال فهو مضاد للاحتلال ولم نعرف أن الصحف المستقلة كانت محتلة ثم تحررت.. ولا توجد صحافة مستقلة فى المطلق أو محايدة بشكل كامل، لكن الصحافة الحقيقية هى التى تبحث عن أكبر قدر من الحياد والموضوعية فقط. وهذا لا ينفى أن أى وسيلة إعلامية فى أى مكان فى العالم تعبر عن وجهة نظر.. سواء كانت للدولة التى تملكها أو الحزب أو جماعة أو شركة أو فرد. حتى فى أوروبا وأمريكا مهد الليبرالية فى العالم، تنحاز الصحافة إلى توجه سياسى أو اقتصادى معين، معروف ومعلوم ومعلن، فهذه صحيفة ليبرالية، وتلك يسارية، وهؤلاء يعبرون عن اليمين المحافظ الجديد.. ولكل صحيفة أو وسيلة إعلامية جمهور هم فى الغالب من المؤمنين بأفكارها ومبادئها. وفى الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية تتنافس الصحف فى عرض برامج المرشحين لكنها تتعامل بإيجابية أكثر مع المرشحين الذين يتوافقون مع أفكارها.. وقبل التصويت بعدة أيام تكتب كل صحيفة افتتاحيتها وتقول فيها أسباب تأييدها للمرشح أو الحزب الذى تدعمه فى الانتخابات دون أن يتهمها أحد بأنها غير مستقلة.. عقبالنا!